الحوار الصحفي الأول من نوعه للمشير خليفة حفتر القائد العام للقوات المسلحة الليبية بعد إطلاق عملية “طوفان الكرامة” في الرابع من أبريل الماضي، وضع النقاط على الحروف، ووجه رسائل واضحة للرأي العام الداخلي والخارجي، مفادها أن العملية مستمرة وأن الوضع الميداني ممتاز والموقف الدولي جيّد، وأن هناك خطة تم وضعها لما بعد التحرير النهائي للعاصمة. مقابلة مشتركة مع المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني الليبي بين صحيفتي المرصد والعنوان الليبيتين.
المشير أكد أن الحل لا بد أن يكون عبر المسار السياسي وبمشاركة كل الليبيين، وأن العملية العسكرية تستهدف تصحيح أوضاع أمنية مستعصية عجزت كل السبل السياسية عن معالجتها، من تواجد القيادات الإرهابية ونشاطها في تجنيد خلايا داخل طرابلس، إلى تواجد وانتشار الميليشيات وسيطرتها على أموال الشعب الليبي في مصرف ليبيا المركزي وممارستها للحرابة والخطف والابتزاز، إلى تنامي نشاط الجماعات الإجرامية وعصابات الجريمة المنظمة والمتاجرة بالبشر وتهريب النفط والمحروقات، وحتى جماعات الإسلام السياسي التي عطلت الحياة السياسية وأفسدت مناخها، بل ووصلت بها الأمور إلى تنفيذ أجندات خارجية تتعارض مع مصالح الشعب الليبي تماما.
بهذا الخطاب أعطى المشير تطمينات للفرقاء بأن المرحلة القادمة لن تعرف أي إقصاء إلا للمتورطين في جرائم ضد الشعب الليبي، وهم أمراء الحرب والإرهابيون ولصوص المال والمفسدون في الأرض ومن ثبتت عليهم أعمال تستوجب العقاب، ومن يعمل لفائدة أجندات خارجية، ومن يتآمر ضد الدولة الليبية، ومن الطبيعي أن يكون في مقدمتهم قادة الإخوان والجماعة المقاتلة.
كما وعد المشير بأن تحرير العاصمة سيكون منطلقا لمرحلة جديدة في مسار التسوية بشكل سلس وطبيعي وضمن مرحلة انتقالية واضحة ومنضبطة هذه المرة من حيث المدة والصلاحيات، تمهد لأرضية أمام الوضع المستدام بعدد من الإجراءات منها حل كافة الميليشيات ونزع سلاحها ومنح الضمانات لكل من يتعاون في هذا المجال، وحل كافة الأجسام المنبثقة عن اتفاق الصخيرات الذي انتهت مدته وفشل في إيجاد أي مخرج للأزمة بل خلق أزمات، وطبعاً تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون مهمتها التجهيز لهذه المرحلة الدائمة التي نتحدث عنها.
الحديث عن حل تلك الأجسام يعني بالأساس المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق المنبثقة عنه، وغير المصادق عليها من قبل البرلمان، والمجلس الأعلى للدولة الخاضع للإسلاميين، في حين أن حكومة الوحدة ستكون حكومة متوازنة التمثيل الشعبي والجغرافي، ومزكاة من قبل مجلس النواب، وحاصلة على دعم الفعاليات الاجتماعية ما يساعدها على القيام بالدور المنوط بعهدتها خلال هذه المرحلة، ومن ذلك تشكيل لجنة لصياغة دستور جديد ووضع مشروع قانون للاستفتاء عليه، وكذلك إعادة التوازن لقطاع النفط وعوائده، وحل مشاكل الناس العالقة وتسهيل شؤون حياتهم المعيشية وبالأخص إنهاء أزمة السيولة. وكذلك الشروع في توحيد مؤسسات الدولة وإداراتها بعد سنوات الانقسام والعبث الذي تسببت فيه الأجسام السابقة خلال صراعها غير القانوني على السلطة وانقلابها على تعهداتها وارتهانها للميليشيات منذ ما قبل وبعد عملية فجر ليبيا الإرهابية التي أطلقتها جماعة الإخوان المسلمين، وأدرك العالم أجمع بأنها كانت السبب في انقسام مؤسسات الدولة ووصولها إلى ما وصلت إليه من كوارث.
وقد أكد حفتر أن المرحلة التي ستلي تحرير العاصمة هي مرحلة انتقالية ستديرها حكومة وحدة وطنية تعمل انطلاقا من طرابلس مركز السيادة، وإن لم تتمكن من ذلك لأسباب لوجستية أو أمنية مؤقتة فقد تباشر عملها من أي مدينة أخرى، إلى حين تجهيز طرابلس والانتقال إليها.
أعطى حفتر خارطة طريق واضحة المعالم، ما يؤشر إلى أنه يعد العدة لاقتحام العاصمة خلال أيام قليلة، وأن هذه الخارطة تحظى بالقبول الإقليمي الدولي، وهذا ما تثبته الوقائع، حيث لم يعد خافيا أن هناك شبه إجماع خارجي على أهمية الدور الذي يقوم به الجيش بعد أن دب اليأس في النفوس بسبب عجز المجلس الرئاسي للسراج وحكومته التي تحولت إلى حكومة ميليشياوية غير قادرة لا على الإيفاء بتعهداتها نحو مواطنيها، ولا بوعودها نحو الإقليم والعالم، ولا بالعمل على تطبيق الاتفاقيات التي تمت سابقا مع قيادة الجيش وخاصة في باريس وباليرمو وأبوظبي.
أكد المشير في حواره أن المجلس الرئاسي لم يعد يمتلك أي شرعية، بعد أن انتهت مدة ولايته المفروضة وفق اتفاق الصخيرات دون أي نتائج تذكر، وبعد أن قال القضاء فيه كلمته حيث اعتبره جسما غير دستوري وغير شرعي، وكذلك بعد أن تبين تورطه في التعامل مع الإرهاب، والتآمر ضد مؤسسات الدولة، والتلاعب بمصالح المواطنين والعبث بثروة البلاد، وهذا يعني بالضرورة أن المرحلة القادمة هي مرحلة الخروج من جلباب الصخيرات، ودخول مرحلة الحل الوطني الذي سيتشكل على أساس الخيارات الشعبية، وخاصة من خلال تكوين حكومة وحدة وطنية يتوافق حولها الليبيون، وتخضع للرقابة المباشرة من قبل مجلس النواب، وكذلك من قبل المؤسسة العسكرية التي ستكون مؤتمنة على مرحلة الانتقال السياسي.
وبذلك فإن تحرير طرابلس الذي لن يتأخر كثيرا بعد هذه التصريحات سيطرح الرد الفعلي على مبادرة السراج ومواقفه التي لم تخل من عنجهية خلال الأيام الماضية، وخاصة عندما قال إنه لن يتحاور مع المشير رغم أن الحكم في مثل هذا الظروف يبقى للميدان وللقادر على امتلاك الأرض والحاضنة الشعبية، وبذلك فإن الجيش سيسحب البساط من تحت أقدام الرئاسي وحكومته وميليشياته وإرهابييه، ليقود البلاد نحو الاستقرار والمصالحة الشاملة بما يؤدي إلى الحل السياسي الذي فشل السراج في تحقيقه، وسيكون للقوات المسلحة القدرة على إيجاده وتحويله إلى حقيقة غير قابلة للتشكيك.