السلايدر الرئيسيتحقيقات
ممارسة الجنس في الشريعة اليهودية على مر العصور… وكيف تعامل الحاخامات مع الأمر؟
ـ لندن ـ يروي التلمود البابلي قصةً عن الحكيم الراف كاهانا الذي عاش في القرن الثالث وهو يتسلل تحت سرير مُعلمه ليُراقبه وهو يمارس الجنس مع زوجته. عُثر عليه ووبخ بشدة وأُمر بالمغادرة على الفور، إلا أنه دافع عما فعله قائلاً إن الجنس، “موجود في التوراة، ويجب أن أتعلم” (سفر براخوت).
يخضع الجنس، مثله مثل أي شيء في الحياة اليهودية، للشريعة اليهودية. لكن القوانين التي تحكم ممارسة الجنس في الكتاب المقدس ليست كما فسرها الحاخامات في التلمود -المصدر الرئيسي للقانون اليهودي- وتلك الأخيرة لا تشبه القانون اليهودي المكتوب في مخطوطات العصور الوسطى.
ومثل القانون اليهودي، تطورت القواعد والعقليات اليهودية المتعلقة بالجنس بمرور الوقت واختلفت من مكان إلى مكان ومن وقت إلى آخر. ومثل الكثير من جوانب الحياة اليهودية الأخرى، صار الجنس خاضعاً لضوابط، لكن ذلك لا يعني أن السلطات الحاخامية المختلفة، اتفقت على أي شيء على مر العصور. ما يعني بدوره أنه ليس بوسعنا التحدث عن “ممارسة الجنس في الشريعة اليهودية”، بل مجرد قواعد في مراحل مختلفة من التاريخ، وهي تتداخل في أحيان كثيرة، لكنها تتناقض في ما بينها في أحيان أخرى.
تضارب بشأن ممارسة البغاء
تختلف الكثير من قواعد الإنجيل العبراني (التوراة) المتعلقة بالجنس بشدة عن الذوق الغربي الحديث. إذ لم تظهر في التوراة أيّ توقعات بالزواج الأحادي، وخاصة بالنسبة إلى الرجال.
يحق للرجال اتخاذ أكثر من زوجة واحدة، بل ومن حقهم كذلك أن يكون لهم عدد من العلاقات الجنسية مع نساء أخريات غير زوجاتهم. ويتضح ذلك من خلال كون القانون التوراتي لم يمنع بوضوحٍ ممارسة الجنس خارج إطار الزواج فحسب، بل سمح باتخاذ عشيقات؛ أي علاقة جنسية مستقرة مع امرأة أخرى غير الزوجة.
كما لا تُحرّم التوارة ممارسة الجنس مع “البغايا”، وعندما يُذكر أن شخصيات توراتية مارست الجنس مع بغي، لا ينتقدهم الكتاب المقدس على ذلك: يهوذا على سبيل المثال، أبو اليهود والذي سُميّ الدين اليهودي باسمه، يمارس الجنس مع امرأة يظن أنها بائعة هوى، ثم يتضح أنها تامار أرملة ابنه المتوفى، وذلك في سفر التكوين 38.
إلا أن هذه الموافقة الظاهرة على ممارسة الجنس خارج إطار الزواج مقتصرة على الرجال. نقرأ في “سفر التثنية 22″، أنه إذا مارس الرجل الجنس مع العروس وشك في أنها لم تكن عذراء، ولم تستطع عائلتها إثبات العكس (بتقديم غطاء سرير مُلطخ بالدماء من ليلة العرس)، تُرجم هذه العروس حتى الموت على باب منزل والدها. وينص الفصل نفسه على أن المغتصِب يعوض والد الضحية بخمسين شيكلاً من الفضة ليتزوجها ولا يحق له تطليقها أبداً.
هناك رأي مشابه آخر متحيّز جنسياً يمتد إلى ممارسة البغاء. إذ بينما تبدو ممارسة الجنس مع بائعة هوى أمراً تتسامح فيه الشريعة التوراتية، إلا أن إجبار الأب ابنته على العمل في البغاء أمر مُحرم تماماً (سفر اللاويين 19:29)، وابنة الراهب التي تعمل في البغاء يُلقى بها في النار لأنها “تدنس أباها” (سفر اللاويين 21:9).
اليونانيون والفرس يخلطون بين الأمور
لكن هذا التسامح مع شهوة الذكور الجنسية في التوراة ليست بلا حدود، إذ تُحدد النصوص بدقة شديدة من الذي يمكن أن يمارس الجنس معه، ومعظمها مذكور في “سفر اللاويين 18”.
يحرم أن تمارس الجنس مع والديك وزوج الأم أو زوجة الأب والإخوة والأحفاد والخالات والعمات والأخوال والأعمام وزوجات الأبناء وبنات الزوجات وأخوات الزوجات. كما لا يُسمح بممارسة الجنس مع أم وابنتها أو مع أختين. وممارسة الجنس مع امرأة متزوجة غير مقبول، وكذلك المثلية الجنسية والبهيمية (ما يثير الاهتمام، أنه عند الإمساك برجلٍ -أو امرأة- يمارس الجنس مع حيوان، يُقتل كلاهما).
وعموماً، لا بأس بممارسة الجنس مع أي نساء أخريات، لكن ليس دائماً. فالنساء الحائضات هن روحانياً نجسات (نجسات شعائرياً)، وليس للرجال أن يلمسوهن، ناهيك بممارسة الجنس معهن.
في زمن الحاخامات الذين كتبوا المشناه والتلمود، أي منذ 2000 أو 1500 عام، كانت الأذواق بدأت تتخذ منحى أكثر حداثة. لكن ذلك لا يعني أن القواعد صارت أكثر وضوحاً.
ولدى الحاخامات رأي مُعقّد وأحياناً مُتضارب بشأن الجنس، وربما هم متأثرون بالثقافات الهيلينية والزرادشتية التي عاصروها. وآمنوا في الوقت نفسه بأن الجنس أمر جيد تنبغي ممارسته بعاطفة، وأنه نابع من رغباتٍ أساسية لا ينبغي تقييدها.
ولذا فمن أحد الجوانب، ينبغي أن يُمَارس الجنس برغبة وشغف. كان هذا هو الدرس الذي تعلمه الراف كاهانا –المذكور سابقاً- من معلمه وهو مختبئ تحت السرير: “فم الراف يلتهم وكأنه لم يأكل طعاماً مطهواً من قبل”، وهي كناية عن، “بحماسة، وكأن هذه هي المرة الأولى”.
كان الحاخامات صارمين في أن الرجل يدين لزوجته بِإمتاعها جنسياً: “إذا اتخذ الرجل زوجة أخرى، لا ينقص ذلك من طعامها أو ملابسها والواجب نحوها في الزواج” (سفر الخروج 21:10).
وفقاً للحاخامات، يعني هذا أن “واجب الزواج” هو ممارسة الجنس بانتظام، وأن هذا حق للمرأة المتزوجة.
لكن المشكلة كانت أن التوراة لا تحدد بالضبط معنى الانتظام هنا وعدده. وأدى ذلك إلى تكهنات واسعة النطاق بما يعنيه ذلك بالضبط.
وفقاً لما ورد في كتاب المشناه (سفر الكتبوت 5:5)، اختلف بيت شماي وبيت هليل، وهما المدرستان اليهوديتان الرئيسيتان في العصور القديمة، على عدد مرات ممارسة الجنس الإلزامية.
الجنس… كم مرة في الأسبوع؟
فرض بيت شماي أن تكون ممارسة الجنس مرة واحدة على الأقل كل أسبوعين، بينما اختار بيت هليل أن تكون مرة أسبوعياً. ثم يناقض كتاب المشناه نفسه، قائلاً إن بإمكان الرجل الذي يدرس التوراة أن يمتنع عن ممارسة الجنس مع زوجته 30 يوماً، بينما لا يترك العامل اليدوي زوجته غير راضية أكثر من أسبوع واحد في حال كان عمله في مكان بعيد.
قرر الحاخام إليعازر، الذي عاش في فلسطين في القرن الثاني، أن تواتر ممارسة الرجل الجنس مع زوجته يعتمد على وظيفته: فالرجل العاطل من العمل يجب أن يمارس الجنس مع زوجته يومياً، والعامل مرتين في الأسبوع، وسائق الحمير مرة في الأسبوع، وسائق الجمال مرة كل ثلاثين يوماً، والبحارة مرة كل ستة أشهر.
بالنسبة إلى المعاصرين، قد يبدو الفارق بين سائق الحمير وسائق الجمال غريباً. كالفارق بين شاحنة صغيرة ومقطورة. لكن الاختلاف هو أن الحمير كانت تُستخدم لنقل البضائع والأشخاص لمسافاتٍ صغيرة، فيما الجمال كانت تنقلهم مسافات طويلة.
أوصت السلطات اليهودية في العصور الوسطى (مثل موسى بن ميمون/ ميمونيديس) أن يمارس الرجال الجنس مع زوجاتهم مرة كل أسبوع، يوم السبت.
الخطيئة والمَصير المشؤوم
في أواخر القرن الثالث، كان من تعاليم الحكيم البابليّ الحاخام يوسف أنه تجب ممارسة الجنس عُراة، من دون ملابس. قال مفصّلاً، إن تلامس الجلد بالجلد ضروريٌ لإمتاع الزوجة كما ينبغي (كِتُبَه 48ب) “اتفاق ما قبل الزواج بالتلمود”، شارحاً أن الفُرس في زمانهم لم يتعرّوا خلال ممارسة الجنس.
بالتأكيد استمر تطبيق قوانين نيدا -وهي أن شريعة التوراة تحظر ممارسة الجنس مع المرأة الحائض- في زمن الحاخامات، الذين تكلموا عنها بمزيدٍ من التفصيل، من خلال إعطائنا القواعد التي يمارسها اليهود المتدينون حتى يومنا هذا، وهي أن المرأة تُعتبر نجسة شعائرياً بمجرد أن يظهر دم الحيض وحتى سبعة “أيام طهارة” أخرى، إلى أن تُطهِّر نفسها في “مِيكفاه” (حوض اغتسال مملوء بالماء من أجل الطهارة)، أيّ تقوم باغتسال دينيّ.
ورُوي في التلمود أن الحاخام يوشنان بن دحافايYohanan ben Dehavai، زعم أن “الملائكة الخادمين” أخبروه أن بعض الناس يولد عرجاً، “لأن آباءهم قلبوا طاولاتهم” (في تلميح إمّا إلى عدم ممارسة الجنس في الوضعية العلوية أو ممارسة الجنس الشرجي)، ويولد آخرون بُكماً، “لأن آباءهم قبَّلوا ذلك الجزء من العورة” (أيّ ممارسة لَعْق الفَرْج)، ويولد آخرون صمّاً، “لأن والديهم تحدثوا خلال الجماع”، ويولد البعض عمياً، “لأن أباءهم أطالوا التحديق في ذلك المكان” (التلمود البابلي: نيداريم 20أ).
من الواضح أن الحاخام يوشنان بن دِحافاي (أو مَن تكلم معهم من الملائكة) رأى أن هذه الممارسات يجب أن تُحظر. لكن لم تصبح هذه الحكمة السائدة أو التصور التقليدي. في الواقع يخبرنا التلمود أنه، “قال الأحبار: إن الهالاخاه (أيّ الشريعة اليهودية، وهي مجموع القوانين والتقاليد والإرشادات الدينية الموجب عليها لمن يتمسك بالديانة اليهودية)، لا تتفق مع رأي يُوشنان بن دِحافاي. بل على العكس، يمكن أن يفعل الرجل مع زوجته كل ما يودّ فعله. ويمكن أن يجامعها بأي طريقة يرغبها، ولا ضرورة ليشغل نفسه بهذه القيود”.
يستطرد التلمود في الأمر ويوضحه بقوة من خلال قصة رمزية تُشبَّه فيها الزوجة بقطعةِ لحمٍ مشتراة من جزارٍ. وينصّ التلمود على أنه، “إذا أراد أن يأكلها مع الملح؛ فيجوز له أن يأكلها هكذا. وإذا أراد أن يشويها؛ فيجوز له أن يأكلها مشويّة. وإذا أراد أن يطبخها؛ فيجوز له أن يأكلها مطبوخة. وإذا أراد أن يسلقها؛ فيجوز له أن يأكلها مسلوقة”. على رغم ذلك، فقد حرَّمت بعض السلطات الربّية أو الحاخامية اللاحقة بما في ذلك الشولحان عاروخ (وهو الكتاب المعوَّل عليه بلا منازع للشريعة والعرف اليهوديين) بالغ النفوذ في القرن السادس عشر (أورخ حاييم 240:4) لَعْق الفرج أو حتى النظر إليه.
لكن فيما بدا أن الحاخامات يرون أن ممارسة الجنس مشروعة وطبيعية بل وحتى إلزامية، فإنهم ينتهجون مسلكاً مختلفاً تماماً بخصوص الرغبة الجنسية، التي تسمَّى “يِتزر حارا” Yatzer HaRa، في الثقافة الربية الحاخامية.
ينظر الحاخامات إلى “يِتزر حارا” باعتباره نوعاً من الشياطين، يتلبَّس جسدَ الرجل ويجعله يرتكب الخطيئة. تسرد بضع فقرات في التلمود صراع الحاخامات مع رغباتهم الجنسية.
يبدو أن الخامات شعروا بضرورة مفهوم “يِتزر حارا” لكنهم تمنوا لو أنه يختفي كلّيّاً. يستشهد التلمود بشرح الحاخام الحكيم يهوذا الغربي، من القرن الثاني، الذي قال إنه “في اليوم الموعود (أيّ يوم القيامة)، سيجلب الإله المقدس يِتزر ويذبحه على مرأى من الصالحين و الآثمين” (Sukkah 52a) (سوخا 52أ).
وفي حين أن حاخامات المشناه والتلمود قد دَوّنوا قواعدَ كثيرةً تحظر على الرجال والنساء الاقتراب من بعضهم بعضاً، وكان يُساورهم قلقٌ بالغ إزاء الأفكار البذيئة، بل ذهبوا بعيداً إلى حد تحريم الاستمناء (نيدا 13أ)، أو حتى فعل أيّ شيء من شأنه أن يؤدي إلى الانتصاب (نيدا 13ب)، لم يحظُر الحاخامات قط بوضوحٍ ممارسة الجنس مع امرأة غير متزوجة، ما لم تكن نجسة شعائرياً أو إحدى قريبات الرجل ممن حرَّمت التوراة ممارسة الجنس معهن تحديداً. لم يحرِّم أحدٌ ممارسةَ الجنس مع اليهودية غير المتزوجة سوى حاخامات العصور الوسطى.
على رغم أن الحاخامات لم يعدّدوا الزوجات (لم يُعرَف أنّ أحداً منهم تزوَّج أكثر من زوجة واحدة) فإنهم لم يُحرِّموا تعدُّد الزوجات؛ وربما كان هذا لأن أنبياء الله، إبراهيم وإسحاق ويعقوب وداوود وسليمان كلهم عدَّدوا الزوجات. ولم يُحظَر تعدُّد الزوجات في أوروبا سوى في القرن الحادي عشر، وكان من حَظَره هو جيرشوم بن جودا، إلا أنَّ بعض المجتمعات لم تطبِّق الحظر إلا بعد مضي قرون (على سبيل المثال، لم يحظُر يهودُ اليمن تعدُّدَ الزوجات سوى في القرن العشرين). وفي أيّ حال، كان الدافع على الأرجح من وراء ذلك هو حظر تعدُّد الزوجات في المسيحية.
على ما يبدو، كان حكيم القرن الثاني عشر موسى بن ميمون هو أول مَن حظَرَ صراحةً ممارسةَ الجنس مع امرأة يهودية غير متزوجة. كتب في مخطوطته بالغة التأثير حول الشريعة اليهودية “مشناه توراة”، أنه “قبل نزول التوراة، كان يلتقي الرجل بامراة في السوق وإذا ما رغب كلاهما، كان يعطيها أجرها ويجامعها على قارعة الطريق ثم يرحل، وكان يطلَق عليها مُومِس. ثمّ حُرِّم البغاء بعد نزول التوراة، لأنه مكتوب فيها “لاَ تَكُنْ زَانِيَةٌ مِنْ بَنَاتِ إِسْرَائِيلَ” (سفر التثنية 23:17)؛ ولذلك فإن كل مَن جامع امرأةً لشهوةٍ، من دون زواج، خالَف التوراة (هِلخوت إيشوت 1-4).
كتب الحاخام أبراهام بن ديفيد، وهو بروفانسيّ معاصر لموسى بن ميمون، تفسيراً لـ”مشناه توراة”، عارضَ بن ميمون، قائلاً أنّ “المومس هي امرأة متاحة لأي رجل، لكن المرأة التي لا تهب نفسها سوى لرجلٍ واحد فهي غير جديرة بالجلد ولم ترتكب إثماً، بل هي المَحْظِيّة المشار إليها في التوراة”.
يبدو أن مسألة التسرّي (اتخاذ محظيَّات) كانت تكمن في لب الخلاف، والتي قال موسى بن ميمون إنها جائزة للملوك وحسب. لكن أيَّدت هيئاتٌ حاخامية أخرى الممارسةَ وأتاحُوها للجميع، ومنهم فيلسوف القرن الثالث عشر موسى بن نحمان.
سادت وجهة نظر موسى بن ميمون في النهاية، وحظَر تقريباً جميعُ الحاخامات الأرثوذكس اليوم اتخاذَ محظيّات وإقامةَ علاقاتٍ جنسيّة مع النساء غير المتزوجات؛ ومن المثير للاهتمام على رغم ذلك، أن هناك حاخاماً ألمانيّاً مؤثراً -هو الحاخام جيكوب إمدن- نادَى في القرن الثامن عشر بأن يُعاد إحياء التسرّي للسماح بالمعاشرة بين القرناء غير المتزوجين؛ وارتأى أيضاً رفعَ الحظر عن تعدُّد الزوجات، لكن أحداً لم يقبل برأيه.
*هارتس (ترجمة موقع درج)