عندما تتشابك المصالح الدولية والإقليمية في منطقة ما بالعالم وتتعارض وتتناقض مع بعضها، وعندما تتجه المصالح الدولية باتجاه أحادي الجانب، يستند على کسب وتحقيق منافع وأهداف خاصة، فإن اتفاقا حاسما وحازما في هكذا منطقة يصبح أمرا غير ممکن، وهذا ما يحدث في اليمن الذي يسحقه قبل عدم الحزم من جانب المجتمع الدولي، الفقر والجهل والمرض والاختلافات السياسية الحادة.
الدور الإيراني المشبوه رکب موجة “الربيع العربي” لإيجاد موطئ قدم في المنطقة العربية لتقسيمها وإضعافها
المشكلة اليمنية التي تتجه منذ عام 2011 من سيء إلى أسوأ، مع مرور أحداث وتطورات غير عادية وصلت إلى حد احتلال العاصمة صنعاء والخروج على الشرعية واغتيال الرئيس اليمني السابق وشريك الحوثيين لأعوام، علي عبدالله صالح، حيث فشلت ثلاثة اتفاقيات سلام لحسم الأمور والأوضاع فيها ولايمکن أبدا تجاهل الدور الإيراني المشبوه فيه، إذ أن هذا الدور الذي حاول رکوب موجة ماسمي حينه بالربيع العربي، تمکن فعلا من أن يجد له موطئ قدم أصبح فيما بعد يشکل أکبر حجر عثرة، بل وحتى عملية تهديد صريحة للأمن القومي العربي وشق وحدة صف الدول العربية ووحدة کلمتها.
فشل اتفاقيات السلام في اليمن أسبابه أياد إيرانية
إن اليمن وبعد فشل وإخفاق ثلاثة اتفاقيات سلام فيها، ووصول الحال إلى منعطف اللاحرب واللاسلم، فإن البلاد أصبحت أشبه بمطحنة يسحق فيها الحوثيون المرتزقة أبناء الشعب اليمني دون رحمة وتحت أنظار المجتمع الدولي الذي يبدو أنه ينظر إلى”مصالحه الضيقة” أکثر مما ينظر إلى مايواجهه الشعب الإيراني من أوضاع بالغة الوخامة، وإن إلقاء نظرة فاحصة على اتفاقيات السلام التي تم عقدها بخصوص الأوضاع في اليمن يٶکد بأن هناك أياد كانت تعبث من خلفها، مع ملاحظة أن اليد الطولى في العبث والتلاعب وإدامة حالة الفوضى وعدم الأمن والاستقرار، کانت ولازالت اليد الإيرانية بإمتياز.
الحوثيون انقلبوا على الشرعية إذعانا لأجندة إيران على حساب اليمن
إن المبادرة الخليجية التي کانت أول مسعى مخلص وحريص من أجل إيجاد حل مشرف للأزمة اليمنية التي نجمت عن اتفاق تنحي صالح وانتخابات الرئاسة في 23 نوفمبر2011، في السعودية، کان يمکن أن يکون اتفاقا إيجابيا مفيدا ومثمرا ويقطع الطريق أمام المآسي والمصائب التي حدثت فيما بعد لو کفت الأيادي المرتزقة والمشبوهة من العبث والتلاعب بالأمور وجعلها تسير في اتجاهات وسياقات تختلف اختلافا جذريا عن تلك التي رسمتها لها المبادرة الخليجية المخلصة ومن المهم جدا هنا لفت الأنظار إلى الدور السلبي الذي لعبه الحوثيون خصوصا بعد أن رفعوا من درجة ووتيرة تعاونهم وتنسيقهم مع إيران واستسلموا لها ولأطماعها وغاياتها وأهدافها المشبوهة، ولاغرو من أن اتفاق السلم والشراكة الوطنية برعاية الأمم المتحدة والذي قضى بتشكيل حكومة جديدة بقيادة خالد بحاح خلفا لما سمي بحكومة الوفاق الوطني، في 21 سبتمبر2014، لم يتمکن هو الآخر من الصمود والبقاء طويلا لأن التطور النوعي الذي شهدته العلاقات”الحميمة جدا”بين إيران والحوثيين، قد وصلت إلى درجة سيطر فيها الحوثيون على العاصمة صنعاء بعد انقلابهم المفضوح على الشرعية في البلاد، لاسيما بعد أن صار واضحا من أن حکومة خالد بحاح الضعيفة لم تکن سوى واجهة استخدمها الحوثيون وشريكهم الرئيس السابق المغدور به علي عبدالله صالح من أجل إكمال عملية استيلائهم على السلطة التي بدؤوها في عام 2011 وأکملوها في ظلال اتفاقية السلام الأممية وتحت أنظار الامم المتحدة والمجتمع الدولي وبشكل خاص الدول الراعية للاتفاق.
إبقاء الأزمة اليمنية على حالها مصلحة لبعض الأطراف الغربية لابتزاز الإمارات والسعودية
استمر تدهور الأوضاع في اليمن بعد استيلاء الحوثيين على صنعاء والشروع في عملية”عاصفة الحزم”، التي کان بإمکانها أيضا أن تحسم الأمور لصالح الشرعية، لو تم ضمان وضع حد للدور السلبي ليس لإيران فقط وإنما لتلك الأطراف الدولية التي سعت من أجل فرض حالة قلقة وحرجة؛ اللاحرب واللاسلم وفي نفس الوقت اللاحل الدبلوماسي، وهي حالة لايمکن أن تقود إلى نتيجة مثمرة ومفيدة، خصوصا مع توضح مساعي بعض الدول الغربية من أجل ابتزازها المالي المتواصل للسعودية والإمارات، ترى في إشاعة هكذا أجواء مناسبة وملائمة لها.
في ظل النوايا الدولية السلبية من الأزمة اليمنية. الإمارات والسعودية نحو خطوة الانسحاب التدريجي من اليمن
جاء اتفاق السويد الأخير الذي کان بمثابة اتفاق على عقد هدنة في محافظة الحديدة اليمنية، في إطار الجهود السياسية والإنسانية لمحاولة حل الأزمة اليمنية، حيث عقد الاتفاق في ستوكهولم، السويد، تحت رعاية الأمم المتحدة في 13 ديسمبر 2018، لكن هو الآخر لم يأت بأي جديد، خاصة أنه لم يوضع له ألية تنفيذ عملية، إضافة إلى بقاء النوايا الدولية السلبية على حالها، وإن هکذا نوايا دولية سلبية متزامنة مع استمرار المخطط الإيراني المشبوه في اليمن، فإن قرار دولة الإمارات العربية المتحدة بالانسحاب التدريجي من اليمن ولعله أيضا سيليه قرار سعودي بنفس الاتجاه، يمکن اعتباره قرارا في الاتجاه الصحيح لأنه يتصدى للمساعي الدولية والإقليمية المشبوهة من أجل فرض حالة اللاحرب واللاسلم وعدم السماح بأي حل دبلوماسي مناسب، خصوصا أننا نجد من المناسب جدا هنا الإشارة إلى أن اتفاقيتي السلام الأخيرتين، لم تقوما بفرض خارطة طريق وآلية عملية من أجل ضمان التنفيذ کما حدث مع الحالة العراقية، وهو ما يدل على أن هناك نوايا غير سليمة تجاه الملف اليمني.
إننا وفي ضوء ما قد سردناه آنفا، نرى بأن الانسحاب التدريجي لقوى التحالف من اليمن، هو الخيار المناسب والمفيد بعد أن توضحت الصورة تماما، وتبعا لذلك جعل المجتمع الدولي يتحمل كامل مسؤوليته إزاء الأوضاع المأساوية في اليمن.
*الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان