زياد الدريس
وضع أحد الغربيين تغريدة في تويتر تحوي صورة (شطّاف الماء) الذي يُستخدم بجانب المرحاض (أجلّكم الله)، وكتب فوق الصورة: أعزائي العرب شكراً لكم على هذا، لقد غيّر حياتي إلى الأفضل.
التغريدة حظيت بإعادة تدوير وتفاعل كبير، والبعض وضع صورة (إبريق الماء) الشهير في موروثنا العربي بوصفه أحد البدائل في حال عدم توفر الشطاف. وكانت فرصة للبعض للحديث عن معاناته، عند سياحته في الدول الغربية أو إقامته فيها للدراسة أو العمل، من غياب مفهوم استعمال الماء بعد استخدام الحمام. النقاش بالطبع لا يرتكز على نوع الوسيلة أيّاً كانت، بل على مبدأ استخدام الماء في التطهّر بدلاً من الاكتفاء باستخدام مناديل التواليت، التي لا تستطيع ثقافتنا الاجتماعية إمكان تصوّر حدوثه من لدن إنسان عاقل!
ولو كان الذين يحرصون على النظافة بالماء هم الأوروبيون الذين لا شح لديهم في المياه، وليس العكس، لفهمنا ذلك سلوكاً طبيعياً نتاج البيئة المحيطة. لكن المفارقة، أن الاهتمام باستخدام الماء في التطهر يأتي من جهة سكان البلدان الشحيحة بالموارد المائية، بينما يتقاعس عن النظافة المائية سكان البلدان موفورة المياه، وهذا دليل تأكيدي مضاعف على الفارق بين السلوكين الاجتماعيين، وأنه ليس نتاج بيئة طبيعية بل نتاج ثقافة مرجعية.
لم تكن الطهارة أمراً ثانوياً في الإسلام، فقد اكتظت مصادر الشريعة الإسلامية بالعديد من الأحاديث النبوية التي تحمل توجيهات تفصيلية دقيقة من النبي محمد صلى الله عليه وسلم لآداب التطهر بعد قضاء الحاجة.
ويمكن تلمّس جذور وجود هذه الثقافة أو غيابها في المقارنة بين الشواهد التاريخية الباقية بين الحضارتين العربية/ الإسلامية والأوروبية، فقصر فرساي (موئل ملوك فرنسا الفاخر) سيلحظ من يزوره الآن عدم وجود حمام واحد فيه من بين عشرات الغرف والصوالين المترامية فيه، ويمكن مقارنة ذلك بقصور ملوك الأندلس أو قصور الممالك العربية المتفرقة بين القرون المنصرمة.
تعرضت فنادق المدن الغربية إلى موجتين من التغيير، ارتبطت بالزحف العربي إليها منذ اندلاع طفرة النفط في السبعينات؛ الأولى هي إدخال أجهزة التبريد (التكييف) في الغرف بعد ازدياد معدلات درجة الحرارة هناك، وهذا طبعاً ليس بسبب مجيء العرب، كما قد يظن بعض اليمينيين المتطرفين(!) ولكن بسبب التحولات المناخية، ما حدا بالفنادق الصغيرة إلى وضع لافتة على الباب الخارجي تقول: (يوجد لدينا تكييف) بهدف منافسة الفنادق الكبرى المجهزة. والتغيّر الثاني هو بدء انتشار أنابيب الماء (الشطافات) في حمامات الفنادق، وهذا التغيّر يُحسب للسياح العرب والمسلمين الذين تزايدت طلباتهم لها وليس بسبب تغيّرات مناخية أو أخلاقية في الغرب. وقد نشهد قريباً لافتات على واجهات الفنادق الغربية تقول: (يوجد لدينا شطّاف)، يقولونها الآن على سبيل التسويق، ثم يأتي وقت يكتشفون منافع الوضوء بالماء، لا بالمناديل، فيُقبلون على اقتنائها في بيوتهم، ويشكرون العرب على نشر هذه الثقافة، كما فعل المغرد الأمريكي أعلاه.
أكتب عن هذه الفضيلة العربية، الآخذة بالانتشار عالمياً، ليس تشجيعاً لأبنائنا الذين يزدرون الغرب ويرمونه بكل الموبقات، ولكن إنقاذاً لأبنائنا الذين يجلدون أنفسهم ولا يرون فينا شيئاً واحداً أفضل من غيرنا.
@ziadaldrees
* كاتب سعودي.