سمير عطا الله
في الخرطوم (بحري) حارة تسمى كولومبيا، على اسم البلد الأميركي اللاتيني الذي عرف بأكبر فلتان في زراعة المخدرات. وحارة كولومبيا تعج بما يرافق المخدرات من تجارة وإدمان وتعديات ومناخات. تسلم شؤون هذه البقع عادة إلى الخبراء الاجتماعيين والنفسيين والشرطة. وفي بلدان مثل هولندا وسويسرا، تتولى الدولة نفسها توزيع المخدرات على المدمنين لكي تتمكن من علاجهم وضبطهم، والحد من الضرر الذاتي والعام.
هذه طريقة. والطريقة الأخرى تسليم القضية إلى «الجنجاويد»، عندما لا يكون هناك متسع من الوقت لكل هذه الأساليب العقيمة: تفتح الرشاشات على الناس وترميهم في النيل، وعندما تُسأل في الأمر تهز أكتافك قائلاً: هؤلاء ليسوا معارضة مدنية. إنهم كولومبيا. بابلو إسكوبار!
دائماً المشكلة في مثل هذه الحالات، الحافتية، إذا صح التعبير، القيام بخطوة تتجاوز الحافة، لأنها ستعبئ الناس من جديد وتتحول إلى رمز محرك، فيما المطلوب في الساعات الوطنية الفاصلة نقاط التقاء بين فريقي المسألة. والتعجل في هذه الحالات قاتل، مهما بدت المماطلات خطيرة هي أيضاً.
قبل «كولومبيا» كان هناك وضع بالغ التوتر وسريع الانفجار. لكن بعدها أصبح هناك شرخ وعنف وجثث تلقى في النيل وتنتشل. وتحول العسكريون من فريق إلى خصم في الصراع، أو الحوار على السلطة. وانفتح باب الحلول المسيئة، كأن يبدو الجيش مهزوماً بدل أن يكون راعياً للسلامة الوطنية. مائة جثة في النيل رقم هائل ومشين، سواء كان الضحايا من كولومبيا أو من أم درمان.
لم تعد هناك اليوم قضايا محلية. السودان قضية تعني مصر وليبيا وأفريقيا، بقدر ما تعني الخرطوم. وكذلك الصراع في ليبيا، أو الخوف على مصر من قتلة سيناء. ليس في الجزائر كولومبيا ترمى بالرصاص، ثم ترمى في النيل.
لقد أعطى المدنيون في الجزائر وفي السودان مثالاً على احترام الدولة والقانون وتقرير المصير. وعلى العسكريين أن يؤدوا قسطهم في هذه الشراكة. فالقوي هنا ليس الذي يحمله، بل الذي لا يطلقه. ورفض التفاوض ليس حلاً، بل دخول في أزمة أكبر، وتصعيد لا يؤدي إلا إلى المزيد من التصعيد.
وفي كل الحالات مسؤولية المعارضة المدنية تتساوى مع مسؤولية الجيش. ولا يمكن أن تظل البلاد في مثل هذا الشلل، وتتجه نحو المزيد من التفاقم والضياع. فالحل أولاً وأخيراً ليس في كولومبيا.