أحمد الحناكي
في الـخامس عشر من كانون الأول (ديسمبر) 2017، اتصل المذيع الأميركي في قناة “سي إن إن” جيك تابر بديك كروكت الناطق باسم المرشح “الجمهوري” عن ولاية ألاباما لانتخابات الكونغرس روي مور وسأله عن سبب مطالبة رئيسه بـ “منع المسلمين من الترشّح للكونغرس؟”، فأجابه كروكت بكل ثقة “أن ذلك بسبب القسم على الإنجيل، وبالتالي كموقف أخلاقي لا يفترض بالمسلم أن يحلف إلا على القرآن”.
الإجابة أعلاه توضح نقاطاً عدة، منها: فقدان المهنية والذكاء السياسي، ما جعل كروكت يجيب بكل ثقة، بينما كان لا يعرف الإجابة. وما يثير السخرية أكثر، ما قاله له المذيع: “تستطيع أن تحلف وفقاً لديانتك ألم تكن تعلم ذلك؟!”، أجاب كروكت بعد أن تلعثم وصمت لثوان وقد عقد لسانه من الصدمة والدهشة قائلاً: “أنا حلفت من قبل ثلاث مرات على الإنجيل”، فأجابه المذيع ولسان حاله يضحك عليه: “أنا متأكد من ذلك، لكن بإمكان المسلم أو اليهودي أن يحلفا على كتبهما المقدسة”، سكت كروكت مرة أخرى ثم قال: إن “الرئيس ترامب أقسم على الإنجيل عند انتخابه”، فرد المذيع فوراً: “نعم، لأن ترامب مسيحي”، ثم ودع الناطق باسم المرشح ليتركه مذهولاً.
المثير أنه بعد البحث اكتشفت أن العضو المنتخب في الكونغرس، يستطيع أن يقسم على أي كتاب، حتى لو كان غير ديني، بما يعني أن كروكت جاهل بامتياز، وللعلم، فشل المرشح “الجمهوري” (مور) ضد منافسه “الديموقراطي” دوغ جونز الذي كسب الانتخابات عن ولاية ألاباما في انتخابات الكونغرس.
لدينا مثل شعبي خليجي يقول: “يا من شرا له من حلاله علّة”، وبظني أن لسان حال السيناتور الأميركي كان يتمتم بهذا المثل عندما سمع دفاع الناطق باسمه الذي “زاد الطين بلة”، أو لعلنا لا نذهب بعيداً، فربما يليق الإثنان ببعضهما البعض، فمن الملاحظ أن “الجمهوريين” أقل ثقافة ومنطقاً ووعياً من “الديموقراطيين”.
وبتصوري أن تصرف السيناتور عكس في الأساس موقفاً حاداً من المسلمين، ما يعكس سلوكاً ينافي الديموقراطية في بلد تعتبر الديموقراطية مصدر فخر واعتزاز.
عموماً، اكتشفت بعد الإجابة أعلاه أن المسلمين الأميركيين يقسمون بعد انتخابهم على القرآن، إذ إن هناك نسخة وحيدة منه موجودة في مكتبة الكونغرس تسمى “مصحف جيفرسون”.
ووفقاً لما تقول الأكاديمية الأميركية أستاذة التاريخ والدراسات الشرق أوسطية في “جامعة تكساس” دينيس سبيلبيرغ في كتابها الذي يحمل عنوان: “قرآن توماس جيفرسون… الإسلام والآباء المؤسسون”، قبل أن يكون الرجل (جيفرسون) الرئيس الثالث للولايات المتحدة (1743 – 1826) كان أحد المفكرين السياسيين في العصر المبكر للجمهورية الأميركية، والمؤلف الرئيس لإعلان الاستقلال ومؤسس “الحزب الجمهوري الديموقراطي”، كما أنه واضع القوانين التي تحمي الحريات الدينية في الولايات المتحدة والتي طبقت بدءاً من العام 1786، لكن ما علاقة الرجل بالإسلام والمسلمين؟
تحدثنا المؤلفة أنه في عام 1776 كتب جيفرسون عن حق الوثنيين والمسلمين واليهود في حرية العبادة. وبسبب آرائه في شأن الحرية الدينية والمساواة السياسية، كان يُهاجم بصورة متكررة، وفي أحيان كثيرة اتُهم بأنه مسلم، وفي ذلك كان يتكرر إلى حد كبير ما جرى مع الفيلسوف الإنكليزي جون لوك صاحب الكتاب الأشهر “رسالة في التسامح”، والذي كان يدعو إلى قبول اليهود والمسلمين في أوروبا خلال القرن السابع عشر.
حصل جيفرسون على نسخته من القرآن الكريم في عام 1765، كان حينها في الثانية والعشرين من عمره، وقد اشتراها أثناء دراسته القانون في “جامعة ويليامسبيرغ”، ووثقت صحيفة محلية شراء جيفرسون مجلدين لترجمة معاني القرآن الكريم أعدها الإنكليزي جورج سال، كانت الطبعة الأولى لترجمة سال نشرت في عام 1734، وهي أول نسخة تترجم مباشرة من العربية إلى الإنكليزية. وتضمنت النسخة فصلاً تمهيدياً من مئتي صفحة، يشمل نظرة عامة على العقيدة والشعائر والتشريعات الإسلامية (أميل أمين – جريدة “الحياة”).
@abofares1