أقلام يورابيا

حينما يتحول بابا الأقباط إلى عدو لهم

كيرلس عبد الملاك

تعرّض الأقباط على مدى تاريخهم إلى ضغوط عديدة واضطهادات مريرة تحملوها بكل صبر متكلين على الله القدير ومقدمين آلامهم قربان محبة لذاك الإله العظيم تبارك اسمه الذي أبقاهم إلى يومنا هذا على قيد الحياة برغم كل ما تعرضوا له من آلام وأعباء كادت أن تفتك بهم لولا التدخل الإلهي، لكن ما يُزيد الوضع سوءا بالنسبة للأقباط في الزمن الذي نعيش فيه الآن أن المتنازل عن حقوقهم ليس عدوا لهم إنما هو البابا تواضروس الثاني، بابا الأقباط وقائد كنيستهم إنه لا يخجل من التنازل عن حقوقهم من خلال إطلاقه تصريحات غير مبررة يصدّرها للإعلام المصري احتوت على نفي صريح لأزماتهم، ما يدفع الكثير من الأقباط إلى الحيرة والاندهاش من هذه المواقف الباباوية الغريبة المتكررة التي أقل ما توصف به أنها مواقف ظالمة.

البابا القبطي الحالي، المتنازل عن حقوق الأقباط وصلت به الجرأة إلى وصف العصر الحالي للأقباط بأزهى العصور التي مرت بهم على الرغم من العمليات الإرهابية الاستثنائية التي طالتهم وطالت كنائسهم في مصر والعدد الكبير للحالات القبطية التي تعرضت للتمييز بشكل فاضح وواضح دون أن تأخذ أجهزة الدولة تجاهها أي خطوة علاجية لفرض العدل في البلاد والحجة الرئيسية المعتادة في هذا الصدد من قبل المسؤولين هي الحفاظ على الدولة المصرية من الفتن الطائفية، وكأن علاج الفتن الطائفية يسبب الفتن الطائفية! هذا مشابه بالضبط للقول بأن علاج مرض السرطان يؤدي إلى السرطان، وفي حقيقة الأمر صاحب ذاك الفكر لا يدافع عن بقاء الدولة المصرية بقدر ما يدافع عن أمراضها المتوطنة لذا فهو لا يريد أن يرى الحقيقة المصرية الواضحة في العصر الحالي والممتدة من الماضي البعيد والمتمثلة في تحول التمييز ضد المسيحيين في كافة المجالات إلى ركيزة من ركائز الحياة والمعاملات اليومية في مصر، سواء كانت معاملات شعبية أو مؤسسية بالاستناد إلى نصوص دينية إسلامية تارة، وبالاستناد إلى تقاليد شعبية موروثة تارة أخرى.

ليس على الصعيد الحقوقي فقط إنما على الصعيد العقيدي أيضا تستطيع أن تجد البابا تواضروس، بابا الكنيسة القبطية الحالي وبعض مؤيديه يدعمون النيل من عقيدتها الثابتة منذ ألفي عام ذلك الثبات المرصود بوضوح في التاريخ المسيحي والذي دفع الأقباط مقابله بحار من الدماء عبر العصور دفاعا عن النقاء العقيدي والأصالة المسيحية، والحجة الرئيسية التي تستخدم في بلورة تلك الجهود المخالفة لعقيدة الكنيسة القبطية ما يسمونه بـ “الإصلاح الكنسي” وإذا سألتهم ما هو تحديدا الذي يحتاج إلى الإصلاح داخل الكنيسة القبطية؟ لن تجد منهم إلا تخبط وتيه وشكل من أشكال الجهل المبطن بادعاء المعرفة، إنها حالة أقرب إلى الفزلكة كما يصفونها بالمصرية أو ما يمكن أن ندعوه ادعاء الفلسفة والحكمة.

من إيجابيات ذلك الوضع السيء أن الأقباط بات من السهل عليهم أن يعرفوا أعدائهم معرفة لا ريب فيها، هؤلاء الذين خرجوا من جحورهم ليستمتعوا بعصر استثنائي صار فيه بعض قادة الكنيسة القبطية جاهلين بعقيدتها ذات القيمة الرفيعة ومتنازلين عن حقوق رعيتهم بشكل صريح بلا مواربة طمعا في نيل الرضا من القيادة السياسية، على الرغم من أن أي إنسان يعيش على وجه الأرض يتمسك بعقيدته حتى لو كان ملحدا فهو يتمسك بما توصل إليه عقليا من عقيدة إلحادية وتمسكه لا يحسب تشدد أو تطرف إلا إذا نتج عنه عنف وكراهية، فضلا عن أن الصدق في علاقة الكنيسة بالقيادة السياسية لا يؤدي إلى العداوة بعكس ما يروج البعض بل يؤدي إلى مزيد من الاحترام إذا تم في جو من الود، بل ويقوي موقفه الكنيسة أمام الجميع ويجعل من الأقباط لها ظهرا وسندا، وإذا كان الصدق صعب المنال فالصمت أشرف من الكذب لكن يبدو أن الحكمة غابت وحل مكانها مباديء عشوائية ووطنية زائفة خائفة خاضعة بلا وعي لما لا تدري.

في العصر الحالي، من السهولة بمكان أن تجد من يبرر تغيير الحقيقة من قبل بابا الأقباط بالحكمة فيما يخص التنازل عن حقوق الأقباط أمام أجهزة الدولة على اعتبار أنه نوع من تأييد الكنيسة للدولة الذي يصب في صالح الأقباط، مثلما يمكنك أن تجد من يصف تمسك الأقباط بعقيدتهم بأنه نوع من التشدد والتطرف والداعشية في لي واضح للحقائق وخلط فادح بين الأوراق، والسبب الأصيل لهذه الحالات الفكرية المرضية المستعصية هو محاولة التعامل مع القضايا القبطية بتجاهلها أو طمس معالمها لصالح انتماءات معادية للأقباط أو مخالفة لعقيدة كنيستهم ومن يحاول فعل ذلك ربما يظن أنه يُسهم في حل مشكلات الأقباط لكنه في الحقيقة يزيل الطرق المؤدية إلى حلها، فكما يقول المثل:إذا عُرف السبب بطل العجب، وبالتالي إذا محوت السبب بتجاهله أو طمسه يظل الغموض حاضرا وتظل المشكلات قائمة.

لقد تحول بابا الأقباط إلى عدو لهم، من الجهة الحقوقية ينفي أزماتهم ومن الجهة العقيدية يدعم التغيير العقيدي داخل الكنيسة القبطية بلا أدنى منهجية لاهوتية، حتى صار الكثيرون من الأقباط يتمنون نهاية ذلك العصر الباباوي في أقرب وقت ويصلون إلى الله من كل قلوبهم ألا يترك أثرا له على حياتهم، حقا إنه أمر محزن.

أخيرا، فإن الأزمنة تعبر بكل ما فيها من أوبئة ويبقى الحق راسخا ليزيح عن الحقيقة تلك الأتربة التي علقت بها في وقت مضى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق