أحمد الحناكي
وصفت صحيفة “إندبندنت عربية” ما صدر من قرارات في المملكة العربية السعودية تسعى للنهوض بمكانة المرأة السعودية بأنه أشبه بما حدث لسور برلين من حيث الأهمية. ولمن لا يعرف الحكاية، كان السور المذكور يفصل بين ألمانيا الغربية التي كانت تنتمي إلى “الحلف الأطلسي” بقيادة أميركا، فيما انتمت نظيرتها الشرقية إلى “حلف وارسو” بقيادة الاتحاد السوفياتي (قبل أن يتفتت ويتجزأ).
مذ تولى ميخائيل غورباتشوف رئاسة الاتحاد السوفياتي في عام 1985، سعى بشكل دؤوب إلى تطبيق إصلاحات كبيرة في الاتحاد الذي كان مترهلاً ومليئا بكبار السن من المسؤولين المتنفذين. وأطلق على حركته هذه تسمية الـ “بيروسترويكا”، وفعلاً نجح إلى حد كبير، لكن ترتب على ذلك تضحية كبيرة تاريخية هي أن ذلك الكيان الكبير انفرط كحبات الـ “دومينو”، لتبقى روسيا وهي العمود الفقري والأكثر قوة وثراء ومساحة، بينما كل ما يحيط بها تحول إلى دولٍ مستقلة، بعضها أقرب انتماء إلى الغرب منه إلى الروس.
ما جرى السوفيات، أعطى إشارة إلى الحلفاء في “حلف وارسو” فأصبحوا شيئاً فشيئاً يتمردون على الحلف العتيد، في وقت كان الأخ الأكبر مشغولاً حتى النخاع بمشاكله الداخلية. هنا، سنحت فرصة كبيرة للألمان الذين تم تقسيم بلادهم بعد الحرب العالمية الثانية، وتحالف الطرفان (الشرقي والغربي) لهدم السور الذي كان يفصل بين الأخ وأخيه والأم وأطفالها وهكذا… انهار ذلك السور في عام 1989 ليعاد توحيد شطري ألمانيا بعد ذلك بعام تقريباً.
نعم، هي قصة ملحمية أشبه بالأسطورة. ولكنها، ومع عظمة نهايتها، لا ترقى بنظري إلى القرارات الأخيرة لمجلس الوزراء السعودي، وتحديداً ما نص على إلغاء الولاية بعد سن الـ21 للنساء، فالسور البرليني كان موجوداً ليحول بين شعب واحد انقسم بسبب الحرب مرغماً، لكنه كان يتوق شوقاً إلى الوحدة والاندماج مع بعضه البعض، بينما هنا نتحدث عن قصة أخرى.
ما حدث في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، قفزة كبيرة في حقوق المرأة على وجه التحديد، إذ حققت القرارات إنجازات لم تكن في الحسبان، بل تجاوزت أحلام بعض المتفائلين. وبصراحة، تستحق المرأة السعودية ذلك وأكثر، فليس من المنطق أن تظل “رهن إشارة” من رجل مهما كانت صفته، يتحكم في مصيرها ولا حول لها ولا قوة من دون رضاه.
رد الفعل على القرارات الأخيرة، ولّد فرحاً غامراً لدى جميع الأطراف، إلا من ضاقت صدورهم نتيجة تحفظات وأعراف وعادات تجاوزها الزمن. أما الشريعة، فحاشا وكلا، إذ لم تكن المرأة فيها مهانة، بل مصانة منذ أن كرّم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم النساء من خلال الأم تارة ومن خلال البنات تارة في أكثر من حديث.
كانت خيبة الأمل في من يعتبرون أنفسهم “معارضة” في كل شيء يخص المرأة، ويتربصون للتصيد عند صدور كل قرار يتعلق بها. والمؤلم هو اعتراضهم على كل قرار يصدر من الحكومة حتى لو كان يصب في الصالح العام. وكان مخزياً أن تتصدى أكاديمية سعودية لقرارات في صالح المرأة السعودية، فقط لأنها صدرت من السلطات الحاكمة في المملكة. ألم تسأل الأكاديمية ذاتها ماذا يحدث في الدول الديموقراطية في أعرق الدول؟ كلهم يتحالفون عند وجود خطر يتهدد بلادهم من جهة، ومن جهة أخرى لا يتدخلون في أي قرار تتخذه الدولة خصوصاً إذا كان خيّراً في المقام الأول.
طالب البعض أخيراً بإنهاء وجود مجلس الشورى، باعتبار أن الدولة هي من تتدخل في كل قرار إيجابي سبق أن تم رفضه من “المجلس”، وهذا ظلم لبعض أعضائه نساء ورجالاً، فليس كل أعضاء الشورى على مستوى التفكير ذاته. والمسألة الأهم هي أن “الشورى” أحد أهم إنجازات الدولة في تاريخها، وهو مقياس حقيقي لفئات المجتمع، ومن ناحية أخرى ولعل ضع شروط محددة لاختيار عضواته وأعضائه، يحد من وجود أولئك الذين يحملون ورقة الرفض وحدها.
شكراً لكل عضوة أو عضو في مجلس الشورى من السابقين أو الحاليين ممن سبق وتقدموا بتوصيات تصب في صالح المرأة السعودية، حتى لو لم يتم إقرارها. يكفيهم شرف المحاولة.
@abofares1