شرق أوسط
مقاتلو تنظيم داعش يتحركون بين القصب ويختفون عند بدء القصف
ـ الباغوز (سوريا) ـ بعدما تستهدف ضربة جوية جسراً مهدماً عند الضفة الشرقية لنهر الفرات، يركض بضعة رجال يُشتبه أنهم من تنظيم داعش وبعضهم مسلّح، للاحتماء بين سيارات وخيم مبعثرة، قبل أن يتوارون عن الأنظار.
ولا يعكر صفو مياه الفرات المتدفقة قرب آخر جيب للتنظيم إلا قذائف عدّة تسقط عن طريق الخطأ، خلال المعارك العنيفة المستمرة منذ مساء الأحد بين قوات سوريا الديموقراطية وآخر مقاتلي التنظيم.
يتمركز مقاتلون من قوات سوريا الديموقراطية، منهم من يتأهب خلف سلاحه وآخرون يراقبون من كثب بالعين المجردة أو بالمنظار التحركات في جيب التنظيم.
ما أن يسمع تعليمات زميله وهو يصرخ باللغة الكردية “هناك هناك، قرب الشجر إلى جانب الجسر”، حتى يبادر المقاتل شرفان إلى اطلاق الرصاص، طلقة تلو الأخرى. تمر دقائق قبل أن يصرخ مقاتل آخر “أنظر أنظر، يختبئون بين القصب قرب النهر”.
ومع مواصلتهم استهداف مقاتلي التنظيم، تنتهي ذخيرة السلاح الرشاش. يأتي المقاتلون بصناديق صغيرة، يفرغون الرصاص منها لتلقيم مخزن الرشاش.
على بعد أمتار، يجلس مقاتل على عربة مزودة بدوشكا، ينفث دخان سيجارته ويطلق القذائف تباعاً. وفي مكان قريب منه، يحمل مقاتلان صندوقين خشبيين، ثم يخرجان منه قذائف الهاون التي يتعاونان على حمل كل واحدة منها. يطلق الأول القذيفة ثم يتجه الآخر إلى حافة التلة للتأكد من أنها أصابت هدفها.
ويشرح قيادي ميداني يعرّف عن نفسه باسم هيوا، ويلفّ رأسه بكوفية خضراء اللون، لوكالة فرانس برس الإثنين أن “الاشتباكات مستمرة منذ الصباح الباكر”، موضحاً “بعدما حاصرناهم، ردوا عبر مهاجمة قواتنا، ونستخدم ضدهم الآن كافة أنواع الأسلحة”.
ويقول “يتوجهون نحو النهاية، كثيرون منهم قتلوا وعديدون سقطوا جرحى”.
من على التلة ذاتها، يمكن سماع دوي اشتباكات عنيفة من دون توقف، يتردد صداها من محاور أخرى مع محاولة قوات سوريا الديموقراطية تضييق الخناق أكثر فأكثر على التنظيم ودفع مقاتليه إلى التراجع لتقليص مساحة البقعة المحاصرة.
وتمكنت هذه القوات من السيطرة على مبان عدة كانت راية التنظيم ترفرف فوق إحداها. وباتت تطوق مقاتلي التنظيم من ثلاث جهات بينما يقع الفرات ومناطق سيطرة قوات النظام السوري في الجهة الرابعة.
“دعوهم يمرون”
على أحد خطوط الجبهة ضد التنظيم في الباغوز، يقول أحد المقاتلين لفرانس برس “نراهم يركضون فور استهدافهم وفجأة يتبخرون، كما لو أنهم يختفون تحت الأرض”.
ويتكرر هذا المشهد عند كل جولة قصف، وفق مقاتلين في الميدان.
ومنذ أسابيع، لم تتمكن قوات سوريا الديموقراطية من السيطرة على البقعة المحاصرة في الباغوز. وتعيد ذلك إلى تواجد مدنيين، غالبيتهم من عائلات عناصره، بأعداد كبيرة ومفاجئة، عدا عن تحصن المقاتلين أنفسهم داخل أنفاق.
وأبطأت هذه الفصائل الكردية والعربية، مراراً وتيرة عملياتها وعلّقتها أحياناً خلال الأسابيع الماضية، إفساحاً في المجال أمام خروج عشرات آلاف الأشخاص غالبيتهم من عائلات مقاتلي التنظيم وبينهم عدد كبير من الأجانب.
ويرصد المقاتلون من موقعهم المرتفع نساء متشحات بالسواد وهن يتنقلن أو يهربن بعيداً عن المواقع التي يتم استهدافها بالقصف.
وقال العديد من المقاتلين لفرانس برس خلال الأيام الأخيرة إن ثمّة نساء يشاركن في القتال إلى جانب التنظيم والبعض أقدمن حتى على تفجير أنفسهن.
بينما يطلق المقاتلون النيران من أسلحتهن الرشاشة، يعلو صوت مقاتل “توقفوا توقفوا هناك أطفال، دعوهم يمرون”.
ويوضح هيوا “نستطيع رؤية مدنيين، نساء وأطفال من عوائلهم، يخرجون نحو طرف المخيم(…)، نراهم يرفعون أيديهم نحونا”.
من على قمة التلة الصخرية المرتفعة، يمكن مشاهدة ألسنة النيران وسحب الدخان تتصاعد من أنحاء عدة من المخيم، قرب سيارات مبعثرة وخيم عشوائية وجسر مدمر على الضفة الشرقية للفرات.
وعلى الضفة الغربية، تبدو حقول خضراء واسعة ومبان متناثرة، تتمركز فيها قوات النظام السوري.
ويقول هيوا “في جميع الأحوال، بات الدواعش كافة محاصرين، لا يستطيعون عبور النهر لان النظام هناك ولا يستطيعون الاقتراب منا”.
ويضيف “باتوا في الوسط، لا يستطيعون الفرار وليس أمامهم إلا أن يسلموا أنفسهم. أما أن يُقتلوا أو يستلموا”. (أ ف ب)