غسان شربل
هل حصل الرئيس الأميركي دونالد ترمب من قمة أوساكا على ما كان يخطط له أو يرضيه؟ وهل عاد الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى بلاده مرتاحاً إلى تجنب الحرب التجارية مع أميركا أو إرجائها؟ وهل رجع الرئيس فلاديمير بوتين إلى الكرملين راضياً عن نتائج مشاركته وإطلالته؟ وهل عاد الأمير محمد بن سلمان إلى بلاده مرتاحاً إلى نتائج مشاركته في القمة؟
واضح أن أميركا لا تزال تحتل الموقع الأول في نادي الكبار. التوترات التي تثيرها مفاجآت ترمب لدى خصومه وحلفائه لم تنلْ من موقعها. لا تزال الاقتصاد الأول والآلة العسكرية الأولى. بلبل أسلوب ترمب خطوط التحالف والخصومة بينها وبين دول العالم، لكن هذا الرئيس الذي جاء أصلاً من خارج القاموس التقليدي يجيد معالجة المفاجآت بالمفاجآت والصدمات. وبفعل مرونة متبادلة، تم كبح الانزلاق نحو حرب تجارية مفتوحة، والاتفاق على استئناف المحادثات. وفاجأ سيد البيت الأبيض حلفاءه الأوروبيين، حين اتخذ موقفاً متسامحاً من شركة «هواوي» العملاقة التي كان قبل أسابيع يتحدث عن خطورتها ويدعو إلى مقاطعتها. لهذا يمكن القول إن الرئيس الصيني عاد راضياً هو الآخر. ولم يضع ترمب الفرصة، فقد توّج سباحته في أضواء أوساكا بمفاجأة مدوية، حين أصبح أول رئيس أميركي يمشي، ولو بضع خطوات، على تراب بلاد كيم إيل سونغ.
يمكن القول إن بوتين عاد راضياً هو الآخر. أثبتت الأيام أنه شريك لا بدَّ منه، رغم ضم القرم وزعزعة استقرار أوكرانيا والرد على اقتراب حلف الأطلسي من حدود بلاده برسائل موجعة واختراقات، وبينها التدخل العسكري في سوريا.
ولي العهد السعودي عاد مرتاحاً هو الآخر. ستستضيف الرياض قمة العشرين في السنة المقبلة، ولهذا الحدث معناه بالنسبة إلى حضور السعودية الدولي، وبالنسبة إلى الظروف في منطقة الخليج. كانت لقاءات محمد بن سلمان من العلامات المميزة في القمة. لا يقتصر الأمر على الكلام الدافئ الذي ردَّده ترمب أمام الكاميرات، فقد كانت الحفاوة ظاهرة بالمشارك السعودي من الدولة المضيفة وقادة الدول الكبرى، وبينهم بوتين الذي سيزور السعودية في الخريف المقبل. وبدا واضحاً الارتياح الدولي الواسع لورشة الإصلاح والتحديث التي يقودها الأمير محمد بن سلمان. وكان شينزو آبي بين من حرصوا على تكرار الإشادة بها.
في مواكبة قمة العشرين، يشعر الصحافي بقدر من المهابة لا يحضر لدى متابعته اللقاءات الدولية الأخرى. فهذا الموعد صار أهم بكثير من المهرجان الخطابي الذي تشكله الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث يذهب كثيرون للترويج لسياساتهم، وتذهب الدول الضعيفة لذرف دموعها، وهو أهم بالتأكيد من القمم الجهوية والإقليمية التي تنشغل غالباً بضمان القدرة على تطويع المفردات لتدبيج بيان ختامي أكثر من انشغالها بمعالجة فعلية للأزمات والتوترات، ثم إنها تجمُّعٌ تتقدم فيه هيبة الأرقام على المواهب الخطابية والحروب الكلامية.
لا مبالغة في القول إن قمة العشرين تعني كل فرد من سكان القرية الكونية، سواء أقام في العواصم المكتظة أو الأرياف العطشى إلى التقدم والازدهار. تعنيه لأنَّ هذه القمة معنية بالاستقرار الاقتصادي والمالي، والتبادل التجاري والتنمية المستدامة والازدهار والاستثمار، ثم إنها قاطرة التقدم في عالم لم تعد الثورة فيه حدثاً ينتظر، بل أمراً يومياً تنجبه المختبرات، واضعة الدول والشعوب أمام خيار وحيد، هو اللهاث للتكيف مع عالم تتسارع وتائر التغيير فيه.
صورة المتحلقين حول طاولة قمة العشرين تعطيك انطباعاً بأنهم أعضاء مجلس إدارة العالم، وأن شعوراً بترابط المصائر يتحكم بالنهاية في قراراتهم، مهما اشتدت رياح التنافس، وضاعف تضارب السياسات من وطأتها. ففي هذا الكوكب المعولم، لا تستطيع الابتهاج لأن اقتصاداً كبيراً منافساً يغرق، لأنك مضطر إلى المشاركة في دفع فواتير الغرق. ولعل هذا الشعور هو ما يرغم الأطراف المتنافسة على تبريد مفرداتها، والبحث عن تسويات في منتصف الطريق أو أقرب النقاط إليه. تلقي الخلافات السياسية بثقلها لدى مناقشة الملفات، لكن الخوف من العودة إلى الأزمات المالية الحادة والانهيارات الاقتصادية يلجم لغة المواجهة، ويقدم لغة الصفقة أو التسوية.
تكفي نظرة إلى المجتمعين في القاعة. بلدانهم تمثل نحو ثلثي سكان الكوكب، والنسبة نفسها من التجارة العالمية. في بلدانهم أقوى الاقتصادات، وأكبر الترسانات، وأكثر المختبرات تطوراً، وأفضل نظم التعليم، ولعل الأهم على الإطلاق أن بينهم من يقود هذه الثورة التكنولوجية الهائلة، وهذا التحول الرقمي المذهل. لهذا، لا يبدو غريباً إطلاق وصف نادي الأقوياء على هذه القمم الدورية المعنية أصلاً باستمرار النمو الاقتصادي، واستقطاب المزيد من الدول إلى قطار التقدم المتجه نحو المستقبل.
في أوساكا، لازمني شعور بأن القمة التي تعقد في اليابان أكثر أهمية من سابقتها التي عقدت في الأرجنتين العام الماضي. والأسباب كثيرة؛ إنها قمة تعقد في هذا العمق الآسيوي الذي يتكاثر الحديث عن أنه سيكون قريباً قلب العالم ومحرك تقدمه، مع كل ما يمكن أن يعنيه ذلك على الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فانتقال الثقل الاقتصادي إلى هذا الجزء من العالم يشكل تغييراً كبيراً في ملامح العالم الوافد من الحرب العالمية الثانية، وكذلك من ركام الاتحاد السوفياتي. ثم إن القمة عقدت في وقت لاحت فيه نذر حرب تجارية بين أميركا والصين، وهي حرب يهدد اندلاعها بإمكان إطلاق حرب باردة جديدة على مستوى العالم، خصوصاً بعدما حرص فلاديمير بوتين على بلورة محور روسي – صيني بات يمكن تلمسه من الأزمات الإقليمية وصولاً إلى طاولة مجلس الأمن. ويذهب خبراء إلى القول إن الصين ستكون بالنسبة إلى الولايات المتحدة الاتحاد السوفياتي الجديد، مع فارق هائل يتمثل بأنها قاطرة هائلة، سكانياً واقتصادياً.
سرقت أوساكا الأضواء من كل المدن حين انعقد مجلس إدارة العالم على أرضها. أدار آبي الاجتماع ببراعة واضحة، خصوصاً حين أعطى الأولوية لإنعاش الحوار الأميركي – الصيني. نالت أوساكا حصتها وفرصتها. والآن، على الرياض أن تستعدَّ لموعدها الكبير.
واضح أن أميركا لا تزال تحتل الموقع الأول في نادي الكبار. التوترات التي تثيرها مفاجآت ترمب لدى خصومه وحلفائه لم تنلْ من موقعها. لا تزال الاقتصاد الأول والآلة العسكرية الأولى. بلبل أسلوب ترمب خطوط التحالف والخصومة بينها وبين دول العالم، لكن هذا الرئيس الذي جاء أصلاً من خارج القاموس التقليدي يجيد معالجة المفاجآت بالمفاجآت والصدمات. وبفعل مرونة متبادلة، تم كبح الانزلاق نحو حرب تجارية مفتوحة، والاتفاق على استئناف المحادثات. وفاجأ سيد البيت الأبيض حلفاءه الأوروبيين، حين اتخذ موقفاً متسامحاً من شركة «هواوي» العملاقة التي كان قبل أسابيع يتحدث عن خطورتها ويدعو إلى مقاطعتها. لهذا يمكن القول إن الرئيس الصيني عاد راضياً هو الآخر. ولم يضع ترمب الفرصة، فقد توّج سباحته في أضواء أوساكا بمفاجأة مدوية، حين أصبح أول رئيس أميركي يمشي، ولو بضع خطوات، على تراب بلاد كيم إيل سونغ.
يمكن القول إن بوتين عاد راضياً هو الآخر. أثبتت الأيام أنه شريك لا بدَّ منه، رغم ضم القرم وزعزعة استقرار أوكرانيا والرد على اقتراب حلف الأطلسي من حدود بلاده برسائل موجعة واختراقات، وبينها التدخل العسكري في سوريا.
ولي العهد السعودي عاد مرتاحاً هو الآخر. ستستضيف الرياض قمة العشرين في السنة المقبلة، ولهذا الحدث معناه بالنسبة إلى حضور السعودية الدولي، وبالنسبة إلى الظروف في منطقة الخليج. كانت لقاءات محمد بن سلمان من العلامات المميزة في القمة. لا يقتصر الأمر على الكلام الدافئ الذي ردَّده ترمب أمام الكاميرات، فقد كانت الحفاوة ظاهرة بالمشارك السعودي من الدولة المضيفة وقادة الدول الكبرى، وبينهم بوتين الذي سيزور السعودية في الخريف المقبل. وبدا واضحاً الارتياح الدولي الواسع لورشة الإصلاح والتحديث التي يقودها الأمير محمد بن سلمان. وكان شينزو آبي بين من حرصوا على تكرار الإشادة بها.
في مواكبة قمة العشرين، يشعر الصحافي بقدر من المهابة لا يحضر لدى متابعته اللقاءات الدولية الأخرى. فهذا الموعد صار أهم بكثير من المهرجان الخطابي الذي تشكله الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث يذهب كثيرون للترويج لسياساتهم، وتذهب الدول الضعيفة لذرف دموعها، وهو أهم بالتأكيد من القمم الجهوية والإقليمية التي تنشغل غالباً بضمان القدرة على تطويع المفردات لتدبيج بيان ختامي أكثر من انشغالها بمعالجة فعلية للأزمات والتوترات، ثم إنها تجمُّعٌ تتقدم فيه هيبة الأرقام على المواهب الخطابية والحروب الكلامية.
لا مبالغة في القول إن قمة العشرين تعني كل فرد من سكان القرية الكونية، سواء أقام في العواصم المكتظة أو الأرياف العطشى إلى التقدم والازدهار. تعنيه لأنَّ هذه القمة معنية بالاستقرار الاقتصادي والمالي، والتبادل التجاري والتنمية المستدامة والازدهار والاستثمار، ثم إنها قاطرة التقدم في عالم لم تعد الثورة فيه حدثاً ينتظر، بل أمراً يومياً تنجبه المختبرات، واضعة الدول والشعوب أمام خيار وحيد، هو اللهاث للتكيف مع عالم تتسارع وتائر التغيير فيه.
صورة المتحلقين حول طاولة قمة العشرين تعطيك انطباعاً بأنهم أعضاء مجلس إدارة العالم، وأن شعوراً بترابط المصائر يتحكم بالنهاية في قراراتهم، مهما اشتدت رياح التنافس، وضاعف تضارب السياسات من وطأتها. ففي هذا الكوكب المعولم، لا تستطيع الابتهاج لأن اقتصاداً كبيراً منافساً يغرق، لأنك مضطر إلى المشاركة في دفع فواتير الغرق. ولعل هذا الشعور هو ما يرغم الأطراف المتنافسة على تبريد مفرداتها، والبحث عن تسويات في منتصف الطريق أو أقرب النقاط إليه. تلقي الخلافات السياسية بثقلها لدى مناقشة الملفات، لكن الخوف من العودة إلى الأزمات المالية الحادة والانهيارات الاقتصادية يلجم لغة المواجهة، ويقدم لغة الصفقة أو التسوية.
تكفي نظرة إلى المجتمعين في القاعة. بلدانهم تمثل نحو ثلثي سكان الكوكب، والنسبة نفسها من التجارة العالمية. في بلدانهم أقوى الاقتصادات، وأكبر الترسانات، وأكثر المختبرات تطوراً، وأفضل نظم التعليم، ولعل الأهم على الإطلاق أن بينهم من يقود هذه الثورة التكنولوجية الهائلة، وهذا التحول الرقمي المذهل. لهذا، لا يبدو غريباً إطلاق وصف نادي الأقوياء على هذه القمم الدورية المعنية أصلاً باستمرار النمو الاقتصادي، واستقطاب المزيد من الدول إلى قطار التقدم المتجه نحو المستقبل.
في أوساكا، لازمني شعور بأن القمة التي تعقد في اليابان أكثر أهمية من سابقتها التي عقدت في الأرجنتين العام الماضي. والأسباب كثيرة؛ إنها قمة تعقد في هذا العمق الآسيوي الذي يتكاثر الحديث عن أنه سيكون قريباً قلب العالم ومحرك تقدمه، مع كل ما يمكن أن يعنيه ذلك على الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فانتقال الثقل الاقتصادي إلى هذا الجزء من العالم يشكل تغييراً كبيراً في ملامح العالم الوافد من الحرب العالمية الثانية، وكذلك من ركام الاتحاد السوفياتي. ثم إن القمة عقدت في وقت لاحت فيه نذر حرب تجارية بين أميركا والصين، وهي حرب يهدد اندلاعها بإمكان إطلاق حرب باردة جديدة على مستوى العالم، خصوصاً بعدما حرص فلاديمير بوتين على بلورة محور روسي – صيني بات يمكن تلمسه من الأزمات الإقليمية وصولاً إلى طاولة مجلس الأمن. ويذهب خبراء إلى القول إن الصين ستكون بالنسبة إلى الولايات المتحدة الاتحاد السوفياتي الجديد، مع فارق هائل يتمثل بأنها قاطرة هائلة، سكانياً واقتصادياً.
سرقت أوساكا الأضواء من كل المدن حين انعقد مجلس إدارة العالم على أرضها. أدار آبي الاجتماع ببراعة واضحة، خصوصاً حين أعطى الأولوية لإنعاش الحوار الأميركي – الصيني. نالت أوساكا حصتها وفرصتها. والآن، على الرياض أن تستعدَّ لموعدها الكبير.