أقلام مختارة

انهيار الإسلام السياسي الراديكالي

أحمد الحناكي

أحمد الحناكي

 

حيثما تولّت الحركات الاسلامية الراديكالية الحكم، كانت شرعيتهم تقوض باستمرار من خلال أزمة شرعية ناتجة عن عجزهم عن الالتزام بوعودهم بإقامة مجتمع مستقيم وعادل، وفي إيران بالفعل، وفي رسالة مفتوحة في كانون الأول (ديسمبر) 2002 إلى الزعيم علي خامنئي حذر الدكتور قاسم سعدي وهو أكاديمي رائد وسياسي إصلاحي قائلاً: «في أي حدث فإن النتيجة الطبيعية والمنطقية لسلوك مماثل من قبلك ولصورة هزيلة عن النظام الديني والذي بسببه نشأ إحساس بأن نظامكم الديني في إيران قد فشل، هي أن النهاية ستظهر ليس فقط سقوط النظام الديني، بل إقامة نظام علماني في النهاية على شكل جمهورية حقيقية». (إيليت سافيون، المثقفون الإيرانيون في مواجهة خامنئي).

قبل عامين كتبت مقالة هنا في صحيفة «الحياة» عن انحسار الإسلام السياسي، واليوم أكتب عن انهياره، والواقع أن الفرق كبير بين الانحسار والانهيار، وأجزم أنه إنهار؛ فكل الحركات الإسلامية المتطرفة الحالية، سواء «داعش» أم «النصرة» أم غيرها تتحدث باسم الإسلام لكنها لا تمثله، والأدهى والأمر أن معظم المقاتلين ينخرطون لأسباب عدة بدوافع كثيرة أقلها هو الرغبة الحقيقية في الجهاد، مع أن هذا السبب غير كافٍ حتى لو كان هو العامل الرئيس.

على أننا وبعيدا عن التخرصات عن ماهية «داعش» وأخواتها ومن وراءها وتحركاتها المشبوهة، إلا أن المؤشرات تؤكد أن الإسلام الراديكالي يحتضر بعد مرحلة انحسار وضمور، وبقاء بعض البؤر إنما هو نتيجة عمليات تجميل غربية.

وكما نلاحظ فالظهور لهذه الحركات يحدث بشكل مفاجئ وكأنما هي سلسلة منظمة، بحيث كلما تم تحجيم حركة في بلد ما ظهرت في بلد آخر، غير أنها بالمحصلة النهائية لم تنجح في أي بلد حتى الآن ولن تنجح، فما تحمله من أفكار لا يقبلها أي دين أو عصر.

ربما تساءل البعض عما إذا كانت هجمات الـ11 من سبتمبر على أبراج مانهاتن نيويورك التجارية دليلا على قوة الإسلاميين، خاصة أنها موجهة ضد الدولة الأقوى في العالم؟ غني عن القول إن هذا افتراض غير صحيح، فما تم عمله هناك هو أشبه بحرب عصابات (اضرب ثم اهرب). وعموما فكل الحركات الانتحارية تعبر دائما عن ضعف مهما كان تأثيرها.

الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قال يوما في رد على مسائلة عن الحماية الشخصية له بما معناه أن لا ضمان لذلك إذا كان هناك أشخاص مستعدين للتضحية بأنفسهم في سبيل الاضرار مهما كانت قوة الحراسة الشخصية.

صحيح أن هجمات الـ11 من سبتمبر كشفت جانبا ضعيفا في طريقة حماية الطائرات وكذلك الأمن في المطارات، لكنها من جانب آخر جعلت الدول تعدل طرقها ووسائلها احترازا.

اليوم كما نرى؛ فالحركات الإسلامية السياسية تكاد تنحصر في الشرق الأوسط، غير أنها شيئا فشيئا تتعرض لهزائم عسكرية من جهة كما في العراق وسورية والسودان، ومن جهة أخرى تضطر للتعايش وتغيير وتعديل برامجها كما في تركيا ومنظمة «حماس» والمغرب وتونس والباكستان، ناهيك عن مناوشات وحروب عصابات تحدث في أفغانستان أو بوكو حرام.

نستطيع القول الآن إن الأمر موجود بشكل فاضح في ليبيا، حيث تدور معركة شرسة بين الإسلاميين ممثلين بالوفاق وبين الجيش الوطني الذي يتراسه العقيد خليفة حفتر، وبعيدا عن من ينتصر فإن الإسلاميين لن يستطيعوا إدارة البلاد، فأعداؤهم داخلياً وخارجياً أكثر بكثير من الأصدقاء.

سأختتم مقالتي هذه باقتباس من كتاب «نشوء الإسلام السياسي الراديكالي وانهياره» للكاتبين راي تاكيه ونيكولاس غفوسديف، إذ أشارا فيه إلى استنتاج الباحثيْن أوليفيه روي وجيل كيبيل بأنه «فيما يمكن للإسلاميين الراديكاليين جعل مجتمع ما وبصورة أكيدة في حالة من عدم الاستقرار والفوضى ولاسيما باستخدام العنف والارهاب، لا يمكنهم على المدى البعيد التأمل بالفوز وفرض سلطة الدولة بنجاح بهدف بناء مؤسسات سياسية واقتصادية قابلة للحياة ومرتكزة على رؤية إصلاحية غير عملية للإسلام».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق