– غزة – يبدو أن العادات والتقاليد في المجتمع الفلسطيني المحافظ ،رغم إيجابيتها إلا أن تطبيقها في بعض الأحيان يكون خاطئاً، ففي قطاع غزة وصمة عار أبدية تلاصق أبناء العملاء، فيكونوا منبوذين وليس لهم مكانة في المجتمع، فلا يقبل أحد أن يصاهرهم وفي بعض الأحيان لا يكن لهم زملاء أو أصدقاء، وبذلك يكونوا قد دفعوا ثمن جرم لم يقترفوه، فهل يحق للمجتمع أن يحاسب أحد على غلطة غيره ؟ أم العادات والتقاليد تكون فوق كل شيء؟.
“أبناء العميل” صفة تلازم الأبناء منذ معرفة أن الوالد متخابر مع الاحتلال، فالأذى لم يلحق بالمتخابر فحسب بل أيضا بذويه، إذ يعرض كثير من الناس عن إقامة علاقات عمل أو نسب أو مجاورتهم والتعامل معهم .
وصمة عار
لم يكن يتوقع “م .ر” أبن المتخابر “ع.ر”يوماً أن يصبح “منبوذاً” في مجتمع كان محبوباً فيه، فزملائه في الجامعة وأقرب أصدقائه بعدوا عنه ولم يخالطوه كما كانوا في السابق ،فالذنب الذي اقترفه والده انعكس عليه سلباً رغم محاسبة والده من قبل الحكومة في قطاع غزة؛ إلا أن وصمة العار ما زالت تطارده .
ويقول في حديثه “”: “والألم يكاد يخنقه،كنا نعيش حياة لا مثيل لها ومنا محبوبين من الجميع ،وكان لي أنا وأخوتي أصدقاء وزملاء أين ما نذهب، ولكن بعد اكتشاف أن والدي بتخابر مع الاحتلال في حرب الأيام الثمانية انقلبت حياتنا رأس على عقب، فأصبحنا منبوذين وكأننا نحن المذنبين وليس والدنا” .
ندفع الثمن
يضيف متسائلاً “لماذا الناس يحاسبونا على ذنب لم نقترفه؟ ،فوالدي المذنب وليس نحن فجميع أفراد عائلتي يعانون من هذا الأمر، فإخواني عندما يريدون اللعب مع أبناء الجيران يقولون لا نريد أن نلعب معكم أنتم أبناء “عميل”، فالذنب الذي ارتكبه والدي سندفع ثمنه طوال حياتنا” .
“ح.نً(25عاما)، رحل والدها وهى صغيرة لم تتجاوز الخمس سنوات في فعل لا يحسد عليه، لم يورث لها درهم أو دينار، بل ورثت عنه سمعة سيئة أفقدتها الفرحة التي تتمناها كل فتاة، لأنها في مجتمع غالبه اعتاد توزيع التهم جزافاً، وتحميل الوزر للجميع دون تفكر أو تريث.
تقول لـ”ـ” وعيناها تمتلئان بنظرات حزن وقهر دفين :كل فتاة تحلم بأن تنهي دراستها الجامعية، وتنقل للحياة الزوجية ،فكثير من الشبان تقدموا لخطبتي؛ ولكن عند معرفة أن والدي قتل على خلفية التخابر مع الاحتلال، وكأن أنا التي فعلت ذلك وليس والدي” .
لماذا أدفع الثمن
وتتابع :والدي أخطأ وأخذ عقابه على هذا الخطأ فلماذا أنا أدفع ثمن خطأ غيري؟، فأنا فتاة وأريد أفرح كغيري من الفتيات، مشيرة إلا أنها في بعض الأحيان لا تفصح باسم عائلتها أمام زميلاتها خوفاً من أن عدم مرافقتها بسبب سمعة والدها .
في بعض الأحيان يضطر البعض من ترك المنزل الذي يؤويهم ومغادرته، إلى مكان بعيد هرباً من انتقادات الآخرين لهم كما فعلت “ص.ه”زوجة “م.ه”، والذي قتل في مطلع انتفاضة الحجارة على خلفية التعاون مع الاحتلال الإسرائيلي، فعلى الرغم من قتل زوجها ومحاسبته؛ إلا أن المجتمع أراد يحاسبها هي وأبنائها على ما قام به زوجها .
ذل وإهابة
وتقول: في حديثها لـ””: “منذ بعد أن تم محاسبة زوجي وقتله على ما فعل به اسودت الحياة في وجهي أنا وأبنائي، فلا أحد يزورنا والجيران يمنعون أبنائهم من اللعب مع أبنائي، ولا يسمونا إلا عائلة العميل، أنا سئمت من هذا الوضع وقررت بيع المنزل الذي اقطن به أنا وأبنائي، ونرحل إلى مكان بعيد لا يعرفنا فيه أحد لضمان مستقبل أبنائي الخمسة”.
الظروف أقوى مني
وتستطرد بقولها” أنا كنت لا أرغب في بيع البيت والرحيل ولكن الظروف أقوى مني فإن بقيت فيه ،سنبقى في ذل وإهابة طوال حياتنا ،فكان الحل الأمثل والوحيد هو أن أبعد لشراء الراحة لي ولأبنائي .”
ويقول” الأخصائي الاجتماعي والمحاضر في الجامعة الإسلامية الدكتور “جميل الطهراوي” الوصمة تدفع الأبناء خاصة إذا كانوا في سن الشباب إلى العزلة الاجتماعية عن المجتمع، و حتى إن يفقدوا الثقة بأنفسهم وقدراتهم، ويصيبهم القلق والتوتر النفسي الذي يدفعهم للانتحار، لاسيما إن لم يكن لديهم الوازع الديني وعدم الثقة بالذات” ونوه الطهراوي إلى أن الفتيات هن أكثر ما يواجهن هذا النظرة السيئة، فالمجتمع يرفض الزواج منهن؛ لأن البعض يعتقد أن “عرقهن دساس”، وستبقى مكسورة الجناح وتتعرض للمعايرة إذا تزوجت، مما يؤدي إلى ضعف شخصيتها وعدم قدرتها من الدفاع عن نفسها.
وعن دور التنشئة الاجتماعية في هذه القضية يوضح بأن الأسرة هي المؤسسة الاجتماعية الأولى التي تكون شخصية الطفل، وتحدد ملامحها، فالأب الذي يحسن تربية أبنائه سيجدهم نبتة صالحة عندما يكبرون والعكس، إلا أن ذلك لا يعني أن يخرج ابناً شاذاً عن إخوته مبينا بأن سيدنا نوح كان ابنه كافرا وهذا لا يعيبه في شيء.
حملات توعوية
ويؤكد، على ضرورة العمل على إعادة ذوو العملاء للمجتمع لكي يكون مجتمعا متماسكا مستطرداً بالقول” يجب ألا نسلم بالثقافة المجتمعية، بل علينا بحملات توعوية تبدأ بربط هذه القضية بالدين الذي يحاسب كل إنسان على ما اقترفت يداه وليس على جرم ارتكبه ذويه”
وبين، أن هذه النظرة السلبية يمكن علاجها بتوعية المجتمع بكافة الوسائل من خلال البرامج المتلفزة ووعاظ المساجد وتوعية الشباب في الجامعات بأن هؤلاء الأبناء لا ذنب لهم وعلينا أن نحترمهم ونفتح أمامهم كافة المجالات الاجتماعية.