السلايدر الرئيسيثقافة وفنون
“الراب” ملاذ شباب غزة للتعبير عن واقعهم
- رغم القيود الحكومية والمجتمعية
– غزة- خاص – بقعة صغيرة التي لا تتجاوز مساحتها، (365 كيلو متراً مربعاً) هي غزة، ويبلغ عدد سكانها (2 مليون نسمة)، تعاني من مشاكل جمة أبرزها الانقسام الداخلي والحصار الإسرائيلي، وارتفاع نسبة البطالة، فأراد عدداً من شبابها التعبير عن هذه القضايا بطريقة جديدة، مستخدمين فن “الراب” “الهيب هوب” لإعلاء أصواتهم ومناصرة قضاياهم.
ويعد فن “الراب” من الفنون الغربية، فقد ظهر في بدايات السبعينات في الولايات المتحدة الأمريكية، وانتشر عالمياً ليصبح وسيلة الشباب للتعبير عن أرائهم ومناصرة المظلومين والمقهورين، وفي عام (2008) شق هذا الفن طريقه نحو قطاع غزة، فاستغل شباب القطاع موسيقى الراب للتعبير عن همومهم التي أثقلها الحصار الإسرائيلي والانقسام بين حركتي فتح وحماس.
لجأ عدداً من الشباب الذين تخرجوا من الجامعات في قطاع غزة، وأصبحوا بدون فرصة عمل، إلى فن الراب الغربي، عل أصواتهم تصل إلى العالم الخارجي ويجدون حلاً لمعاناتهم، فأنتجوا عددأ من الأغاني التي تعبر عن الواقع السياسي والاجتماعي ومناصرة قضايا المظلومين والمقهورين، دون أن يتلقوا دعم مادي أو لوجستي من أي جهة كانت.
مساحة واسعة من التعبير
محمود عبد القادر سلمان( 27 عاماً)، هو أحد مغني الراب في قطاع غزة دفعه ميوله وحبه لكتابة الأبيات الشعرية، للتوجه نحو فن الراب، فأراد التعبير عن القضايا المحلية والاجتماعية وأحياناً السياسية بطريقة جديدة.
ويقول خلال حديث ل””: “كانت بدايتي مع الشعر في الثانوية العامة فكتبت العديد الأبيات الشعرية، كنت أستمع إلى أغاني راب، وأعجبت بالحماس بهذا الفن، وبعد التحاقي بالجامعة عام (2009 )، كنت أميل لثقافة الهيب هوب بشكل عام، وبدأت بكتابة كلماتي على ايقاع “الراب”، وعندما أشاهد شيئاً مميزاً خلال حياتي اليومية أكتب عنه، ومن ثم تسجيل أغنية تحاكي الحدث الذي شاهدته”.
يكمل حديثه” اخترت “الراب” لأنه أعطاني مساحة واسعة للتعبير، وأستطيع من خلاله الكتابة بدون أي حواجز، وهو فن رائع وبسيط، الألحان كانت جاهزة أحصل عليها بشكل مجاني من اليوتيوب وكلمات أكتبها على اللحن، وبعد ذلك تعرفت على صديقي محمود فرج الله وأسسنا فريق الانتفاضة وأنتجنا أغاني متنوعة منها اجتماعي وسياسي وإنساني”.
يضيف” أصبح المجتمع الغزي يتقبل فكرة الراب؛ ولكن في بداية دخول هذا الفن إلى القطاع، كنا نعاني من تقبل هذه الفكرة وكان المواطنين يرفضون هذا الفن كونه غربي، وعن نفسي كنت أعمل ألف حساب، خوفاً من أن يشاهدني أحد أفراد العائلة أثناء التدريب على الأغاني التي أسجلها”.
مضايقات
ويشير الرابر سلمان إلا أن عدداً كبيراً من “الرابرز”، في غزة تعرضوا لمضايقات من حكومة حماس التي تحكم قطاع غزة، متمثلة بالتشديد على الكلمات المستخدمة، ومنعهم من إقامة حفلات في أماكن عامة مثل المنتزهات والحدائق وميناء غزة، إضافة إلى ملاحقة الشباب الذين ينتقدون الحكومة ويتحدثون عن الحريات.
يردف بقوله” نشأت فرق راب كثيرة في قطاع غزة وكان لها أعمال رائعة :أذكر منهاSpr , Pr , gaza team , darag team , rm، وتركت تلك الأعمال أثراً رائعاً عند مستمعين الراب في غزة وخارجها؛ ولكن للأسف حال مجتمعنا يفرض عليك أشياء لم تكن بالحسبان، فهاك العديد من الشباب الذين أسسوا هذه الفرق غادروا القطاع نتيجة المضايقات الحكومية”.
ومن أهم الأعمال التي أنتجها فريق انتفاضة أغنية ” واحنا صغار” تحدثوا بها بغضب عن الأحداث اليومية التي يشاهدونها في كل حارات غزة، وكيف تغيرت الحياة عندما كبروا، وكم كانوا يحبوا بعض في الصغر؟ وكيف استطاع الانقسام تفرقة الفلسطينيين، وتغيير الأوضاع وتحويل الحب إلى كراهية.
داخل غرفة صغيرة في منزله بمدينة جباليا شمال قطاع غزة، أسس الشاب محمد لافي( 24 عاماً)، استيديو صغير يقوم بتسجيل أغاني الراب التي يكتبها، ليعبر من خلالها عن واقع غزة، والقضايا السياسية ونقد المسئولين.
طريقة جديدة
يقول خلال حديثه لـ””: “في بداية عام (2011) اتجهت نحو”فن الراب” كونه من الفنون التي تعطي مساحة للتعبير بطريقة جديدة، فاعتمدت على نفسي ولم أطلب المساعدة من أحد، كتبت الكلمات، وقمت بتسجيل الصوت باستخدام البرامج العادية، فلم يكن لي جمهور فكانت الأغاني تقتصر على الأهل والأصدقاء فقط”.
يضيف” في عام (2017)، وبعد اتقاني فن الراب بشكل جيد أردت الانطلاق لإعلاء صوتي وإيصاله للجميع، فتحدثت بلغة الشارع والمخيمات، وانتقدت تصرفات المسئولين الخاطئة، وأظهرت ألام الشباب التي تسبب بها الانقسام الداخلي، فنجحت بذلك وكان لأعمالي صدى كبير في المجتمع الغزي وكنت أتحدث عن تلك القضايا بكل صراحة ودون خوف من أحد”.
جرأة
ويتابع،” لم يكن توجهي لهذا الفن للحديث عن ذاتي، أو التسويق لأمر معين؛ ولكني أردت التعمق بهذا الفن والتعبير عن أرائي الشخصية تجاه ما يحدث بالمجتمع، فتحدثت بكل جرأة، واستخدمت لغة الشارع، وكان لدى حضوراً قوياً خاصة أمام الشباب فكانوا يقصدوني لتعلم فن الراب وتسجيل الأغاني داخل الاستديو الخاص بي”.
ويطُلق الرابر لافي على نفسه اسم” شغب” وهو اسم مستوحى من لغة الشارع والمخيمات، اختار هذا الاسم قصداً لأنه يعبر عن الفوضى، فكان أول عمل أنتجه باسم “بكفي” تحدث به عن المسئولين في غزة الذين يستغلون الدعم الخارجي القادم للفلسطينيين، ويستفيدون منه ولاقت إعجاب الكثيرين، وكان لها صدى كبيراً، خاصة أنها تناولت قضية سياسية يعرفها الجميع ويخشون الحديث عنها.
ثورة سياسية
جرأة لافي في تناول المواضيع السياسية والاجتماعية، أزعجت المسئولين بغزة، ففي عام 2017، أنتج كليب” حقك” والذي أشعل مواقع التواصل الاجتماعي، وكان تشجيعاً للشباب الذين خرجوا بحراك جباليا الشعبي، أطلقوا ثورة سياسية ضد انقطاع التيار الكهربائي عن المواطنين، وعدم انقطاعها عن بيوت المسئولين، ونجح الحراك وشارك به عشرات الألاف من شباب المخيمات بالقطاع، مطالبين بتوفير الكهرباء أو قطعها عن بيوت المسئولين.
وبسبب مشاركة الرابر في الحراك، ونجاح أغنية” حقك” التي تحدث بها عن حق الشباب بالدفاع عن حقوقهم والخروج بالمظاهرات، أقدمت قوة من جهاز الأمن الداخلي التابع لحكومة حماس، إلى منزله واعتقاله بالقوة، وتعذيبه نفسياً، واتُهم بالتخابر مع الاحتلال الإسرائيلي، واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالتغريدات التي تطالب بالإفراج عن لافي، وبعد خمسة أيام من الاعتقال تم الإفراج عنه وعاد إلى منزله.
اعتقال لافي لدى جهاز الأمن الداخلي لم يثنيه عن تناول القضايا السياسية وانتقاد المسئولين، ففي منتصف عام (2017) أنتج أغنية ” ازدهار” والتي انتقد بها نائب في المجلس التشريعي عن كتلة حماس، بعد إدلائه تصريحات” أن المواطنين هم المتضررين من غلاء الأسعار وليس التجار”، وبعد نجاح هذه الأغنية ومشاركتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي اعتقل مرة أخرى وتعرض للتعذيب البدني.