طارق الشناوي
بعد خلاف دام نحو 13 عاماً بين أم كلثوم والملحن الشيخ زكريا أحمد، وقف الاثنان أمام قاضي محكمة الاستئناف في نهاية عام 1959. كل منهما كان حريصاً على أن ينال حقه القانوني، الشيخ زكريا يطالب بالحصول على نسبة بأثر رجعي حددها بـ5 في المائة من حق بيع ألحانه لها على أسطوانات، وكان يسخر من أم كلثوم قائلاً: (في نهاية العشرينات عزمتني على الغداء هي وأبوها في قرية (طماي الزهايرة) على (دكر بط)، لها عندي ثمن البط 50 قرشاً، ولي عندها ثمن بيع الألحان 50 ألف جنيه).
القاضي عليه أن يفصل في الدعوى ويحكم، خاصة، وأن محكمة أول درجة أقرت حق الشيخ زكريا، توجه القاضي للخصمين، قائلاً، من هو المستفيد من تلك المعركة سوى الصحافة؟ وكان قد لا حظ تدفق الكاميرات وازدحام الصحافيين في المحكمة، وأضاف، بينما الخاسر هو الوجدان، لأنه افتقد أن يسمع أعمالكما الجديدة معاً، وطالبهما بالصلح، وهنا قال الشيخ زكريا «لا الفلوس بتدوم ولا الشتيمة بتلزق» وانهمرت دموعه، وبادلته أم كلثوم البكاء واحتضنته، وغنت (الست) بعدها بشهرين من تلحين الشيخ زكريا أحمد وكلمات بيرم التونسي «هو صحيح الهوى غلاب»، ويرحل بيرم يوم إذاعة الحفل، ثم يلحق به الشيخ زكريا بعد أربعين يوماً، وتكسب المكتبة العربية واحدة من أروع أغانينا في تاريخ الموسيقى الشرقية.
لو سألت جهابذة القانون، ستكتشف أن عرض الصلح أثناء نظر الدعوى، ليس من بين الحلول المطروحة أمام منصة القضاء، إلا أن القاضي الشجاع الذكي تجاوز النص، فقدم لنا أروع حُكم في التاريخ.
(أحياناً يصبح الخروج عن النص دخولاً إليه)، تلك الكلمة قالها لي يوماً ما كاتبنا الكبير علي سالم، والذي كان يترك مساحات مقننة لأبطال بعض مسرحياته، مثلما حدث في أشهر مسرحية كوميدية عربية «مدرسة المشاغبين»، كان أبطال المسرحية عادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبي وأحمد زكي وهادي الجيار في مطلع السبعينات من القرن الماضي يعيشون بداية مرحلة الألق، ترك علي سالم، لعادل وسعيد ويونس مساحات للارتجال، كان يتابعهم بدقة ووجدهم عند حسن الظن، بينما الذي استشاط غضباً وانسحب احتجاجاً هو أستاذ فن الارتجال عبد المنعم مدبولي، والذي كان يؤدي في البداية دور الناظر قبل أن يسند إلى حسن مصطفى.
في حفل أم كلثوم بتونس بلد الفن والإبداع والطرب، كانت أم كلثوم تغني رائعتها «بعيد عنك»، وهنا بدأ عازف الناي سيد سالم في تقديم الجملة الموسيقية (الصولو) كما هو متفق عليها في البروفات، إلا أنه بسبب زيادة معدلات السلطنة لدى الجمهور التونسي، انتقلت إليه العدوى وأضاف جملة موسيقية أخرى خارج النص، وهنا قالت أم كلثوم بصوت مسموع (إيه ده)، الكلمة تحمل وجهي الإعجاب والرفض، وبالطبع كانت أم كلثوم تقصد الأولى، ولهذا طلبت منه أن يعيدها مرتين، بينما تصفيق الجمهور للعازف الخارج عن النص يتضاعف.
محمود المليجي، في أغلب أدواره لم يكن يلتزم بالنص، لا هو ولا زينات صدقي ولا عبد الفتاح القصري ولا استيفان روستي ولا توفيق الدقن ولا عادل أدهم، بينما أجمل (الإفيهات) التي عاشت ولا تزال ترددها لهم حتى الآن، هي تلك التي لم يلتزموا فيها حرفياً بالسيناريو، ما أحوجنا في العديد من شؤون حياتنا، لهؤلاء الذين يخرجون عن النص، ليضيفوا ويضيئوا حياتنا.
القاضي عليه أن يفصل في الدعوى ويحكم، خاصة، وأن محكمة أول درجة أقرت حق الشيخ زكريا، توجه القاضي للخصمين، قائلاً، من هو المستفيد من تلك المعركة سوى الصحافة؟ وكان قد لا حظ تدفق الكاميرات وازدحام الصحافيين في المحكمة، وأضاف، بينما الخاسر هو الوجدان، لأنه افتقد أن يسمع أعمالكما الجديدة معاً، وطالبهما بالصلح، وهنا قال الشيخ زكريا «لا الفلوس بتدوم ولا الشتيمة بتلزق» وانهمرت دموعه، وبادلته أم كلثوم البكاء واحتضنته، وغنت (الست) بعدها بشهرين من تلحين الشيخ زكريا أحمد وكلمات بيرم التونسي «هو صحيح الهوى غلاب»، ويرحل بيرم يوم إذاعة الحفل، ثم يلحق به الشيخ زكريا بعد أربعين يوماً، وتكسب المكتبة العربية واحدة من أروع أغانينا في تاريخ الموسيقى الشرقية.
لو سألت جهابذة القانون، ستكتشف أن عرض الصلح أثناء نظر الدعوى، ليس من بين الحلول المطروحة أمام منصة القضاء، إلا أن القاضي الشجاع الذكي تجاوز النص، فقدم لنا أروع حُكم في التاريخ.
(أحياناً يصبح الخروج عن النص دخولاً إليه)، تلك الكلمة قالها لي يوماً ما كاتبنا الكبير علي سالم، والذي كان يترك مساحات مقننة لأبطال بعض مسرحياته، مثلما حدث في أشهر مسرحية كوميدية عربية «مدرسة المشاغبين»، كان أبطال المسرحية عادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبي وأحمد زكي وهادي الجيار في مطلع السبعينات من القرن الماضي يعيشون بداية مرحلة الألق، ترك علي سالم، لعادل وسعيد ويونس مساحات للارتجال، كان يتابعهم بدقة ووجدهم عند حسن الظن، بينما الذي استشاط غضباً وانسحب احتجاجاً هو أستاذ فن الارتجال عبد المنعم مدبولي، والذي كان يؤدي في البداية دور الناظر قبل أن يسند إلى حسن مصطفى.
في حفل أم كلثوم بتونس بلد الفن والإبداع والطرب، كانت أم كلثوم تغني رائعتها «بعيد عنك»، وهنا بدأ عازف الناي سيد سالم في تقديم الجملة الموسيقية (الصولو) كما هو متفق عليها في البروفات، إلا أنه بسبب زيادة معدلات السلطنة لدى الجمهور التونسي، انتقلت إليه العدوى وأضاف جملة موسيقية أخرى خارج النص، وهنا قالت أم كلثوم بصوت مسموع (إيه ده)، الكلمة تحمل وجهي الإعجاب والرفض، وبالطبع كانت أم كلثوم تقصد الأولى، ولهذا طلبت منه أن يعيدها مرتين، بينما تصفيق الجمهور للعازف الخارج عن النص يتضاعف.
محمود المليجي، في أغلب أدواره لم يكن يلتزم بالنص، لا هو ولا زينات صدقي ولا عبد الفتاح القصري ولا استيفان روستي ولا توفيق الدقن ولا عادل أدهم، بينما أجمل (الإفيهات) التي عاشت ولا تزال ترددها لهم حتى الآن، هي تلك التي لم يلتزموا فيها حرفياً بالسيناريو، ما أحوجنا في العديد من شؤون حياتنا، لهؤلاء الذين يخرجون عن النص، ليضيفوا ويضيئوا حياتنا.