السلايدر الرئيسيحقوق إنسان
تقرير لـ”هيومن رايتس ووتش”: قطر سحبت تعسفيا الجنسية من عائلات قبيلة الغفران… ومنعتهم من الوظائف ودعم الغذاء والرعاية الصحية… والدوحة لم ترد على رسائلنا
سعيد سلامة
ـ لندن ـ من سعيد سلامة ـ قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم الاحد إن قرار قطر بسحب الجنسية تعسفا من أسر من عشيرة الغفران، ترك بعض أفراد العشيرة من دون جنسية بعد عشرين سنة وحرمهم من حقوق أساسية.
يعتبر أفراد عشيرة الغفران عديمو الجنسية محرومين من حقوقهم في العمل اللائق، الحصول على الرعاية الصحية، التعليم، الزواج وتكوين أسرة، التملك، وحرية التنقل. بدون وثائق هوية سارية، يواجهون قيودا على فتح الحسابات المصرفية والحصول على رخص القيادة ويتعرضون للاعتقال التعسفي. المقيمون منهم في قطر محرومون أيضا من مجموعة من المزايا الحكومية المتاحة للمواطنين القطريين، كالوظائف الحكومية، ودعم الغذاء والطاقة، والرعاية الصحية المجانية.
وقالت لما فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط بالإنابة في هيومن رايتس ووتش: “لا يزال العديد من أفراد عشيرة الغفران عديمي الجنسية محرومين من الانتصاف اليوم. ينبغي للحكومة القطرية إنهاء معاناة أولئك الذين بلا جنسية فورا، وأن تمنحهم هم ومن حصلوا منذ ذلك الحين على جنسيات أخرى، مسارا واضحا نحو استعادة جنسيتهم القطرية”.
قابلت هيومن رايتس ووتش 9 أفراد من 3 عائلات بلا جنسية من عشيرة الغفران يعيشون في قطر، وشخص آخر من عائلة رابعة يعيش في السعودية. تضم العائلات مجتمعة 28 فردا عديمي الجنسية. قال 4 آخرين قابلناهم، 2 منهم يعيشون في قطر، إنهم أصبحوا مواطنين سعوديين بعد 8 إلى 10 سنوات من سحب قطر لجنسيتهم.
وصف رجل (56 عاما)، سُحبت جنسيته هو وأطفاله الخمسة في 2004، أثر ذلك: “ليس لدي أي ممتلكات باسمي، لا بيت، لا دخل، لا بطاقة صحية، ولا يمكنني حتى فتح حساب مصرفي، كما لو أنه لا وجود لي. عندما أمرض، [بدلا من الذهاب إلى الطبيب أو المستشفى] أتناول الـ “بنادول” [مسكن للألم لا يحتاج لوصفة طبية] وأتمنى التحسن”.
عشيرة الغفران (أو فخيذة الغفران بحسب التسمية المحلية) هي فرع من قبيلة آل مُرَّة شبه البدوية، المنتشرة في منطقة الخليج وتُعتبر من أكبر القبائل في قطر. في حين أعادت قطر الجنسية إلى العديد من الآلاف من أفراد عشيرة الغفران الذين سُحبت منهم جنسياتهم تعسفيا بدءا من 1996، لا تزال بعض العائلات تفتقر إلى مسار واضح لاستعادة جنسيتها.
راسلت هيومن رايتس ووتش وزارة الداخلية القطرية في 29 أبريل/نيسان 2019 للإعراب عن قلقها بشأن وضع عشيرة الغفران. لم تتم الإجابة على الرسالة حتى وقت إعداد هذا التقرير.
أكدت الحكومة القطرية أن أولئك الذين سُحبت جنسيتهم يحملون جنسية ثانية، سعودية، ربما لأن فرعا كبيرا من آل مرة استقر منذ زمن في السعودية وحصل على الجنسية السعودية. يحظر قانون الجنسية القطري ازدواج الجنسية، كما هو الحال في دول “مجلس التعاون الخليجي” الأخرى.
لكن العديد من ممثلي عشيرة أخبروا هيومن رايتس ووتش إنهم يعتقدون أن هذا الإجراء كان بمثابة عقاب جماعي بسبب مشاركة بعض أفراد العشيرة في انقلاب 1996 الفاشل ضد الأمير آنذاك حمد آل ثاني، الذي أطاح بوالده، خليفة آل ثاني، قبلها بعام. في تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية في 2006، “أشار دبلوماسيون إلى أن العديد من مزدوجي الجنسية الآخرين في قطر لم يتأثروا”.
نفى كل من قابلناهم امتلاكهم جنسية ثانية عندما سُحبت جنسيتهم القطرية. قال البعض إنهم لم يتمكنوا لاحقا من الحصول على جنسية ثانية. قال آخرون إنهم تمكنوا من الحصول على جنسية ثانية، لكن أصولهم قطرية.
لم يتلق أي منهم أي اتصال رسمي أو مكتوب يوضح سبب سحب جنسيتهم أو يمنحهم فرصة للطعن. كلهم، بما في ذلك أولئك الذين عادوا إلى قطر بعد أزمة الخليج في حزيران/يونيو 2017، قالوا إنهم إما هربوا، أو رُحلوا، أو مُنعوا من العودة إلى قطر بعد سحب جنسيتهم. قالوا إنهم استقروا لعدة سنوات في السعودية، أو الإمارات، أو الكويت كأشخاص عديمي الجنسية. أظهر جميعهم وثائق تثبت أنهم كانوا مواطنين قطريين.
بينما تؤكد الحكومة القطرية أن من لم تُعاد إليهم الجنسية هم مواطنون سعوديون، قالت العائلات الثلاث التي تمت مقابلتها في قطر من عديمي الجنسية إن الحكومة لم تسمح لها بالطعن في ذلك. قالت العائلات إنها تواصلت مع وزارة الداخلية ولجنة حقوق الإنسان والديوان الأميري عدة مرات في محاولة لاستعادة الجنسية.
يُجري “مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة” استعراضه الثالث لسجل قطر الحقوقي في إطار “الاستعراض الدوري الشامل” (الاستعراض) في 15 مايو/أيار في جنيف. خلال العامين الماضيين، ناشد نشطاء من الغفران مجلس حقوق الإنسان لمساعدتهم في استعادة الحقوق المفقودة لعشيرتهم. في أكتوبر/تشرين الأول 2018، طُرحت القضية في ورقة مشتركة مقدَّمة إلى الاستعراض من “الحملة العالمية من أجل حقوق المساواة في الجنسية” و”معهد عديمي الجنسية والإدماج” و”مركز تفعيل الحقوق”.
قالت فقيه: “ينبغي للحكومة القطرية إنشاء نظام يتسم بالشفافية وفي حينه لمراجعة مطالبات أفراد عشيرة الغفران بالجنسية. على قطر متابعة الخطوات الإيجابية التي اتخذتها مؤخرا في المصادقة على معاهدات حقوق الإنسان الأساسية والتأكد من احترام الحقوق المنصوص عليها فيها”.
حياة معلقة
قال رامي (33 عاما)، الذي كان في العاشرة من عمره فقط عندما سحبت السلطات القطرية الجنسية منه ومن أسرته المكونة من 9 أفراد في ذلك الوقت: “كل شيء في هذا العالم مرتبط بالجنسية، لكن بالنسبة لنا، كل شيء مرتبط بصدَقة الآخرين”. مثل معظم الذين قابلناهم، طلب إخفاء هويته خوفا من الانتقام. اعتُمدت أسماء مستعارة لجميع الأشخاص الذين قابلناهم لحماية خصوصيتهم وأمنهم.
قال جميع من قابلتهم هيومن رايتس ووتش إنهم اعتمدوا على مساعدات أشخاص متعاطفين مع وضعهم لتغطية احتياجاتهم الأساسية. نظرا لافتقارهم لوثائق هوية سارية واضطرارهم للإقامة في دول خليجية أخرى، لم يتمكنوا من الحفاظ على دخل ثابت وكافحوا ليعيشوا حياة كريمة. قالت 3 أسر عديمة الجنسية إن كل المنازل التي سكنوها منذ سحب الجنسية تبرعت لهم بها جمعيات خيرية أو أقاربهم. لم يتمكن أي من الأطفال الذين سُحبت جنسيتهم قبل سن 18 عاما من مواصلة التعليم العالي، أو الحصول على عمل مُجد، أو الزواج وتأسيس أسرة. قال رامي: “نحن نعيش في معاناة لأننا عديمو الجنسية، إذا بقينا هكذا، فلن يكون لنا مستقبل”.
الوثيقة التعريفية الوحيدة لدى العديد من الذين قابلناهم كانت جوازات السفر وبطاقات هوية وبطاقات صحية قطرية منتهية الصلاحية؛ وفي بعض الحالات، مجرد نسخ عنها. بالنسبة للجيل الأصغر، حتى هذه الوثائق نادرا ما تُفيدهم لأن صورهم عليها التُقطت عندما كانوا أطفالا صغارا أو مراهقين. الذين وُلدوا بعد سحب جنسية أسرهم لا يمتلكون إلا شهادات ميلاد من دول خليجية مختلفة، الكثير منها تُبيّن جنسيات الوالدين كقطريين. تُشير شهادة الميلاد القطرية لطفلة إلى أن والديها “ليسا قطريين”، وبلا جنسية أخرى. يحمل العديد من عديمي الجنسية المقيمين في قطر وثائق متنوعة أصدرتها الحكومة مؤخرا والتي تشير إلى جنسيتهم كقطريين، مما يدل على التباس وضعهم القانوني حتى داخل الدوائر الحكومية.
لا تزال المرأة القطرية محرومة من منح الجنسية لأولادها أو زوجها. في 2018، أصدرت قطر قانونا جديدا للإقامة الدائمة الذي يسمح لأطفال وأزواج القطريات المتزوجات من غير القطريين بالحصول على الإقامة الدائمة. مع ذلك، في حالتين موثّقتين سُحبت جنسية الأب، لكن الأم احتفظت بجنسيتها، لم يُسمح للأطفال بالاستفادة من القانون.
قالت نجمة، والدة رامي القطرية: “عندما سمعنا بالقانون، أملنا تحسن الأمور. لكنهم [مسؤولو وزارة الداخلية] لم يسمحوا لي بتقديم طلب للإقامة [الدائمة] لأطفالي، لأنهم قالوا إنهم قطريين بالفعل”. قال رامي إنه عندما ألح عليهم، طلب منهم المسؤولون الاتصال بالوزارة بخصوص جوازاتهم الملغاة بدل الإقامات.
الوضع مماثل بالنسبة للقادرين على الحصول على جنسية ثانية. قال شخصان عادا للإقامة في قطر بعد الحصول على الجنسية السعودية إن مسؤولي وزارة الداخلية منعوهم من تقديم طلب للحصول على الإقامة القانونية في قطر كمواطنين من دول مجلس التعاون الخليجي.
قال عبدالرحمن (34 عاما)، الذي عاد إلى قطر مع زوجته وطفليه في العام الذي حصل فيه على الجنسية السعودية: “في مرحلة ما، بعد سنوات من وجودنا في قطر، ومنعنا من استعادة حقوقنا، حاولت الحصول على تصاريح إقامة صادرة لنا كمواطنين سعوديين في قطر. رفضوا [وزارة الداخلية] طلباتنا، قائلين أنتم قطريين، كيف نمنحكم تصاريح إقامة؟”.
أنور (40 عاما)، الذي انتهت صلاحية جنسيته السعودية في قطر، يرفض تجديدها خوفا من فقدان فرصة استعادة جنسيته القطرية يوما ما:
الحصول على الجنسية السعودية كان ببساطة محاولة للسعي لحياة كريمة. لا أكثر ولا أقل. لم ارغب بمغادرة قطر. أريد البقاء في هذا البلد، بلدي … حياتي في قطر الآن عبارة عن معاناة. أتمنى أن أعمل. أتمنى أن أتزوج. لكن ليس لدي أي وثائق هوية سارية اليوم. كل شيء يتطلب علاقات.
قال ناشطان من الغفران يقيمان خارج قطر ويحملان جنسية ثانية إنهما لم يحاولا العودة منذ انتهاء صلاحية جوازات سفرهما القطرية لخشيتهما أن يُقبض عليهما بسبب نشاطهما. قال أحدهما: “طوال 22 عاما، حُرمت من زيارة والدتي، وإخوتي، وأقاربي في وطني”.
لا يزال بعض الأشخاص عديمي الجنسية بدون سبب واضح يفسر التمييز بينهم وبين من استعادوا جنسيتهم. قال جميع عديمي الجنسية الذين قابلناهم إن لديهم أفراد من عائلاتهم استعادوا جنسياتهم. قالت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في تقريرها السنوي لعام 2010 إن الذين استعادوا جنسيتهم واجهوا صعوبات في الحصول على استحقاقات الإسكان والعمل.
قال نشطاء من الغفران إنه نظرا إلى نقص الشفافية المرتبط بسياسة قطر لإعادة الجنسية، فإن الخوف والشك ينتشران في مجتمعهم. قالت إحدى النساء: ” أولئك الذين استعادوا جنسياتهم يخشون مثلنا التحدث بصراحة، لأنهم يخشون فقدانها ثانية”.
التعليم
يتطلب التسجيل في المدارس الحكومية المجانية والمدارس الخاصة والدولية في قطر وثائق هوية صالحة. وعلى نحو مماثل في السعودية، والإمارات، والكويت، حيث عاش العديد من الأشخاص الذين قابلناهم لجزء من حياتهم بلا جنسية، تطلب المدارس الخاصة والحكومية هوية سارية. قالت العائلات التي قابلناها إنه كان عليهم الاعتماد على العلاقات والأشخاص المتعاطفين، ومنهم مديري المدارس المدركين لمحنتهم، لتسجيل أطفالهم.
لم يستطع أي ممن سُحبت جنسيتهم قبل بلوغهم الثامنة عشرة متابعة التعليم العالي حتى لو كان بإمكان عائلاتهم دفع الرسوم الدولية الأعلى.
قال “حمزة” (20 عاما)، الذي يعتبر أن عجزه عن مواصلة تعليمه العالي كان أكبر ضربة لمعنوياته منذ سحب جنسيته: “حاولت أن أتسجل في ’جامعة قطر‘، وقُبلت، ولكن رُفضت في المرحلة النهائية نظرا لانتهاء صلاحية جميع أوراقي الثبوتية”.
حاول رامي أيضا تقديم طلب إلى جامعة قطر، التي تقدم منحا دراسية لأبناء القطريات غير المواطنين. قال إنه عندما أخبرهم إنه لا يملك أي وثائق هوية سارية، طلبت منه إدارة الجامعة الحصول على موافقة وزارة الداخلية: “تواصلنا عدة مرات مع وزارة الداخلية، بخصوص التعليم العالي، والتوظيف، وحتى الإقامة القانونية [كأبناء وبنات القطريات]، لكننا لم نتلق بعد موافقة”.
التوظيف
بموجب القانون القطري، يُسمح فقط بتوظيف من لديهم إقامة قانونية أو المواطنين. قال شقيق رامي، “نجيب” (30 عاما): “لا أحد منا لديه وظيفة، قد أجد عملا، وقد أُقبل، لكن بمجرد معرفتهم أنه ليس لديّ وثائق سارية، ستقرر الشركات عدم توظيفي”.
ولاء (26 عاما)، وأختها دانا (22 عاما)، هما المعيلتان الرئيسيتان لعائلتهما المكونة من 11 فردا. أنشأتا شركة استيراد عبر الإنترنت بمساعدة أقاربهما الذين احتفظوا بالجنسية القطرية. قالت دانا: “لم أتخرج، لا يمكنني العمل في أي شيء آخر غير في الخفاء. مع ذلك، أنا مجبرة على الاعتماد على عماتي وأعمامي. جميع الإجراءات والطلبات التي تتطلب موافقة الحكومة تجري بأسمائهم”.
الصحة
توفر قطر رعاية صحية مجانية أو مدعومة بشكل كبير لمواطنيها والمقيمين القانونيين، لكن يجب عليهم تقديم طلب للحصول على بطاقات صحية للاستفادة من الخدمات.
قال جميع الأشخاص العشرة عديمي الجنسية الذين قابلناهم أنهم عانوا للحصول على الرعاية الصحية لأنهم لم يكن لديهم بطاقات هوية صالحة. قال أفراد من جميع الأسر الثلاث عديمي الجنسية والمقيمين في قطر الذين قابلناهم، إنهم اضطروا إلى استخدام البطاقات الصحية لأقارب أو أصدقاء للحصول على العلاج الضروري في المستشفيات الحكومية أو إلى دفع رسوم أعلى في المستشفيات والعيادات الخاصة.
قالت بشرى (49 عاما)، إنه حتى بالنسبة إلى الرعاية الصحية الأولية، تطلب المستشفيات دائما بطاقات هوية سارية. قالت عن ابنتها الصغرى: “بعد 6 أشهر من ولادتها لم نتمكن من تلقيحها أو تأمين أي خدمات صحية أخرى لها. أحاول عادة ارتداء النقاب، وآخذ البطاقة الصحية لابنة عمي وأحاول معالجة طفلتي بهذه الطريقة”. في الثانية من عمرها، لم تحصل ابنتها بعد على اللقاحات الأساسية.
قال جميع الأشخاص الذين تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش إنها عانوا أيضا للحصول على الرعاية الصحية عندما كانوا يعيشون بلا جنسية في دول خليجية أخرى.
حرية التنقل: عدم التعرض للإيقاف التعسفي
تقييد الحق في السفر هي شكوى الرئيسية لدى من قابلناهم. قال رامي إن التجول داخل قطر يُعد صعبا لأنه لم يتمكن هو وإخوته من الحصول على رخص القيادة دون وثيقة تعريفية سارية. “بعضنا لم يسبق له رؤية طائرة من الداخل”.
قال “حارث” (29 عاما) شقيق رامي: “عندما توقفنا شرطة المرور ويكتشفون أنه ليس لدينا رخص قيادة أو بطاقات هوية، يرسلوننا لأقرب مركز شرطة ولا يمكننا الخروج إلا بكفالة”.
واجهوا مشاكل مماثلة عند إقامتهم في المنطقة الشرقية في السعودية. قال والد رامي: “كانت أكبر مشاكلنا في السعودية، الفتيان على الأقل، هي كلما مروا بأي نقاط تفتيش تابعة للشرطة، يتم استجوابهم حول عدم حيازتهم لأوراق ثبوتية، ويُقبض عليهم ويُحتجزون أحيانا. ذات مرة، أمضى أحد أبنائي 3 أيام في السجن لأنه لم يستطع تقديم وثيقة تعريفية”.
إضافة إلى انتهاك حرية الأفراد في التنقل، بما في ذلك حقهم بمغادرة أي بلد، فإن الوصول غير الموثوق والمقيّد إلى وثائق السفر قد يؤدي إلى انتهاك حق الأفراد في الصحة، بما فيه الحق في طلب العلاج الطبي، وحقهم في الحرية الدينية، بما في ذلك الحج.
سحبت السلطات القطرية جنسية “عنان” (58 عاما) وإخوتها في 2004. كانت تعيش بالفعل في المنطقة الشرقية في السعودية مع زوجها وأطفالها، الذين سُحبت جنسيتهم في 1996 حسبما قالت. بينما تمكن زوجها وأطفالها من الحصول على الجنسية السعودية في 2005، لا يزال طلبها قيد الانتظار.
لا يمكنني مغادرة السعودية، ولا يمكنني حتى التنقل داخل السعودية، إلى مكة. أصعب شيء عندي هو عجزي عن زيارة عائلتي في قطر. أفتقد زيارة لوطني، أفتقد الوكرة، الريان، الكورنيش، البحر. فاتني حفل زفاف ابن أخي والعديد من المناسبات العائلية الأخرى. هناك بعض الأحباء الذين لم أرهم منذ اليوم الذي سُحبت فيه جنسيتي.
الممتلكات
حُرم العديد من أفراد عشيرة الغفران – ممن انتهى بهم المطاف منفيين نتيجة لحرمانهم التعسفي من جنسيتهم – من ممتلكاتهم، بما في ذلك منازلهم في قطر.
قال عبد العزيز (34 عاما) إن عائلته جُردت من جنسيتها في 1996 وأُجبرت على مغادرة قطر في 2002: “في 2005 أو 2006، وبعد مغادرتنا لقطر، أُجبر والدي على بيع المنزل وإلا سيواجه احتمال مصادرة الحكومة له. اتصل مسؤولو وزارة الداخلية بأعمامي في قطر وأخبروهم بذلك”. يعيش عبد العزيز الآن في السعودية.
تعيش كلّ من العائلات الثلاث التي قابلناها في قطر في منازل تبرعت بها جمعيات خيرية أو أقاربهم ممن يحتفظون بجنسيتهم القطرية. أشاروا إلى أنهم يواجهون قيود على شراء العقارات وامتلاكها، وفتح حسابات مصرفية، وحتى شراء شرائح الهاتف الخلوي وخطوط الهاتف والإنترنت. توفر الحكومة القطرية لمواطنيها مساكن مدعومة بشدة فضلاً عن ميزات أخرى.
بعد فترة وجيزة من عودتهم إلى قطر، قالت والدة رامي، التي استعادت جنسيتها قبل بضع سنوات، إنها عادت إلى منزل أسرتها القديم لمعاينته لتكتشف أن السلطات سلمته إلى أسرة أخرى. تعيش أسرة رامي الآن في منزل تبرع به أخوالهم: “لا نريد الاعتماد على الآخرين. نريد أن نكون قادرين على العيش في منزلنا ووطننا بكرامة”.
الحق في الزواج وتأسيس أسرة
يواجه الأفراد عديمو جنسية من عشيرة الغفران صعوبات في الزواج لأسباب اجتماعية وإدارية. إذ يتطلب تسجيل الزواج نسخة من جواز سفر ساري أو تصريح إقامة، وشهادة الميلاد.
قال عمر: “لديّ ابنة حاولت تزويجها لرجل كويتي، لكن رُفض الزواج لأنها لا تحمل وثائق هوية صالحة”.
قالت والدة رامي إنهم حتى لو تمكّنوا من تجاوز المتطلبات البيروقراطية، بدون جنسية، سيبقى أطفالها متضررين: ” كعائلة مؤلفة من 12 شخصا، نعيش بلا دخل ثابت. من سيتزوج من عائلة لا قدرة لديها حتى على جني المال؟”.
تراوحت أعمار 16 شخصا ممن تمت مراجعة حالاتهم بين 18 و35 عاما. لم يكن أحدا منهم متزوجا.
القانون القطري
يسمح قانونا الجنسية في قطر، الأول لعام 1961 (ملغى الآن) والثاني لعام 2005، بسحب الجنسية بقرار أميري دون أي حق في الاستئناف. يحدد كلا القانونين 5 أسباب يمكن على أساسها سحب الجنسية، منها اكتساب جنسية أخرى.
يسمح قانون 2005 الذي وقّعه الأمير في أكتوبر/تشرين الأول 2005- أي بعد عام من بدء السلطات القطرية بسحب جنسية غالبية أعضاء الغفران بحسب تقارير- بإعادة الجنسية بقرار أميري عندما يتجنس شخص بجنسية دول أخرى “إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك”. تنص المادة 7 أيضا على أنه يجوز رد الجنسية لمن “يثبت أنه من أصول قطرية ويشترط لذلك ما يلي: (1) توطنه في قطر مدة 3 سنوات متصلة على الأقل؛ (2) أن يكون له وسيلة مشروعة للرزق تكفي لسد حاجته و(3) أن يكون محمود السيرة، حسن السمعة”.
يشكل ذلك ظروفا غير عادلة بعد القرار التعسفي بإلغاء الجنسية. يميّز قانون قطر لعام 2005 أيضا ضد المواطنين المتجنسين، وينص على أنه “لا يجوز التسوية بين من اكتسب الجنسية القطرية وبين قطري، بالنسبة لحق شغل الوظائف العامة أو العمل عموما، قبل انقضاء خمس سنوات من تاريخ كسبه الجنسية. ولا يكون لمن اكتسب الجنسية القطرية حق الانتخاب أو الترشيح أو التعيين في هيئة تشريعية”. تنص المادة 15 على أنه لا يكون لمن رُدت إليه الجنسية القطرية “حق الترشيح أو التعيين في أي هيئة تشريعية قبل انقضاء 10 سنوات على الأقل من تاريخ رد الجنسية إليه”.
قطر ليست طرفا في “اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1954 بشأن وضع الأشخاص عديمي الجنسية” و “اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1961 بشأن خفض حالات انعدام الجنسية”. ولا تذكر قوانينها المتعلقة بالجنسية شيئا عن إلغاء الجنسية عندما يُترك ذلك الشخص بلا جنسية. ينبغي لقطر المصادقة على كلا الاتفاقيتين.
“القانون الدولي لحقوق الإنسان”
تنص المادة 15 من “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” على أن لكل شخص الحق في جنسية وأنه لا يجوز حرمان أي شخص من هذا الحق تعسفا.
تعترف “اتفاقية حقوق الطفل”، التي صادقت عليها قطر في أبريل/نيسان 1995، بحق الطفل في التسجيل فور ولادته، وفي اكتساب جنسية، “لا سيما حيثما يعتبر الطفل عديم الجنسية” (المادة 7)، وإذا “حرم أي طفل بطريقة غير شرعية” من هويته، فيجب “الإسراع” بإعادة إثبات هويته (المادة 8). تحظر الاتفاقية التمييز (المادة 2)، بما في ذلك في التعليم، وتُلزم البلدان بإتاحة التعليم العالي للجميع وفقا لقدراتها (المادة 28).
كما ينص “العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية” (العهد الدولي)، الذي صادقت عليه قطر في مايو/أيار 2018 على الحق في العمل والصحة والتعليم. جوانب هذه الحقوق محمية أيضا بموجب اتفاقية حقوق الطفل، و”اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة”، و”اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري”.
وتعتبر العديد من هذه الحقوق محمية أيضا في “الميثاق العربي لحقوق الإنسان” المحدث، والذي صادقت عليه قطر في 2013.
كما يحمي “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” الذي صادقت عليه قطر في مايو/أيار 2018، الحق في الزواج وتأسيس أسرة، والحق في عدم التعرض للاحتجاز التعسفي.
تنص المادة 12 من هذا العهد على أنه “لا يجوز حرمان أحدا، تعسفا، من حق الدخول إلى بلده”، وأن “لكل فرد حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده”. في 1999، قررت “اللجنة المعنية بحقوق الإنسان”، وهي الهيئة الأممية المرجعية التي تتولى تفسير العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، أن “نطاق عبارة ’بلده‘ أوسع من مفهوم ’بلد جنسيته‘”، وأنه ينطبق على الأشخاص الذين جُردوا من جنسيتهم، في انتهاك للقانون الدولي.
يضيف التعليق العام رقم 27 للجنة المعنية بحقوق الإنسان أن هذه الأحكام لا تنطبق فقط على المواطنين، بل تشمل الذين تربطهم روابط قوية ببلد معين. كما تحدد أن “الحق في مغادرة بلد ما يجب أن يشمل الحق في الحصول على وثائق السفر اللازمة”.
من المعايير الدولية الأساسية أنه لا يُعاقب على جريمة إلا الأشخاص المسؤولين عنها، وفقا لقوانين واضحة تحدد الجرائم، وبعد محاكمة عادلة لتحديد الذنب الفردي.
الخلفية
في 1996، قال نشطاء وأفراد عشيرة الغفران بأن السلطات القطرية شرعت في تجريد أسر بأكملها تنتمي إلى عشيرة الغفران من جنسيتها دون إجراءات قانونية أو فرصة للطعن. بحسب تقارير إعلامية وتقارير وزارة الخارجية الأمريكية واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، جردت الحكومة في 2004 ما بين 5 آلاف إلى 6 آلاف شخص من جنسيتهم القطرية.
بحسب أحد التقديرات قد يصل هذا العدد إلى 10 آلاف. فقد بعضهم على الفور وظيفته، ولم يعد في إمكان آخرين، مع مرور الوقت، شغل وظائف أو امتلاك عقارات، ولم يتمكنوا هم وعائلاتهم من الحصول على ميزات حكومية. اُعتقل بعضهم ورُحّلوا وألغيت جوازاتهم. أما الآخرون الذين كانوا خارج البلاد فقد مُنعوا من الدخول. لجأ الكثيرون منهم إلى السعودية ودول خليجية أخرى.
في أوائل 2006، غيرت الحكومة طريقة تعاملها وقامت على مدار العامين التاليين بإعادة الجنسية إلى العديد ممن جُردوا من جنسياتهم. قال رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في 5 أغسطس/آب 2008 إن نحو 5,700 شخص استعادوا جنسياتهم مشيراً إلى أنهم يشكلون 95% ممن جردوا من جنسياتهم. يعارض نشطاء من الغفران هذا الادعاء، قائلين إن اللجنة أحصت فقط أولئك الذين ألغيت جنسياتهم في 2004، متجاهلة من ألغيت جنسياتهم في وقت سابق.
في تقاريرها السنوية بين 2008 و2014، ذكرت اللجنة تلقيها 233 شكوى تتعلق بسحب الجنسية واستعادتها. كما ذكرت تلقيها شكاوى مماثلة بين 2015 و2017 من دون تحديد عددها. لم يذكر أي من التقارير عدد الشكاوى التي تم حلها.
في يونيو/حزيران 2017، بعد أن أمرت السعودية والإمارات والبحرين جميع مواطنيها بمغادرة قطر، وطرد جميع المواطنين القطريين من أراضيها، عادت محنة عشيرة آل غفران إلى الظهور بعدما وجدت مجموعة صغيرة من العائلات والأفراد ممن استقروا في السعودية أنفسهم مضطرين إلى المغادرة. في ذلك الوقت، وثقت هيومن رايتس ووتش حالة أحد هؤلاء الأشخاص كان عالقا عند المعبر الحدودي بين السعودية وقطر. سمحت له السلطات القطرية في النهاية بالدخول بعد بضعة أيام.