أقلام مختارة

نتنياهو اقترب مجدداً من خطاب بار إيلان وأثار من جديد “معضلة اليساري”

ألوف بن

في كل مرة يقترب زعيم اليمين الإسرائيلي في كلامه أو في أفعاله من عملية السلام، تُثار مجدداً “معضلة اليساري”: هل نصدقه ونؤيد سياسته، على الرغم من الأضرار التي تسبب بها في الساحة الداخلية، وفي حالة بنيامين نتنياهو وأريئيل شارون أيضاً، وعلى الرغم من الفساد والتحقيقات؟ في أساس المعضلة هناك الوعي بأنه من الأسهل لرئيس حكومة من اليمين إخلاء مناطق ومستوطنات، لأن الذي سيقف في وجهه هي فقط معارضة حركة المستوطنات. رؤساء حكومة من اليسار تقف في مواجهتهم معارضة واسعة جداً تضم الليكود والذين يدورون في فلكه والأحزاب الحريدية.
هذه المعضلة ثارت مجدداً الآن حيال نتنياهو، هل سيواصل الخط الذي عرضه بالأمس في نهاية اجتماعه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أعرب فيه عن تأييد واضح لحل الدولتين؟ مما لاشك فيه أن نتنياهو يمسك بالصلاحيات العليا في إسرائيل في مسائل الأمن والخارجية، وأغلبية مطلقة من الجمهور ستؤيد أي صفقة يتوصل إليها مع الفلسطينيين. ومما لا شك فيه أيضاً أن نتنياهو لا يستطيع معارضة خطة ترامب للسلام، مثلما أحبط خطط سلفه باراك أوباما. لكنه حتى اليوم، في لحظات الامتحان، فضّل نتنياهو جمهور ناخبيه من اليمين والمتدينين، وارتدع عن عملية سلام حقيقية.
إذا تقدم نتنياهو نحو تسوية، سيسأل اليساري نفسه ما هو الأكثر أهمية، فرصة لحل النزاع مع الفلسطينيين، أو على الأقل تهدئته، أو التغطية التي حصل عليها نتنياهو من موقع “والاه” بشأن الانتخابات 2015؟ تحقيق رؤية حل الدولتين، أو زجاجات الشامبانيا والسيغار التي حصل عليها الزوجان نتنياهو من أرنون ميلتشيين؟ إنهاء الاحتلال أو تقليصه، أو الولائم العامرة في مقر سكنه في بلفور؟ الجواب واضح ولقد صاغه البروفسور يحزقئيل درور قبل نحو عام، في ذروة التقارير عن ملفي الـ1000 والـ2000 وتظاهرات يوم السبت في بتاح تكفا: “أطلب من نتنياهو أن يقوم بخطوة تاريخية، تزول في مقابلها كل الخطايا الشخصية. يتعين عليه أن يقترح خطة سلام إقليمي، تشمل إقامة دولة فلسطينية وسفارة إسرائيلية في الرياض… عندما نعلن اختراقاً سياسياً لا ضرورة للبحث عن الدوافع أكثر مما يجب” (“هآرتس” 8/8/2017).
في مؤتمر دعم عقده ناشطون من الليكود هدفه التصدي للتحقيقات وحضره نتنياهو، قال باستهزاء: “أنا مضطر إلى أن أخيب أمل صحيفة هآرتس، التي نشرت هذا الصباح مقالاً يقترح عليّ بصورة واضحة اقتراحاً مغرياً: فقط انسحب من يهودا والسامرة وسنتوقف عن مهاجمتك. ها هو جوابي: كلا شكراً”. فهل تغيّر موقفه منذ ذلك الحين، لأنه أدرك أن ترامب جدّي، أو لأنه في مواجهة التسريبات بشأن تبلور اتهامات ضده في كتاب اتهام، هو يفضل مواجهة الأسوأ ومعه دعم سياسي وشعبي واسع؟ هل سيتنازل عن الشراكة مع حزب البيت اليهودي في مقابل حكومة موسعة يؤلفها بعد الانتخابات من أجل الدفع قدماً بخطة ترامب، تشبه الحكومة التي أقامها إيهود باراك، ودان مريدور، وبوغي يعالون وبِني بيغن رداً على أوباما في 2009؟
كلام نتنياهو بالأمس يُبقي جميع الاحتمالات مفتوحة كما يحب أي زعيم. فقد اقترب مجدداً من خطاب بار – إيلان، لكنه لم يقطع الطريق كلها إلى هناك. هو ما يزال يمتنع من قول الكلمات بصراحة “دولة فلسطينية”، الأمر الذي يمكن أن يفكك الائتلاف الذي يشكل بينت جزءاً منه حالياً.
الإيماءة لليسار سيحاول أن يخففها حالياً بتقديم وعود إلى اليمين مثل” سنمنع دخول ملايين اللاجئين إلى حدود الدولة الفلسطينية”. “المستوطنات لن تُقتلع” وغير ذلك. رئيس حزب العمل غابي غباي، الذي التزم عدم الدخول في حكومة نتنياهو بعد الانتخابات، يمكنه أن ينتظر وأن يوضح لاحقاً “الظروف تغيرت”.
التسوية التي يقترحها نتنياهو، كيان فلسطيني قزم تسيطر عليه إسرائيل من فوق ومن تحت ومن الجانبين، بعيدة جداً عن التطلعات الفلسطينية، وحتى عن اقتراحات السلام التي طرحها إيهود باراك وإيهود أولمرت، والتي رفضها الفلسطينيون في الماضي. لكنه يأتي إلى طاولة المفاوضات ويقف وراءه ترامب، وفي يده عصا طويله يهدد بواسطتها الفلسطينيين: إذا واصلتم العناد فإنكم ستشتاقون إلى نقل السفارة إلى القدس وتقليص ميزانية الأونروا لأن الخطوات المقبلة لتدمير الحركة الوطنية الفلسطينية ستكون أكثر إيلاماً لكم.
مرة أُخرى سيواجه اليساري المعضلة هل يؤيد خطة ترامب- نتنياهو، مع كل قيودها، أو يدعم المعارضة الفلسطينية، باسم العدالة التاريخية والتقدير بأن اتفاقاً غير متوازن سينهار ويتحوّل إلى موجة عنف جديدة. وهذا التردد سيكون أصعب كثيراً من الموقف من ملفات 1000 و2000 و4000.

* رئيس تحرير “هآرتس”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق