ـ موسكو ـ من علي الخطايبة ـ تجري التحضيرات في موسكو لعقد لقاء قمة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون على قدم وساق، وتتوقع بعض وسائل الإعلام الروسية أن القمة ستعقد في مدينة فلاديفستوك أقصى شرق روسيا الأقرب جغرافيا بكثير من موسكو بالنسبة لبيونغ يانغ.
وفي كوريا الشمالية لا تزال تتسم بروتوكولات لقاء “القائد” بنظرائه الأجانب بالسرية الكاملة تماما كما كان الوضع في موسكو في عهد جوزيف ستالين، حيث يرافق الإفصاح عن مكان وموعد اللقاء ضجة إعلامية كبرى، وهذا التقليد يتبعه الزعيم الكوري الشمالي الحالي بحذافيره كما كان في زمن الأب والجد.
وبحثا عن تفسير لغز موعد زيارة كيم أون وتوقيت ومكان القمة اتصل صحفيون روس بسفارة كوريا الشمالية في موسكو وأكدت السفارة أن ليس لديها أي معلومات بهذا الشأن، ولم يساعد يوري أوشاكوف معاون بوتين الصحفيين في حل اللغز واكتفى بالقول، إن الإعداد للقمة ” في مراحله النشطة” ويمكن أن يتم في أي مدينة روسية.
ويفسر سبب وصول ستيفن بايغون المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترمب لكوريا الشمالية إلى موسكو لإجراء محادثات مع المسؤولين الروس وفي هذا التوقيت بالذات هو رغبة واشنطن في الحصول على بعض الدعم من الكرملين في حل قضية نزع الأسلحة النووية في كوريا الشمالية.
وها هي موسكو تعود مرة أخرى إلى الواجهة بعد فشل قمة ترمب- أون الأخيرة في العاصمة الفيتنامية هانوي وتوجه واشنطن وبيونغ يانغ إلى الكرملين بعد أن دُفع بالدور الروسي في حل الأزمة في شبة الجزيرة الكورية إلى الخلف، وقد تصبح روسيا واحدة من اللاعبين الرئيسيين في الأزمة الكورية.
ومن المرجح أن كيم جونغ أون يأمل في أن ينجح في لقاء القمة المنتظر في إقناع بوتين بمساعدته في تخفيف عبء العقوبات التي فرضها مجلس الأمن بطلب من واشنطن، إلا أن موسكو لا يمكنها فعل الكثير في هذا الأمر دون موافقة بقية الأعضاء الدائمين الآخرين في مجلس الأمن.
لكن بيونغ يانغ ترى أنه بما أن روسيا نفسها تخضع لعقوبات اقتصادية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، فمن المفترض أن تتبع سياسة أكثر موضوعية في احترام نظام العقوبات ضد كوريا الشمالية، كما أن وجود حدود برية بين البلدين يسهل من كسر الحصار المفروض على بيونغ يانغ.
كما يريد الزعيم الكوري الشمالي في إطار سعيه لانفتاح بلاده على روسيا في مختلف المجالات بما فيها استقطاب السياح الروس بناء جسر للمركبات فوق نهر تومانغان (الحد الفاصل بين البلدين) وذلك لتنشيط حركة المرور بين كوريا الشمالية وروسيا إضافة إلى جسر سكة القطارات الذي شيد منذ زمن الاتحاد السوفيتي السابق.
وهناك مسألة القوى العاملة الكورية (الشمالية) في روسيا هي أيضا تخضع لعقوبات مجلس الأمن وبحلول 22 ديسمبر المقبل عليهم مغادرة الأراضي الروسية، ومن المتوقع بحث حلول لها في لقاء القمة، بحيث تتيح السلطات الروسية العمل للكوريين الشماليين في مناطق أخرى من روسيا وبعقود جديدة.
وبطبيعة الحال سيناقش بوتين قضية نزع السلاح النووي الكوري الشمالي مع الرئيس الصيني على هامش منتدى “حزام واحد، طريق واحد” الذي سينعقد في بكين في يومي 26 و 27 أبريل الجاري، فالصين لها باع في مفاوضات نزع السلاح النووي مع بيونغ يانغ، وأصبحت منذ فترة طويلة الشريك الاقتصادي الرئيسي لكوريا الشمالية.
وتأتي زيارة أون إلى روسيا بعد برود شاب العلاقات بين الكوريتين بعد فشل القمة الأمريكية الكورية الشمالية الأخيرة في هانوي، كما أن الصمت خيم منذ ذلك الحين على علاقات بيونغ يانغ وبكين، إذ لم يلتق الزعيم الكوري الشمالي مع نظيره الصيني خلال عودته إلى بلاده عبر الأراضي الصينية كما كان متوقعا.
ويرى مراقبون أن كيم يريد أيضا من زيارته إلى روسيا أن يُذكّر الساسة في الصين أن لكوريا الشمالية حدود برية أيضا مع روسيا وبإمكانها استغلال علاقاتها التاريخية مع موسكو في إحياء التعاون في عدة مجالات مع روسيا التي تنفذ سياسة خارجية مستقلة ولا تخضع للإملاءات الأمريكية.
كما يُعتقد أن الزعيم الكوري الشمالي يود من خلال لقاءه ببوتين إظهار قدرة بلاده على رسم سياسة خارجية مستقلة عن الصين التي تؤكد تمسكها بجميع العقوبات التي فرضها مجلس الأمن على كوريا الشمالية بسبب برامجها النووية والصاروخية.
ففي مارس الماضي أعلنت السلطات في بكين أنها تحقق في التهم الموجهة ضد شركتين صينيتين فرضت عليهما الولايات المتحدة عقوبات بسبب الاشتباه بانتهاكهما للعقوبات المفروضة على بيونغ يانغ.
وربما تعتقد بيونغ يانغ أن روسيا قادرة أكثر من الصين على توصيل وجهة نظرها إلى الجانب الأمريكي لأن واشنطن تضغط على بكين بورقة التعاون الاقتصادي حيث تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2016 الـ 600 مليار دولار، وفي 2017 وصلت صادرات الصين إلى الولايات المتحدة نحو 492 مليار رغم الحرب الاقتصادية التي أعلنتها إدارة ترامب على الصين.
بينما روسيا على النقيض من ذلك تخضع لعقوبات اقتصادية من قبل واشنطن وتتزايد هذه العقوبات مع أي خلاف يطرأ بين البلدين في القضايا والملفات الدولية المستجدة، ولعل التعاون بين واشنطن وموسكو في حل الأزمة الكورية يصبح بداية للإنفراج في علاقاتهما الثنائية والتي ستنعكس إيجابيا على علاقة حلف شمال الأطلسي مع موسكو التي قالت عنها وزارة الخارجية الروسية مؤخرا إنها وصلت إلى طريق مسدود.