– برلين – لاقت زيارة الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان إلى ألمانيا اهتماماً كبيراً على جميع الصعد، فإلى جانب الاهتمام الاعلامي والسياسي، كان هناك أيضاً اهتمام شعبي كبير للزيارة، الذي لا يزال مصدر خلاف بالنسبة للكثيرين. ورغم محاولة اردوغان الظهور بأنه أكثر تصالحية، إلا أن الخلافات بدت واضحة في العشاء الرسمي الذي دعا إليه الرئيس الألماني، فرانك-فالتر شتاينماير على شرف ضيفه التركي.
فهذه الزيارة بالغة الحساسية تأتي بعد تدهور العلاقات بين تركيا وألمانيا بشكل لم يسبق له مثيل منذ عقود. وبرزت الخلافت بشكل واضح بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، والتي انتقدت فيها برلين حملة القمع الواسعة، التي شملت سياسيين وإعلاميين وكذلك مواطنين ألمان. ولذا رافق الجدل هذه الزيارة على المستويين السياسي والإعلامي. فقد اعتبرت وسائل إعلام ألمانية كثيرة استقبال اردوغان بمثابة إهدار للمال العام.
الرئيس التركي سعى من خلال هذه الزيارة إلى رأب الصدع الذي حصل بين البلدين، في وقت يعاني فيه الاقتصاد التركي صعوبات جمة. وجاءت الزيارة بعد شهر ونصف من التراجع الحاد لليرة التركية، مسجلة انخفاضاً لحوالي 40% من قيمتها، بعد الأزمة التي نشبت مع الولايات المتحدة وفرض الأخيرة للعقوبات على أنقرة. ولذا حاول اردوغان خلال إقامته في برلين إعادة المياه إلى مجاريها، معتمداً في ذلك على حاجة ألمانيا بشكل خاص وتركيا بشكل عام لبلاده، خاصة فيما يتعلق بأزمة اللجوء والحرب في سوريا.
الهدف الرئيس لهذه الزيارة كان هو أمل أنقرة بأن تساعد برلين في استقرار البلاد بعد زيادة التوترات في تركيا والولايات المتحدة نتيجة اعتقال القس الأمريكي واحتجازه في تركيا. ورغم الآمال الكبيرة التي يعقدها اردوغان على هذه الزيارة، إلا أن توقعات الساسة الألمان لم تتجاوز حدود الواقع الحالي. فألمانيا ترى في شخص اردوغان مستبداً وحاكماً متسلطاً ولا يحترم حقوق الإنسان، خاصة وأن أنقرة تحتجز عدداً من المواطنين الألمان.
ومهما كانت نتائج هذه الزيارة، إلا أن النجاح تمثل بحدوثها أصلا. ويمكن اعتبارها بأنها خطوة أولى وفاتحة طريق قد يعيد العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها، حتى ولو استغرق الأمر لبعض الوقت. فالخطوة التالية ستكون بلقاء يجمع كلاً من المستشارة الألمانية والرئيس التركي والرئيسين الفرنسي والروسي، لبحث الوضع في سوريا ومحاولة تجنيب البلاد كارثة إنساينة في إدلب. في المقابل أعلن اردوغان وميركل عن إرسال وفد اقتصادي ألماني موسع برفقة وزير الاقتصاد خلال الفترة المقبلة.
لكن التحديات بدت واضحة في خطاب الرئيس الألماني، شتاينماير عندما تحدث صراحة عن انتهاك حقوق الإنسان وانتقاده لسياسة أنقرة بشكل صريح، مستغنياً في ذلك عن اللتزام بالدبلوماسية والمجاملات المعتادة. مذكراً ضيفه بعدم قدرة ألمانيا تخطي هذه العقبة في العلاقات وإعادتها إلى طبيعتها. ولم تعجب هذه الصراحة الرئيس التركي، الذي خرج عن نص كلمته المكتوبة ليقول أمام الضيوف إن ألمانيا تستضيف آلاف الإرهابيين وتمنحهم حرية تامة فيها.
ورغم كل هذا التباين في الآراء والتعنت التركي في التعامل مع المعارضة والصحافة، إلا أن ألمانيا لا يمكنها الاستغناء عن تركيا كشريك اقتصادي وسياسي، الأمر الذي أعلنته ميركل وغيرها من الساسة الألمان، بأن تدهور الاقتصاد التركي لن يكون في مصلحة ألمانيا. وأن برلين تأمل أن تتغلب أنقرة على أزمتها الاقتصادية في أقرب وقت ممكن.