أياً كانت الجهة التي تقف وراء مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، لو صدقت التكهنات حول مصيره، فإن ما حدث، إن كان فعلاً قد حدث، يعتبر جريمة بشعة تستحق الإدانة ولا توجد أي مبررات لتسويقها.
تقول الشرطة التركية بأن جمال خاشقجي خرج من القنصلية السعودية في عدة حقائب دبلوماسية بعد تعذيبه وقتله ، ومع ذلك، فإن أبسط الأدلة وهي الجثة ما زالت مجرد فرضيات لا يوجد ما يدعمها أو ينفيها، ويبقى واضحاً بأن القصة تجاوزت قضية الصحفي المفقود لتدخل في حيز لعبة الأمم المصغرة في الشرق الأوسط.
ما الذي لا يعجب جمال خاشقجي في السعودية؟ لماذا اتخذ موقفاً معارضاً؟
الهزة العنيفة التي ضربت عميقاً مع التغيير في تقاليد ولاية العهد السعودي غيرت عالماً كاملاً كان خاشقجي لاعباً أساسياً في تفاصيله وقريباً من صناعته، والتغير السريع الذي لا يحفل كثيراً برأي المؤسسة العميقة للمملكة ولاعبيها الرئيسيين في تبرير وتسويق سياساتها مثل خاشقجي أدى استبعاد رأس الحربة من موقعه، كما أن ضربة الريتز كارلتون جعلت رجال العصور السابقة يشعرون بالخطر، ولرجل بذكاء وفطنة خاشقجي كانت الأمور مهيأة لأن يبدل موقعه وتوجهه على أن يبقى في عهده الخاص مع شيطان الشهرة والنفوذ.
الكاتب الشهير كان أحد الأدوات السعودية التي خدمت في إطار الرؤية السعودية وخاضت معارك المملكة لفترة طويلة من الزمن، ولذلك فإن منحه صفة البطولة يعد أمراً متعجلاً وساذجاً، والمرجح بأنه لم يجد له دوراً مناسباً يليق بما يحمله من تصورات عن نفسه وما اعتاد على تسويقه بأنه الرقم الصعب والحصان الرابح في مضمار الصحافة السعودية والممولة من السعودية ومكافآتها الكبيرة.
وجود نظام يؤكد فرضية القتل، وآخر ينفيها، يؤكد أن خاشقجي لم يعد على قيد الحياة، ويبقى المخرج الذي سيتوافق عليه البلدين، السعودية وتركيا، فالأولى لا تمتلك دفاعاً متماسكاً ولا أحد أصلاً يريد الاستماع للدفاع السعودي لأن إعلام الرياض تعرض لخسارات فادحة لا تتعلق بخاشقجي وحده، والثانية تحاول التضليل حول كثير من الثغرات من أجل صناعة أزمة تمتلك زمامها بعد أن فقدت المبادرة مؤخراً، والمحتمل أن تكون التسوية تقتضي تحويل ملف خاشقجي إلى أرشيف الألغاز مع الإمام الصدر والمهدي بن بركة.