السلايدر الرئيسيشرق أوسط

الكيديّة السياسيّة تضع “مصالحة الجبل” في لبنان على نار حامية

بيروت ـ ـ خاص ـ بينما يواصل اللبنانيّون التأقلم مع واقع الحال القائل بأنّ تحقيق الأمل في انتهاء مخاض ولادة حكومتهم العتيدة على المدى المنظور لا يزال لغاية الآن بعيد المنال، وخصوصًا في ظلّ عدم ظهور أيِّ مؤشِّرٍ من شأنه أن يدلّ إلى إمكانيّة حدوث تغييراتٍ جوهريّةٍ في المواقف الداخليّة والإقليميّة والدوليّة التي تواصل المراوحة في مكانها على إيقاعٍ بطيءٍ يُشبه الدوران في الحلقات المفرَغة، طفت على سطح الأحداث مستجدّاتٌ مفاجئةٌ وبالغةُ الخطورة من شأنها أن تهدِّد “مصالحة الجبل” بين الدروز والمسيحيّين في الصميم، الأمر الذي تجلّى في فحوى ما نشرته صحيفة “النهار” في عددها الصادر اليوم الأربعاء عندما أشارت إلى أنّ أحد النوّاب في البرلمان اللبنانيّ نقل إلى رجلِ دينٍ بارزٍ في المنطقة تخوُّفه من تخريب تلك المصالحة التي تمّ العمل عليها لسنواتٍ بعد الحرب الأهليّة المدمِّرة للبشر والحجر.

وبحسب الصحيفة اللبنانيّة، فإنّ النائب “رأى ‏أنّ الحملات الانتخابيّة رفعت منسوب الاحتقان وأعادت الفرز المسيحيّ – الدرزيّ في قرى وبلداتٍ كثيرةٍ، وأنّ المساعي التي تُبذل بوتيرةٍ ‏سريعةٍ تهدف إلى منع العودة إلى الوراء. وأكّد أنّ كلّ الاجتماعات السياسيّة على مستوى عالٍ تُظهر ضرورة تحصين تلك المصالحة ‏ودفعها إلى الأمام، لكنّ المسؤولين المحلّيّين، ومسؤولي قطاعاتٍ، لا يتنبّهون لخطواتهم ونشاطاتهم وتصريحاتهم، وهذا ما انعكس على ‏أوضاعِ عددٍ كبيرٍ من القرى الشوفيّة”.

وفي التفاصيل، فقد روى النائب أنّ إطلاق بلديةٍ تتبع الحزب التقدميّ الاشتراكيّ اسم “شهيد” على إحدى الساحات ولَّد حساسيّاتٍ لدى المسيحيّين بسبب اعتباره ‏مشاركًا في مجازرَ سابقةٍ، وأوجد انقسامًا كبيرًا، ما دفع رئيس الحزب وليد جنبلاط إلى التدخُّل شخصيًّا وإزالة اللوحة التي رُفعت، ودفْع ‏البلدية إلى العودة عن قرارها لضمان التوافق الأهليّ، “ولكن الرواسب تتفاقم عندما يفيد منها أشخاص غير مسؤولين، مُطلقين العنان ‏لتحريضاتهم”، وهنا يكمُن مصدر الخطر.

وقبل أيّام، وزَّع قطاع الشباب في “التيّار الوطنيّ الحرّ” دعوة إلى لقاءٍ مع النائب أنطوان بانو حول “حرب الجبل” السبت المقبل في عاليه، ‏ما أدّى إلى نشوب “حروبٍ” عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، بلغت حدّ فتحِ صفحاتِ الماضي الأليم، ونبشِ صورٍ ومواقفَ وتوزيعِ تهمٍ، قبل أن تتدخَّل اللجنة المشتركة التي قامت أخيرًا بين “الاشتراكيّ” و”الوطني الحرّ” لتخفيف الاحتقان، كذلك قبل أن يُجري المدير العامّ للأمن العامّ ‏اللواء عبّاس ابراهيم اتّصالاتٍ أدّت إلى إلغاء اللقاء.

لكنّ الدعوة ليست “بريئة” تمامًا، إذ إنّها تأتي بعد الخلاف السياسيّ الذي استُتبع بعمليّة “انتقامٍ” من الموظّفين وجعلهم مادّةً للصراع. ففي ‏سابقةٍ خطيرةٍ، أصدر وزير التربية مروان حمادة قرارًا بإعفاء الموظّفة في وزارة التربية هيلدا خوري من إحدى مهمّاتها، لأنّ الأخيرة كانت ‏تشغل أكثر من منصبٍ في الوزارة خلافًا للقانون. وتزامنت هذه الخطوة مع وصف رئيس “الاشتراكيّ” العهد بـ “الفاشل” وبعض مسؤوليه ‏بـ “العلوج”. وقد سارع وزير البيئة طارق الخطيب إلى إصدار قرارٍ يقضي بنقل مدير محميّة أرز الباروك نزار الهاني، المحسوب على “‏الاشتراكيّ”، إلى مهمّات أخرى في الوزارة، وتمّ نقل الموظّف في مؤسسة كهرباء لبنان رجا العلي إلى مهمّات أخرى أيضًا في المؤسّسة.

وبحسب “النهار”، فقد خرج الخطيب مجاهرًا بأنّ “القرارات التي اتّخذها في وزارة البيئة والقرارات في وزارة الطاقة التي طالت مقرّبين من الاشتراكيّ هي ‏قرارات كيديّة وسياسيّة”، وقال: “المسألة ليست مسألة حرب، إنّما هي قرارات كيديّة تعسفيّة صدرت في حقّ موظّفين شرفاء أكفّاء، ‏فاضطررنا إلى القيام بردّةِ فعلٍ لنؤكّد لهذا الفريق الذي تعوّد التسلُّط أنّ زمن الميليشيات والحرب انتهى، ونحن مش لقمة سهل ابتلاعها”، على حدّ تعبيره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق