شمال أفريقيا

ركن الخطباء منبر لحرية التعبير في الجزائر

ـ الجزائر ـ يوفر منبر يوضع وسط الشارع في العاصمة الجزائرية كل جمعة، يوم الاحتجاج الأسبوعي منذ أكثر من شهرين، منصة يمكن لأي كان أن يعتليها للتعبير عن رأيه وتوجيه الانتقادات وطرح المقترحات في بلد حُرم طويلاً من حرية التعبير.

كل أسبوع منذ 15 آذار/مارس، ينصب إلياس فيلالي البالغ من العمر 54 عاماً قبل الظهر منصته المصنوعة من المعدن الأحمر أمام ساحة موريس أودين، أحد أماكن الاحتجاج الرئيسية ضد السلطات. ومن ثم، يبدأ الخطباء المتطوعون في التعاقب عليها.

وقال فيلالي الناشط في المجتمع المدني إنه، منذ استقلال الجزائر عام 1962، و”طوال 57 عاماً، مُنع الناس من التحدث بحرية”. ولكن منذ بداية الحراك في 22 شباط/فبراير الذي لم تشهد له البلاد مثيلاً من قبل “الكل يريد أن يتكلم. هناك شعور بالحاجة للتعبير بحرية”.

من “ركن الخطباء” المرتجل، يمكن قول كل شيء، باستثناء الشتائم والتشكيك في وحدة الجزائر.

يعيش فيلالي الذي يعمل مع مؤسسات خيرية بين الجزائر ولندن. واستوحى فكرة إقامة المنصة من “ركن الخطباء” في حديقة هايد بارك في لندن منذ القرن التاسع عشر، حيث يمكن للجميع التحدث بحرية.

علق فيلالي على المنصة لافتة بثلاث لغات كتب عليها “ركن الخطباء، الجزائر” بالانكليزية، و”منبر حرية التعبير” بالفرنسية” و”منبر من لا منبر له” بالعربية.

وقال اسماعيل الموظف البالغ من العمر 55 عاما وهو ينتظر دوره ضمن طابور الخطباء الارتجاليين، “لقد مارسنا الرقابة الذاتية خوفاً من الاعتقال. الحراك أعاد لنا حرية التعبير”.

وقال محمد المازوني (33 عاما)، والموظف في شركة عامة “نحن متعطشون للتعبير عن رأينا وللحرية”.

وبين الخطباء من يوجز في كلامه ويتحدث بلهجة مباشرة، مثل شاب اعتلى المنبر ليقول جملة واحدة: “يتنحاو فاع” مردداً شعار الاحتجاجات المطالبين بأن “يرحل كل” رجال النظام السابق.

ويصعد آخر ليوجه رسالة مباشرة إلى الفريق أحمد قايد صالح رئيس أركان الجيش الذي أصبح فعلياً الرجل القوي في البلاد منذ استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تحت ضغط الشارع والجيش.

وقال “أقول لقايد إن مشروع الشعب ومشروعه لا يتفقان: نحن نريد دولة مدنية وهو يريد دولة عسكرية”.

 “انتهى الخوف من الكلام” 

وبين الحين والآخر، يهتف الحاضرون “تحيا الجزائر!” أو “عاش الشعب!”.

وقال رشيد وهو يلف جسمه بالعلم الجزائري “انتهى زمن الخوف من الكلام”.

ينتظر أحمد منصر السبعيني صاحب النظرة المتقدة يوم الجمعة بفارغ صبر للاستماع إلى الخطباء وكلامهم الذي كان حتى قبل شهرين فقط ضرباً من الخيال.

وقال الموظف الصيدلاني المتقاعد إن المنصة التي سماها “منبر الديموقراطية”، تسمح بالخروج من “عالم شبكات التواصل الاجتماعي المحدود”، حيث وُلد الاحتجاج ولكن “حيث يختبئ بعض الناس خلف شاشاتهم للتعبير عن أنفسهم”.

أما أمام المنبر، فتثير الخطب النقاش ويؤدي نفاد الصبر في بعض الأحيان إلى التدافع.

وهناك حرص على إعطاء الكلام للنساء، ولينتظر قليلاً الرجال الواقفون في الطابور.

“اليوم، لا صوت يعلو فوق صوت الشعب (…) 42 مليون جزائري يرفضونكم، لذا ارحلوا!”، قالت موظفة اربعينية وسط تصفيق الحضور وغالبيتهم العظمى من الرجال.

وقالت امرأة تنتظر دورها للكلام، إن القدرة على التعبير بحرية في مكان عام هي “ميزة إضافية وفرها الحراك للعديد من النساء” اللواتي حالت دون ذلك تربيتهن أو مجتمعهن المحافظ.

وعلى المنصة، قالت حرية الموظفة الخمسينية، إنها جاءت لتقول “كلمتين: علينا أن نواصل التعبئة، وأن نبقى متحدين. هنا مكمن قوتنا”.

وأمام والده الذي كاد لا يصدق ما يرى، اعتلى راسم ابن التسع سنوات المنصة، ثم نظر إلى الجمهور وببساطة صرخ بأعلى صوته “تحيا الجزائر!”. (أ ف ب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق