طوني فرنسيس
أقل من شهر ونصف الشهر، استغرقتها الجولات المكوكية للمسؤول الأميركي ديفيد ساترفيلد بين لبنان وإسرائيل، كانت كافية لبلورة النتائج التي يمكن أن تصل إليها الوساطة الأميركية في شأن الخلاف بين الجانبين على ترسيم الحدود البحرية والبرية بينهما.
انطلقت هذه الوساطة في أيار (مايو) الماضي، بناء على طلب وجهه رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، بالتنسيق مع رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة سعد الحريري، إلى الادارة الأميركية، للتدخل في الخلاف بين البلدين وإيجاد المخارج الملائمة بما يضمن حقوق لبنان في التنقيب عن النفط والغاز ضمن المنطقة الجنوبية، التي تدعي إسرائيل أن من حقها التنقيب فيها أيضا. وكلفت واشنطن ساترفيلد العارف بشؤون المنطقة مهمة التواصل بين الطرفين، فقام بعدة رحلات بين لبنان وإسرائيل ناقلاً رؤيتهما لشكل المفاوضات بينهما ومضمونهما وأهدافها النهائية.
خلال أسابيع، ساد تفاؤل في بيروت بإمكان التوصل الى اتفاق واكبه تفاؤل مماثل في إسرائيل، عبر عنه وزير الطاقة يوفال شتاينتز قائلا: إن “مثل هذه المحادثات مع الجانب اللبناني، يمكن أن تحقق مصالح البلدين في تطوير احتياطات الغاز الطبيعي والنفط من خلال الاتفاق على الحدود”. إلا أن هذا التفاؤل بدا مستغرباً في جانب منه، خصوصاً في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة. ففيما يشتد التوتر بين أميركا وإيران وتدخل فيه إسرائيل طرفاً فاعلاً إلى جانب الأميركيين، لم يكن مفهوماً انخراط لبنان الذي يتحكم “حزب الله” بقراره، في مفاوضات يرعاها “الشيطان الأكبر” مع دولة “الاغتصاب” التي يهددها قادة طهران بالفناء خلال نصف ساعة. ففي مقاييس الصراع، يجب توقع العكس تماماً، إذ تسعى طهران، وهو ما تفعله في اليمن والعراق وأماكن أخرى، إلى حشد أنصارها وأتباعها في جبهة واحدة، وزجهم في معارك إزعاجاً لخصومها. وفي السياق، تعتبر إيران أن لبنان هو إحدى ساحاتها، وهي بنت فيه قاعدة جاهزة للاستعمال، ولم يخف “حزب الله” على لسان قادته جهوزيته للدفاع عن ولي أمره عند وصول الإشارة.
لذلك، كان التفاؤل بإمكان تتويج حركة ساترفيلد بنتائج مفيدة للبنان ضرباً من ضروب الخيال، واقتصر الأمر حتى الآن على ما يشبه اللعب وجس النبض في الوقت الضائع، عبر فيه كل طرف عما يجول في خاطره من دون تغيير في أساسيات المواقف المعروفة. فمقابل الاستعداد الإسرائيلي المعلن للبحث في تحديد الحدود البحرية، وهذا مطلب لبناني مباشر يساعد في إطلاق حركة التنقيب ويحرر الشركات العالمية من مخاوف التوتر الإقليمي، اشترط الجانب اللبناني ترسيم الحدود البرية، ما يعني ضمناً الاعتراف الاسرائيلي بلبنانية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. وليس واضحاً ما إذا كان هذا الاشتراط ضرورياً، خصوصاً أن الحدود اللبنانية البرية معروفة ومعترف بها منذ عشرينات القرن الماضي، ومسألة مزارع شبعا لها خصوصيتها التي نشأت بعد حرب العام 1967 واحتلال الجولان، وتتطلب كما هو معروف اعترافاً سورياً بلبنانيتها.
ربما يكون إيصال مشروع التفاوض اللبناني – الإسرائيلي إلى هذه النقطة، الهدف من صمت الايرانيين وأصدقائهم على الوساطة الأميركية. لكن ذلك لا يلغي الحاجة الى تأكيد لبنان حقوقه البحرية، في ما هو يراهن كثيرا على غازه ونفطه.