تحقيقات
باريس مخربة وأخرى “بمنأى”: مدينة بوجهين في ظل “السترات الصفراء”
ـ باريس ـ تشتعل النار بمطعم في جادة الشانزيليزيه، وترتفع أعمدتها في سيارات أسفل برج إيفل! هكذا ظهرت باريس مقلوبة رأساً على عقب في الصور التي نقلتها قنوات التلفزة حول العالم قبل أسبوعين. ولكن إذا كانت أيام السبت أصبحت أشبه بكابوس لقسم من الباريسيين، فإن قسماً آخر من سكان العاصمة يعيشون “في منأى” عن تظاهرات “السترات الصفراء”.
رشقُ حجارة، نيران في أكشاك ومحلات، نهب وعنف: سمعة البلد السياحي الأول في العالم، فرنسا، اهتزّت بفعل صور الاحتجاجات العنيفة التي شابت السبت الثامن عشر لتظاهرات “السترات الصفراء” في 16 آذار/مارس.
منذ أربعة أشهر، يتظاهر ناشطو “السترات الصفراء” كل سبت في باريس وفي أنحاء فرنسا احتجاجاً على السياسة الضريبية والاجتماعية للرئيس إيمانويل ماكرون.
وقبل يومين من تحركات جديدة، فقدت الشانزيليزيه رونقها وبدا أصحاب المحال التجارية فيها وقد استولى عليهم التشاؤم. في الاثناء، ينشط عمال لاستبدال زجاج متجر حلويات؛ وأمام واجهات بعض المؤسسات، أصبحت الأسيجة الخشبية ثابتة بين سبتين، لا تُزاح.
يقول نادل في مطعم وقد رفع كتفيه “إنّها المرة الثالثة التي يبدّلون فيها الزجاج”، ويبدو خائراً ومتعباً.
وعند زاوية جادة جورج الخامس، يظهر سور من الصفيح يخبّئ خلفه مطعم لوفوكيه الشهير الذي نهب وأحرق خلال الاحتجاجات. المطعم سيظل مغلقاً طيلة أشهر عديدة ريثما يعاد إصلاحه.
في مكان غير بعيد، يعيش كارلوس السبعيني. في أيام السبت، “يتدبّر” أموره كي لا يصادف مسار المتظاهرين. يقول “أؤيّد التظاهرات، ولكن التظاهر بالشكل الصحيح. في هذه الحالة، هم بلطجيون”.
قلعة
على بعد بضع مئات من الأمتار، ثمة روتين آخر يعرفه سكان ذلك الحيّ كل يوم سبت، منذ منتصف تشرين الثاني/نوفمبر: منطقة الإليزيه حيث القصر الرئاسي تستحيل قلعة حصينة لا تخترقها “السترات الصفراء”.
تسدّ شاحنات تابعة لقوات مكافحة الشغب وسياجاتها المرتفعة مداخل الطرقات بشكل كامل، مانعة دخول أي عربة أو راجل. وحدهم السكان يمكنهم دخول المنطقة عبر بوابة صغيرة بعد إبراز بطاقاتهم.
تقول آن (75 عاما) التي تسكن عند تقاطع شارعي فوبور سانت أونوريه والإليزيه إنّ المكان تحوّل إلى “صحراء”. تضيف ضاحكة “نحن محبوسون خلف متاريس، محميّون بالكامل”.
ولكنّ هذا الإغلاق لا يخدم الجميع: بالقرب من ساحة كونكورد تقول مايا يوفانوفيتش، الموظفة في متجر ألبسة، إنّها “سئمت بعض الشيء”.
وتضيف “نحن هنا، ولكننا لا نعمل على الإطلاق. في السابق، كان السبت أهمّ يوم في الأسبوع. الآن، هو أقلّ الأيام عملاً. لدينا انطباع بأنّ هذا لن ينتهي أبداً…”.
في أعقاب أعمال العنف التي جرت في 16 آذار/مارس، منعت الحكومة أي تظاهرة في الشانزيليزيه.
تحت الضغط
في السبت الماضي، توجّه متظاهرو “السترات الصفراء” نحو أماكن سياحية أخرى بعدما حُرموا من الجادة التي لطالما لجأوا إليها.
قرب قناة سان مارتان، شهد كريستوف، وهو أحد أصحاب حانة “شي برون”، على وصول “غيمة جراد” – بعض الشبان عبروا سريعاً – وقد أنبأ بمرورهم حضور عشرات شاحنات الشرطة…
بالنسبة إليه، يتعلّق الأمر ب”ظاهرة عارضة” رغم أنّ حيّه “يتعرّض للعبث دائماً، مع خسائر أقلّ”. يقول “شهدنا على كل شيء: حركة الواقفين ليلاً، الاعتداءات، سيارة الشرطة المحترقة في أيار/مايو 2016. سلامتنا الجسدية ليست مهدّدة، ولكن هذا دائم وشاق”.
زميله إيرفيه برونييه الذي يملك منذ 13 عاماً مطعم لامارين عند القناة، يعتبر نفسه “محظوظاً” إذ لم يضطر إلى الإغلاق سوى لساعات خلال أيام سبت معيّنة. يقول “سترات صفراء؟ لا نراهم هنا”.
على أية حال، يبقى مواكباً بشكل آني لمسارات كل سبت: “نحن سالمون مادياً، ولكننا نعيش تحت الضغط كل سبت لأن خروج الأوضاع عن السيطرة يمكن أن يحصل في غضون بضعة دقائق…”. (أ ف ب)