د. آمال موسى
عادة من يريد الانتقام ويقوم به يكون في حالة غضب واحتقان. ولكن الأمر يختلف مع منفذ مذبحة مسجدي نيوزيلندا الذي قتل العشرات أثناء تأديتهم صلاة الجمعة أمس بدم بارد وعلى أصوات أنغام الموسيقى وبثقة واقتناع كبيرين كأنه يقوم بواجب وطني مقدس وصور الفيديو توثق لحظة نزوله من سيارته المعبأة بالسلاح، وتناوله رشاشاً آلياً ودخوله إلى المسجد حيث أطلق وابلاً من الرصاص على المصلين الأبرياء.
باختصار برر هذا الأسترالي المنتمي إلى اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين مذبحته بقراره الانتقام ممن وصفهم الغزاة، أي المهاجرين، ورداً على العمليات الإرهابية التي قام بها إرهابيون ينتمون للمجتمعات الإسلامية في أوروبا في السنوات الأخيرة.
ولم يخلُ البيان التوضيحي الذي نشره هذا الإرهابي من إشارات حول طفولته ومساره في الحياة حتى يدفع عن نفسه أي قراءة نفسية تتعامل معه ضحية أو مريضاً، وذلك من أجل تأكيد أن قراره نتاج تفكير وروية وقناعة وليس قرار شخص عاش نشأة غير عادية، وسلوكه إسقاطات لأوجاع ذاتية.
ماذا نفهم من هذا، بلفت النظر عما أراد منا أن نفهمه هذا الإرهابي المحترف؟
نفهم أن حقيقته تكمن فيما سعى إلى تفنيده: وهو أن الرجل إرهابي وككل إرهابي هو نسخة مشوهة من الإنسان.
ربما النقطة الجديرة بالتركيز والتسويق بعد هذه المذبحة هي أن الإرهاب حقاً لا دين له، ولا دين أيضاً لمن يتخذون منه ممارسة في التعامل مع المشكلات والآخرين المختلفين عنا. عندما كنا نقول إن الإرهاب لا دين له وإن الإسلام بريء من الإرهاب والإرهابيين الذين يحاولون تشويه مقاصده ورسالته كان عدد من الأوروبيين وحتى من النخب المنتمية للفضاء العربي الإسلامي يفسرون ذلك بمحاولة دفاع ضعيفة الحجة، مبررين ذلك بعدد العمليات الإرهابية التي نفذها إرهابيون ومتطرفون دينيون.
ولكن الواقع يرد بالصوت والصورة كيف أن الإرهاب فعلاً لا دين له مهما بالغ الكثيرون في التنقيب عن الأسباب من داخل المدونات الدينية.
بمعنى آخر، فإن خلاصة هذه المذبحة غزيرة الدم وكثيرة الأرواح التي أزهقت باسم الانتقام من إرهابيين متأسلمين ارتكبوا جرائم إرهابية في أوروبا… الخلاصة هي أن الإرهاب يجب أن يُدرس ويُفهم ويُقارب ويُحارب من خارج الأديان وبقطع الصلة في التفسير والتبرير بين الفعل الإرهابي ومرجعية الإرهابي الدينية.
المشكلة الأخرى الصادمة أيضاً أن نيوزيلندا من البلدان المتقدمة، حيث تصنف عالياً في التصنيفات الدولية في كثير من المواضيع بما في ذلك التعليم والحرية الاقتصادية وانعدام الفساد. كما تصنف مدنها أيضاً باستمرار بين الأكثر ملاءمة للعيش في العالم. ولكن كل هذه التصنيفات الحقيقية لم تمنع حصول مجزرة ومن أن تكون نيوزيلندا مسرحاً بشعاً للانتقام البارد الذي يتخذ من الحفل طقساً لتجسيده.
كيف يمكن أن نفسر ما جرى ومن يتحمل مسؤوليته؟
نعتقد أن أطرافاً عدّة تتحمل المسؤولية، إذ إننا أمام أخطاء تتجاوز الفضاء الواحد والحدث يتمرد على التفسيرات المعروفة والمكررة. فنحن أمام إرهابيين يحملون هوية مختلفة ومع ذلك يشتركون في الممارسة الإرهابية مع سبق الإصرار والترصد والتخطيط.
ويمكن القول إن هذه النوعية من الجرائم هي نتاج سببين؛ أولهما استسهال العالم الربط بين الإرهاب والإسلام وخلق «فوبيا» ضد المسلمين والانخراط في حملة تشويه عمياء، والسبب الثاني الانخراط بقوة أيضاً في إرساء ثقافة معاداة المهاجرين واعتبارهم غزاة ومحتلين ومغتصبي حقوق المواطن الأوروبي في حياة أفضل وأكثر رفاهية.
بالنسبة إلى السبب الأول لم تدرك النخب المسؤولة عن هذه الظاهرة خطأ إدانة الأديان وأن ذلك بتراكمه يخلق تمثلات خاطئة تفعل فعلها في الناس العاديين. فالربط بين الإرهاب والإسلام من أكبر الأخطاء التي ارتكبت والتي لم تلقَ الجهد التصحيحي اللازم لها. ونعتقد أن النخب الأوروبية التي انخرطت في خطاب الربط بين الإرهاب والإسلام يجب أن تبدأ المراجعة، لأن ما قام به الأسترالي المتطرف ينسف المنطق الذي قام عليه الخطاب المشار إليه ويفتح أفق الاتفاق على فكرة أن الإرهاب لا دين له والتعامل مع هذه الفكرة كحقيقة وليس كشعار للتسويق الإعلامي.
الخطر الآخر الذي لا يقل خطورة عن الخطر الأول يتمثل في أن الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا بدأت تحصد ثمار نضالها المستميت ضد المهاجرين وما يمارسه خطابهم من تمييز عرقي وديني وتصويرهم صورة البرابرة الجدد مع ما يعنيه ذلك من تحريض تصاعدي النبرة. والغريب أن هذا الخطاب الانغلاقي غير الإنساني الذي يغازل العزلة في كل أبعادها، إنما ينتعش في الأسواق السياسية الأوروبية مهد الحداثة وإعادة الاعتبار للفرد والحرية ولحقوق الإنسان التي من ضمنها حرية التنقل في الأرض.
فبعد تضييق الخناق على المهاجرين لنيل تأشيرات الدخول، وبعد غض الطرف على خطاب الأحزاب اليمينية المتطرفة الذي هو خطاب يحرض صراحة على الكراهية ورفض المسلمين جاليات ومهاجرين، ها هي شجرة الإرهاب قد أينعت وأنتجت أشخاصاً إرهابيين يشنون حملات رعب ويقيمون حفلات الانتقام ضد الجاليات المسلمة.
العالم عندما يفقد عقله وينخرط في الخطاب السهل الانفعالي تكون النتائج على هذا النحو.
باختصار برر هذا الأسترالي المنتمي إلى اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين مذبحته بقراره الانتقام ممن وصفهم الغزاة، أي المهاجرين، ورداً على العمليات الإرهابية التي قام بها إرهابيون ينتمون للمجتمعات الإسلامية في أوروبا في السنوات الأخيرة.
ولم يخلُ البيان التوضيحي الذي نشره هذا الإرهابي من إشارات حول طفولته ومساره في الحياة حتى يدفع عن نفسه أي قراءة نفسية تتعامل معه ضحية أو مريضاً، وذلك من أجل تأكيد أن قراره نتاج تفكير وروية وقناعة وليس قرار شخص عاش نشأة غير عادية، وسلوكه إسقاطات لأوجاع ذاتية.
ماذا نفهم من هذا، بلفت النظر عما أراد منا أن نفهمه هذا الإرهابي المحترف؟
نفهم أن حقيقته تكمن فيما سعى إلى تفنيده: وهو أن الرجل إرهابي وككل إرهابي هو نسخة مشوهة من الإنسان.
ربما النقطة الجديرة بالتركيز والتسويق بعد هذه المذبحة هي أن الإرهاب حقاً لا دين له، ولا دين أيضاً لمن يتخذون منه ممارسة في التعامل مع المشكلات والآخرين المختلفين عنا. عندما كنا نقول إن الإرهاب لا دين له وإن الإسلام بريء من الإرهاب والإرهابيين الذين يحاولون تشويه مقاصده ورسالته كان عدد من الأوروبيين وحتى من النخب المنتمية للفضاء العربي الإسلامي يفسرون ذلك بمحاولة دفاع ضعيفة الحجة، مبررين ذلك بعدد العمليات الإرهابية التي نفذها إرهابيون ومتطرفون دينيون.
ولكن الواقع يرد بالصوت والصورة كيف أن الإرهاب فعلاً لا دين له مهما بالغ الكثيرون في التنقيب عن الأسباب من داخل المدونات الدينية.
بمعنى آخر، فإن خلاصة هذه المذبحة غزيرة الدم وكثيرة الأرواح التي أزهقت باسم الانتقام من إرهابيين متأسلمين ارتكبوا جرائم إرهابية في أوروبا… الخلاصة هي أن الإرهاب يجب أن يُدرس ويُفهم ويُقارب ويُحارب من خارج الأديان وبقطع الصلة في التفسير والتبرير بين الفعل الإرهابي ومرجعية الإرهابي الدينية.
المشكلة الأخرى الصادمة أيضاً أن نيوزيلندا من البلدان المتقدمة، حيث تصنف عالياً في التصنيفات الدولية في كثير من المواضيع بما في ذلك التعليم والحرية الاقتصادية وانعدام الفساد. كما تصنف مدنها أيضاً باستمرار بين الأكثر ملاءمة للعيش في العالم. ولكن كل هذه التصنيفات الحقيقية لم تمنع حصول مجزرة ومن أن تكون نيوزيلندا مسرحاً بشعاً للانتقام البارد الذي يتخذ من الحفل طقساً لتجسيده.
كيف يمكن أن نفسر ما جرى ومن يتحمل مسؤوليته؟
نعتقد أن أطرافاً عدّة تتحمل المسؤولية، إذ إننا أمام أخطاء تتجاوز الفضاء الواحد والحدث يتمرد على التفسيرات المعروفة والمكررة. فنحن أمام إرهابيين يحملون هوية مختلفة ومع ذلك يشتركون في الممارسة الإرهابية مع سبق الإصرار والترصد والتخطيط.
ويمكن القول إن هذه النوعية من الجرائم هي نتاج سببين؛ أولهما استسهال العالم الربط بين الإرهاب والإسلام وخلق «فوبيا» ضد المسلمين والانخراط في حملة تشويه عمياء، والسبب الثاني الانخراط بقوة أيضاً في إرساء ثقافة معاداة المهاجرين واعتبارهم غزاة ومحتلين ومغتصبي حقوق المواطن الأوروبي في حياة أفضل وأكثر رفاهية.
بالنسبة إلى السبب الأول لم تدرك النخب المسؤولة عن هذه الظاهرة خطأ إدانة الأديان وأن ذلك بتراكمه يخلق تمثلات خاطئة تفعل فعلها في الناس العاديين. فالربط بين الإرهاب والإسلام من أكبر الأخطاء التي ارتكبت والتي لم تلقَ الجهد التصحيحي اللازم لها. ونعتقد أن النخب الأوروبية التي انخرطت في خطاب الربط بين الإرهاب والإسلام يجب أن تبدأ المراجعة، لأن ما قام به الأسترالي المتطرف ينسف المنطق الذي قام عليه الخطاب المشار إليه ويفتح أفق الاتفاق على فكرة أن الإرهاب لا دين له والتعامل مع هذه الفكرة كحقيقة وليس كشعار للتسويق الإعلامي.
الخطر الآخر الذي لا يقل خطورة عن الخطر الأول يتمثل في أن الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا بدأت تحصد ثمار نضالها المستميت ضد المهاجرين وما يمارسه خطابهم من تمييز عرقي وديني وتصويرهم صورة البرابرة الجدد مع ما يعنيه ذلك من تحريض تصاعدي النبرة. والغريب أن هذا الخطاب الانغلاقي غير الإنساني الذي يغازل العزلة في كل أبعادها، إنما ينتعش في الأسواق السياسية الأوروبية مهد الحداثة وإعادة الاعتبار للفرد والحرية ولحقوق الإنسان التي من ضمنها حرية التنقل في الأرض.
فبعد تضييق الخناق على المهاجرين لنيل تأشيرات الدخول، وبعد غض الطرف على خطاب الأحزاب اليمينية المتطرفة الذي هو خطاب يحرض صراحة على الكراهية ورفض المسلمين جاليات ومهاجرين، ها هي شجرة الإرهاب قد أينعت وأنتجت أشخاصاً إرهابيين يشنون حملات رعب ويقيمون حفلات الانتقام ضد الجاليات المسلمة.
العالم عندما يفقد عقله وينخرط في الخطاب السهل الانفعالي تكون النتائج على هذا النحو.
الشرق الأوسط