السلايدر الرئيسيتحقيقات

“” تفتح ملف أزمة الثقة في العلاقات السوريّة – اللبنانيّة: الرئيس القويّ… وقنبلة النازحين الموقوتة (5 – 5)

جمال دملج

– بيروت – من جمال دملج – تمامًا مثلما لا يختلف اثنان على أنّ تاريخ الرابع عشر من شهر آذار (مارس) عام 2005 شكَّل نقطةَ تحوُّلٍ هامّةً في التاريخ اللبنانيّ الحديث على خلفيّة انبثاق فجر “ثورة الأرز” التي أفضَت في المحصِّلة النهائيّة إلى انسحاب القوّات السوريّة من لبنان، فإنّ اثنين لا يمكن أن يختلفا في الموازاة على أنّ هذا التاريخ نفسه في روزنامة عام 1989، أيْ قبل ثلاثين سنةً كاملةً، هو الذي مهَّد الطريق أمام التأسيس لحالةٍ وطنيّةٍ جامعةٍ تحت شعار المطالَبة بخروج السوريّين من البلد للمرّة الأولى منذ دخولهم إليه في صيف عام 1976، ولا سيّما أنّنا نتحدَّث هنا عن اليوم الأوّل الذي فُتِحت فيه أبواب قصر بعبدا لاستقبال العماد ميشال عون على رأسِ حكومةٍ عسكريّةٍ تشكَّلَت لدى انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميّل في ظلِّ استحالةِ انعقاد جلسةٍ داخل مجلس النوّاب لانتخابِ رئيسٍ جديدٍ للسنوات الستّ المقبلة، وذلك لاعتباراتٍ أمنيّةٍ لا يختلف اثنان أيضًا على أنّ إدارة الرئيس الراحل حافظ الأسد كان لها الدور الأبرز في صبّ الزيت على نارها.

وعلى رغم أنّ الحالة العونيّة أعطَت اللبنانيّين ما يستحقّونه من عناصر الوهج والعنفوان للتمسُّك بقدسيّة هويّتهم الوطنيّة في مواجهة إرهاصات الوصاية السوريّة، فإنّ التطوُّرات التي استجدّت على الساحتين الإقليميّة والدوليّة على ضوء الاجتياح العراقيّ للكويت، وبروز الحاجة الأميركيّة الملحّة لإشراك سوريا في عمليّة “عاصفة الصحراء” بقيادة التحالف الدوليّ، سرعان ما تركَت بصماتها السلبيّة على طول الخارطة اللبنانيّة وعرضها، وأدَّت إلى الحيلولة دون انتعاش وازدهار تجلّيات ما جسَّده العماد عون في أوساط الناس من مواقفَ وأفكارٍ مشرقةٍ، ولو إلى حينٍ، ولا سيّما بعدما تمَّ تغييبه عن لبنان لمدّة خمسة عشر عامًا بموجبِ ضوءٍ أخضرَ حصل عليه الرئيس حافظ الأسد من الإدارة الأميركيّة في عهد الرئيس جورج بوش الأب، وفقًا لما كانت “” قد أشارت إليه البارحة في سياق هذه السلسلة من المقالات.

وإذا كانت الفترة الممتدّة ما بين خروج العماد عون من قصر بعبدا يوم الثالث عشر من شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) عام 1990 في أعقاب معاركَ ضاريةٍ قادها ضدّ القوّات السوريّة وما بين عودته إلى القصر رئيسًا منتخَبًا للجمهوريّة يوم الحادي والثلاثين من الشهر نفسه عام 2016 قد شهدَت العديد من المحطّات الهامّة في مسار العلاقات اللبنانيّة – السوريّة أثناء فترة الوصاية، وفي مقدِّمتها “معاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق” التي وقَّع عليها البلدان يوم الثاني والعشرين من شهر أيّار (مايو) عام 1991، فإنّ إتمام زيارة المصالحة التي قام بها لدمشق بعد ثمانية عشر عامًا من القطيعة ولقائه مع الرئيس السوريّ بشّار الأسد يوم الثالث من شهر كانون الأوّل (ديسمبر) عام 2008، أيْ خلال مرحلة ما بعد الوصاية، هي التي شكَّلَت العلامة الفارِقة الأكثر تمايُزًا على هذا المسار، ولا سيّما أنّها تمَّت على خلفيّة نظرةٍ براغماتيّةٍ تأخُذ في الاعتبار أنّ حُسن الجوار بين اللبنانيّين والسوريّين هو في مصلحة الشعبين على حدٍّ سواء، الأمر الذي لم يغفَل عن الإشارة إليه حتّى في أواخر الثمانينيّات وبدايات التسعينيّات من القرن العشرين، أيْ أثناء اشتداد وطأة المعارك حول قصر بعبدا، وخصوصًا عندما دأب علىمطالبة سوريا بالانسحاب من لبنان تمهيدًا لإقامة أفضل العلاقات معها.

على هذا الأساس، يظهر جليًّا للعيان أنّ رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة العماد ميشال عون دائمًا ما يُقرِن القول بالفعل، معتمِدًا على رؤيةٍ واضحةٍ ودرايةٍ تامّةٍ وحُسنِ تقديرٍ للأمور، وهو ما ينطبق تمامًا على مقاربته البراغماتيّة لأزمة النزوح السوريّ التي يتّفق الجميع على أنّها أصبحت بمثابة القنبلة الموقوتة في لبنان، ولا سيّما أنّه لا يفوِّت عادةً أيَّ فرصةٍ، سواءٌ في المحافل العربيّة أم في المحافل الدوليّة، من دون التأكيد على ثوابتَ مؤدّاها أنّ لبنان لا يحتاج إلى الأموال لتوطينِ مليونٍ ونصفِ المليونِ نازحٍ سوريٍّ فوق أراضيه بقدْر ما يحتاج إلى خططٍ عمليّةٍ لإدعاتهم إلى ديارهم، الأمر الذي تجلّى نهار أمس الخميس عندما كشف رئيس “التيّار الوطنيّ الحرّ” وزير الخارجيّة والمغتربين جبران باسيل أثناء إحياء الذكرى السنويّة الثلاثين لـ “14 آذار” العونيّ عن أسباب عدم مشاركته في الوفد اللبنانيّ إلى مؤتمر “بروكسل 3″، موضحًا أنّ المؤتمر “لتمويل بقاء النازحين، ونحن نريد مؤتمرات تعيد النازحين إلى سوريا”، ومعتبِرًا أنّ “التواصُل مع الدولة السوريّة والاتّفاق مع المجتمع الدوليّ فيه مصلحة”، ومشيرًا إلى أنّ “العلاقة مع سوريا ليست مقطوعةً ولا تحتاج إلى تطبيعٍ، وعلينا أن نقرَّ في مجلس الوزراء ورقةً سياسيّةً لعودة النازحين”، ومشدِّدًا على “إنّنا أخرجنا الجيش السوريّ من لبنان، وهزمنا الجيش الإسرائيليّ، وسنعيد اللاجئين السوريّين إلى بلدهم، وسنرفض توطين الفلسطينيّين، ونحن أوصلنا الرئيس ميشال عون إلى سدّة الرئاسة، وأنجزنا قانون الانتخاب، وسنؤمّن الكهرباء 24/24، وكتبنا الإبراء المستحيل حتّى أصبح قانونًا، وسنرفع الغطاء المذهبيّ عن الفساد”… وحسبي أنّ هذه المواقف مجتمِعةً إنْ دلَّت إلى شيءٍ، فهي تدلّ في المقام الأوّل إلى أنّها تعبِّر عن نكهة الثمار الشهيّة لما كان العماد عون قد زرعه في قصر بعبدا قبل ثلاثين عامًا بالتمام والكمال تحت راية الوهج والعنفوان… والخير في الرئيس القويّ القادر على إقامةِ علاقاتٍ صحّيّةٍ بين لبنان وسوريا، والمؤهَّل أكثرَ من غيره بكثيرٍ للإبحار في مضائق الأزمات الدوليّة والإقليميّة الراهنة، لصالح لبنان وليس على حسابه، سيبقى دائمًا من وراء القصد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق