السلايدر الرئيسيتحقيقات
دعوةٌ روسيّةٌ إلى فتح حوارٍ إسرائيليٍّ – إيرانيٍّ بالتزامن مع تسليم الـ “إس 300” لسوريا!
جمال دملج
بيروت – – أمّا وقد جدَّد وزير الخارجيّة الروسيّ سيرغي لافروف التأكيد مرّة أخرى على استعداد بلاده لتوفير “منصّةٍ ملائمةٍ” للحوار بين الإسرائيليّين والإيرانيّين في إطار مساعيها الرامية إلى حلّ المشاكل بين الدول وتسوية الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، وفقًا لما أعلنه خلال مؤتمره الصحافيّ الأخير في نيويورك نهار الجمعة الماضي، فإنّ الأنظار ما لبثت أن اتّجهَت على الفور صوب قاعدة حميميم الجوّيّة في سوريا بغية البحث عن المؤشِّرات اللازمة للربط ما بين الإعلان المذكور وما بين الإجراءات التنفيذيّة الخاصّة بإتمام عمليّة تزويد المؤسّسة العسكريّة السوريّة بمنظومة “إس 300” الدفاعيّة الصاروخيّة، أملًا في الكشف عمّا إذا كان الجانبان الروسيّ والإسرائيليّ قد توصَّلا إلى إيجاد “التخريجة المطلوبة” لتخفيف حدّة الاحتقان الناجم عن الجدل الدائر بينهما حول هذه المنظومة، ولا سيّما بعدما كان الوزير لافروف نفسه قد أكّد في الموازاة على أنّ موسكو ماضيةٌ قُدمًا على طريق الوفاء بتعهُّداتها للجانب السوريّ في هذا المجال، بمعنى أنّ لا تراجُع عن قرار التسليم هذه المرّة، قبل أن يبادر إلى التذكير بالنقطة الأهمّ التي تتمثَّل في أنّ روسيا فعلت كلّ شيءٍ لضمان أمن إسرائيل، وذلك في إشارةٍ إلى ما تمّ الاتّفاق عليه من تفاهماتٍ سابقةٍ تضمن بقاء الوحدات الإيرانيّة والقوّات الموالية لها على مسافةٍ لا تقلّ عن مئةِ كيلومترٍ من مرتفعات الجولان، حسب ما أظهرته الوقائع الميدانيّة بشكلٍ جليٍّ خلال الأسابيع القليلة الماضية.
بين الانفراج والانفجار
وعلى رغم أنّ المبادرة الروسيّة بشأن وجوب بدء الحوار بين تلّ أبيب وطهران كانت قد أُطلِقت في الأساس بُعيْد قيام الطيران الحربيّ الإسرائيليّ بالإغارة على منشآتٍ إيرانيّةٍ فوق الأراضي السوريّة في شهر أيّار (مايو) من العام الحاليّ، علاوةً على أنّ الوزير لافروف كان قد تناقش حولها مع رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو أثناء لقائهما في القدس في شهر تمّوز (يوليو)، فإنّ التذكير الأخير بأنّ مختلف القوى الوازِنة على الساحة السوريّة توصَّلت بالفعل إلى تسويةٍ بالتراضي لكلّ ما من شأنه أن يُثير قلق إسرائيل بخصوص وجود الإيرانيّين وحلفائهم بالقرب من حدودها مع سوريا، معطوفًا على ما نقلته وكالة “سبوتنيك” عن لسان النائب الأوّل للجنة الشؤون الدوليّة في مجلس الدوما الروسيّ ديميتري نوفيكوف عندما قال نهار أوّل من أمس السبت إنّ الدعوة إلى الحوار “تهدف بشكلٍ عامٍّ إلى تحسين الوضع في الشرق الأوسط” عن طريق “تهيئة الظروف لتسوية العلاقات بين الدولتين اللتين تلعبان دورًا كبيرًا جدًّا” في المنطقة بالتوازي مع مشاركة روسيا النشطة في الشؤون السوريّة، يشي بأنّ الأمور تتّجه نحو الانفراج الحذر وليس نحو محاذير الانفجار، علمًا أنّ الإسراف في التفاؤل بهذا الخصوص يبقى في مختلف الأحوال والظروف سابقًا جدًّا لأوانه، ولا سيّما في ظلّ عدم ظهور أيِّ ردِّ فعلٍ رسميٍّ إسرائيليٍّ أو إيرانيٍّ على المبادرة، من شأنه أن يساعد على القطع بين الشكّ واليقين بما إذا كان السكوت الذي نشهده في هذه الأثناء هو علامة رضى أم إنّه بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة.
التمريرات المتبادَلة
لا شكّ في أنّ المسؤولين الإسرائيليّين أيقنوا في الآونة الأخيرة أنّ زمان ما بعد ليل السابع عشر من شهر أيلول (سبتمبر) المنصرم لن يبقى مثلما كان عليه الحال في زمان ما قبل هذا التاريخ بأيِّ شكلٍ من الأشكال، ولا سيّما بعدما بات في حُكم المؤكَّد أن أصداء حادثة إسقاط طائرة الـ “إيل 20” ومقتل طاقمها المؤلَّف من خمسة عشر عسكريًّا روسيًّا قبالة الساحل السوريّ ما زالت تتردَّد بقوّةٍ في عُقر دارهم، الأمر الذي تجلّى البارحة في مقالٍ شيِّقٍ نشرته صحيفة “هآرتس” اليوميّة للصحافيّ الإسرائيليّ جدعون ليفي، اعتبر فيه أنّه ينبغي على إسرائيل أن تشكر روسيا على تسليم منظومة الـ “إس 300” لسوريا، لأنّه ينبغي عليها أن تفهم أيضًا أنّ هناك “حدودًا معيّنةً يجب ألّا تتخطّاها”، لافتًا إلى أنّ “الغطرسة والوضع الجيوسياسيّ للبلاد سمحا لها بالخروج عن السيطرة، حيث قامت طائراتها بدوريّاتٍ في الأجواء اللبنانيّة كما لو كانت تمتلكها، وقصفت سوريا، وتستمرّ في تدمير غزّة وإبقائها تحت حصارٍ لا نهاية له، كما تستمرّ في احتلال الضفّة الغربيّة لنهر الأردن”، إلى نهض أحدهم فجأة ليقول “كفى”، على الأقلّ في سوريا، وفقًا لما ورد في المقال الذي أشار كاتبه إلى أنّ ردّ الفعل الروسيّ تسبب في “تخدُّر “إسرائيل”، تمامًا مثلما “أظهر مدى حاجة البلاد إلى “شخصٍ بالغٍ مسؤولٍ يمكنه كبحها” في سياق “ظاهرةٍ غريبةٍ لم تكن قد واجهت في الواقع مثيلًا لها لعقودٍ من الزمان”.
وإذا كان في الإمكان اعتبار هذا المقال بمثابة “تمريرةٍ ذكيّةٍ” تستهدف تهيئة الرأي العامّ الإسرائيليّ للتعاطي مع مسألة وصول منظومة الـ “إس 300” إلى سوريا على أساس أنّها أصبحت قدرًا محتَّمًا، فإنّ “التمريرة الأذكى” كانت قد تمثَّلت في الموقف التكتيكيّ المتَّزن الذي عبَّر عنه المبعوث الرئاسيّ الروسيّ إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ميخائيل بوغدانوف نهار أوّل من أمس السبت، وخصوصًا عندما قال إنّ عمليّة الإشراف على تشغيل المنظومة ستكون ثنائيّة في المرحلة الأولى بين الخبراء الروس والسوريّين على حدٍّ سواء، الأمر الذي بدا وكأنّه يستهدف في المقام الأوّل إزالة المبرِّرات التي درجت العادة على أن تدفع الدولة العبريّة إلى التوجُّس من امتلاك سوريا لمنظوماتٍ دفاعيّةٍ صاروخيّةٍ متطوِّرةٍ على شاكلة الـ “إس 300″، بما من شأنه أن يوفِّر لكلٍّ من موسكو وتلّ أبيب شروط المحافظة على ماء وجهيهما في مواجهة تداعيات حادثة إسقاط طائرة الـ “إيل 20” الشهر المنصرم، ولا سيّما أنّ بوغدانوف “طعَّم” موقفه الآنف الذكر بالإعلان عن أنّ الاتّصالات بين الجانبين الروسيّ والإسرائيليّ ما زالت مستمرّةً على كافّة المستويات… وللحديث عن الاحتمالات المتعلِّقة بالنتائج المرتقَبة لتلك الاتّصالات على الساحة السوريّة في غضون الأيّام القليلة المقبلة تتمّة.