د. آمال موسى
الزواج العرفي ظاهرة منتشرة في الفضاء العربي الإسلامي، وهي تختلف في انتشارها من بلد عربي إلى آخر بشكل يسمح لنا بقياس هذه الظاهرة وتحديد الأسباب المنتجة لها، والأخرى التي تحدّ منها، خصوصاً أن قِيَم التحديث والزواج المدني الطابع بدأت تتجذر أكثر وأكثر في مجال الارتباط بين الجنسين في بلداننا.
وفي الحقيقة، رغم انتشار الظاهرة، فإن الملاحَظ هو أن التسامح الاجتماعي اليوم بالنسبة إلى الأسرة العربية يشهد تراجعاً كبيراً، الشيء الذي جعل منه حلاً للارتباطات التي لا يناسبها إشهار الزواج الذي يمثل، كما نعلم، ركناً أساسياً بالنسبة إلى الزواج في الدين الإسلامي.
اللافت للانتباه حقيقةً أن تونس التي تُعد من أكثر البلدان العربية علمانية وتحديثاً، وكيف أن مشروع بناء الدولة الوطنية نفسه قام على هدم البنى التقليدية للمجتمع، مستعيناً بمحاكم مدنية وبجملة أحوال شخصية ثورية البنود… تونس نفسها أصبحت تعرف ظواهر صادمة لم تتماشَ وصورة الدولة الحديثة ذات الإرث البورقيبي المتأثر هو نفسه بأنموذج كمال أتاتورك.
ولقد رأينا وسمعنا في السنوات السابقة عن ظواهر، مثل انتداب الشباب التونسي المكثف من شبكات الجهادية والتكفير، إضافة إلى صدمة جهاد النكاح، وإقبال بعض التونسيات عليه… وأخيراً يطلّ علينا مصدر رسمي من الدولة ليعلمنا أنه تم تسجيل 1200 حالة زواج عرفي في تونس، منها 900 في صفوف الطلبة.
طبعاً من المهم التوقف سريعاً عند بعض التوضيحات: أولها أن ظاهرة الزواج العرفي لا ترتبط في تاريخ ظهورها بما بعد الثورة، حيث كانت تتردد أخبار خافتة الصوت تتحدث عن شيوع هذه الظاهرة في الجنوب التونسي في صفوف الفئة العمرية المتقدمة في السن نسبياً. النقطة الثانية أن القانون التونسي لا يعترف بالزواج العرفي، ومن ثمّ فهو يستوجب عقوبة قانونية.
الجديد في مرحلة ما بعد الثورة يتمثل في طبيعة الفئة العمرية التي باتت تشملها ظاهرة الزواج العرفي، وهي ظاهرة الشباب، وتحديداً الطلبة، أي أننا أمام معطى جديد يتصل بالمستوى التعليمي، في حين أن الذين كانوا يتزوجون عرفياً فيما قبل الثورة هم أصحاب مستوى تعليمي منخفض.
وإذا ما وضعنا في الحسبان كيفية توزّع المعاهد والكليات في البلاد التونسية، فإننا نلاحظ أن الظاهرة تحركت من الجنوب إلى العاصمة وولايات أخرى مع غلبة العاصمة.
السؤال: كيف نفهم الحراك في مستوى الفئة العمرية والمستوى التعليمي الذي عرفته ظاهرة الزواج العرفي في تونس؟
قبل محاولة التفكير سريعاً في السؤال المطروح، من المهم الإشارة إلى أن الظاهرة على ما يبدو قد عرفت ارتفاعاً في عدد المقبلين على الزواج العرفي، وهو ربما مرتبط بعدة أسباب، منها التسيّب الاجتماعي وعدم الخوف من المتابعة القانونية، وأيضاً انتشار ثقافة دينية سلفية متسامحة مع هذا الشكل من الزواج، بل وداعيةً إليه، وغير معترفة بشكل الزواج المدني.
الصادم حقاً في العدد الذي قدمه وزير الشؤون الاجتماعية التونسي هو حجم العدد نفسه، وأيضاً إقدام الشباب الطالب على هذا الشكل من الزواج بما يعنيه من ثقافة مختلفة عن مضامين قيم وثقافة الدولة التونسية الحديثة من تاريخ الاستقلال إلى اليوم.
طبعاً التحليل المادّي لظاهرة الزواج العرفي يحمِّل الإكراهات الاقتصادية المسؤولية، ولكن ما نلاحظه أن هناك حرصاً، بلفت النظر عن توصيفه ومدى صحته، على الشعور براحة الضمير الديني، وذلك بإقامة نوع من التفاوض الرمزي واللاشعوري مع الزواج العرفي. والجدير بالانتباه أن مثل هذا الحرص القائم على إخفاق في الرؤية، ويدلّ على انفصام قيمي صارخ… مثل هذا الحرص على علاته لم يكن موجوداً في صفوف طلبة الثمانينات مثلاً، حيث كان الحرص يرجح ثقافة الحداثة وتحرر الفرد فيها، وأيضاً مساحة التسامح في العلاقة بين الجنسين.
نعتقد أن ما عرفته ظاهرة الشباب التونسي من تشبيب، من خلال العدد الذي صرّح به وزير الشؤون الاجتماعية التونسي، وغزوها فضاء الجامعة هو مكمن الخطورة، حيث لم يحمِ المستوى التعليمي هؤلاء الطلبة من الإقبال على الزواج العرفي، وهو ما يؤكد أن هؤلاء الطلبة تحت هيمنة وتأثير ثقافة تختلف عما قدمته المدرسة وتقدمه الجامعة التونسية لطلبتها. وفي المثال التونسي بشكل خاص نرجح أن يكون الـ900 طالب تونسي المتزوجون عرفياً يحملون خلفية آيديولوجية تدفعهم لذلك، ونستبعد أن يكون العامل الاقتصادي هو المنتِج لهذه الظاهرة أو الدافع لها.
من هذا المنطلق وبالنّظر إلى خطورة الظاهرة وغموض أسبابها والأبعاد الذاتية، التي جعلت هؤلاء الشباب الطلبة يتزوجون عرفياً، فإن الحاجة إلى بحوث اجتماعية ميدانية تُمكّن من فهم هذه الظاهرة، وتحديد أسبابها ستكون مفيدة جدة، خصوصاً أن نسق الظاهرة كمّياً في تصاعد، ونوعياً بدأت الظاهرة تبطل دور متغيرات اجتماعية، مثل متغيرَي المستوى التعليمي والسن، في إنتاج ممارسات اجتماعية كانت محسوبة على فئة عمريّة أخرى.
وفي الحقيقة، رغم انتشار الظاهرة، فإن الملاحَظ هو أن التسامح الاجتماعي اليوم بالنسبة إلى الأسرة العربية يشهد تراجعاً كبيراً، الشيء الذي جعل منه حلاً للارتباطات التي لا يناسبها إشهار الزواج الذي يمثل، كما نعلم، ركناً أساسياً بالنسبة إلى الزواج في الدين الإسلامي.
اللافت للانتباه حقيقةً أن تونس التي تُعد من أكثر البلدان العربية علمانية وتحديثاً، وكيف أن مشروع بناء الدولة الوطنية نفسه قام على هدم البنى التقليدية للمجتمع، مستعيناً بمحاكم مدنية وبجملة أحوال شخصية ثورية البنود… تونس نفسها أصبحت تعرف ظواهر صادمة لم تتماشَ وصورة الدولة الحديثة ذات الإرث البورقيبي المتأثر هو نفسه بأنموذج كمال أتاتورك.
ولقد رأينا وسمعنا في السنوات السابقة عن ظواهر، مثل انتداب الشباب التونسي المكثف من شبكات الجهادية والتكفير، إضافة إلى صدمة جهاد النكاح، وإقبال بعض التونسيات عليه… وأخيراً يطلّ علينا مصدر رسمي من الدولة ليعلمنا أنه تم تسجيل 1200 حالة زواج عرفي في تونس، منها 900 في صفوف الطلبة.
طبعاً من المهم التوقف سريعاً عند بعض التوضيحات: أولها أن ظاهرة الزواج العرفي لا ترتبط في تاريخ ظهورها بما بعد الثورة، حيث كانت تتردد أخبار خافتة الصوت تتحدث عن شيوع هذه الظاهرة في الجنوب التونسي في صفوف الفئة العمرية المتقدمة في السن نسبياً. النقطة الثانية أن القانون التونسي لا يعترف بالزواج العرفي، ومن ثمّ فهو يستوجب عقوبة قانونية.
الجديد في مرحلة ما بعد الثورة يتمثل في طبيعة الفئة العمرية التي باتت تشملها ظاهرة الزواج العرفي، وهي ظاهرة الشباب، وتحديداً الطلبة، أي أننا أمام معطى جديد يتصل بالمستوى التعليمي، في حين أن الذين كانوا يتزوجون عرفياً فيما قبل الثورة هم أصحاب مستوى تعليمي منخفض.
وإذا ما وضعنا في الحسبان كيفية توزّع المعاهد والكليات في البلاد التونسية، فإننا نلاحظ أن الظاهرة تحركت من الجنوب إلى العاصمة وولايات أخرى مع غلبة العاصمة.
السؤال: كيف نفهم الحراك في مستوى الفئة العمرية والمستوى التعليمي الذي عرفته ظاهرة الزواج العرفي في تونس؟
قبل محاولة التفكير سريعاً في السؤال المطروح، من المهم الإشارة إلى أن الظاهرة على ما يبدو قد عرفت ارتفاعاً في عدد المقبلين على الزواج العرفي، وهو ربما مرتبط بعدة أسباب، منها التسيّب الاجتماعي وعدم الخوف من المتابعة القانونية، وأيضاً انتشار ثقافة دينية سلفية متسامحة مع هذا الشكل من الزواج، بل وداعيةً إليه، وغير معترفة بشكل الزواج المدني.
الصادم حقاً في العدد الذي قدمه وزير الشؤون الاجتماعية التونسي هو حجم العدد نفسه، وأيضاً إقدام الشباب الطالب على هذا الشكل من الزواج بما يعنيه من ثقافة مختلفة عن مضامين قيم وثقافة الدولة التونسية الحديثة من تاريخ الاستقلال إلى اليوم.
طبعاً التحليل المادّي لظاهرة الزواج العرفي يحمِّل الإكراهات الاقتصادية المسؤولية، ولكن ما نلاحظه أن هناك حرصاً، بلفت النظر عن توصيفه ومدى صحته، على الشعور براحة الضمير الديني، وذلك بإقامة نوع من التفاوض الرمزي واللاشعوري مع الزواج العرفي. والجدير بالانتباه أن مثل هذا الحرص القائم على إخفاق في الرؤية، ويدلّ على انفصام قيمي صارخ… مثل هذا الحرص على علاته لم يكن موجوداً في صفوف طلبة الثمانينات مثلاً، حيث كان الحرص يرجح ثقافة الحداثة وتحرر الفرد فيها، وأيضاً مساحة التسامح في العلاقة بين الجنسين.
نعتقد أن ما عرفته ظاهرة الشباب التونسي من تشبيب، من خلال العدد الذي صرّح به وزير الشؤون الاجتماعية التونسي، وغزوها فضاء الجامعة هو مكمن الخطورة، حيث لم يحمِ المستوى التعليمي هؤلاء الطلبة من الإقبال على الزواج العرفي، وهو ما يؤكد أن هؤلاء الطلبة تحت هيمنة وتأثير ثقافة تختلف عما قدمته المدرسة وتقدمه الجامعة التونسية لطلبتها. وفي المثال التونسي بشكل خاص نرجح أن يكون الـ900 طالب تونسي المتزوجون عرفياً يحملون خلفية آيديولوجية تدفعهم لذلك، ونستبعد أن يكون العامل الاقتصادي هو المنتِج لهذه الظاهرة أو الدافع لها.
من هذا المنطلق وبالنّظر إلى خطورة الظاهرة وغموض أسبابها والأبعاد الذاتية، التي جعلت هؤلاء الشباب الطلبة يتزوجون عرفياً، فإن الحاجة إلى بحوث اجتماعية ميدانية تُمكّن من فهم هذه الظاهرة، وتحديد أسبابها ستكون مفيدة جدة، خصوصاً أن نسق الظاهرة كمّياً في تصاعد، ونوعياً بدأت الظاهرة تبطل دور متغيرات اجتماعية، مثل متغيرَي المستوى التعليمي والسن، في إنتاج ممارسات اجتماعية كانت محسوبة على فئة عمريّة أخرى.
الشرق الأوسط