تحقيقات

مخاوف حول ميزان العدل في مصر بعد تعيينات قضائية قام بها السيسي

ـ القاهرة ـ تثير تعيينات قضائية قام بها مؤخرا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مخاوف على استقلالية القضاء في بلد غالبا ما يتعرض لانتقادات بشأن أدائه القضائي من منظمات حقوق الإنسان.

وعين الرئيس المصري في تموز/يوليو رئيسا للمحكمة الدستورية العليا ورئيسا لمحكمة النقض ورئيسا لهيئة النيابة الإدارية. وهي المرة الأولى التي يكون فيها الخيار مطلقا لرئيس البلاد بشأن تعيين رؤساء الهيئات القضائية، إذ جرت العادة على أن تكون “الأقدمية” هي معيار الاختيار الذي يقوم به وزير العدل ليتم التصديق عليه من الرئيس.

وجاء ذلك بموجب تعديلات دستورية أقرّت في استفتاء في نيسان/أبريل، وأعطت رئيس الجمهورية صلاحية تعيين مسؤولي الهيئات القضائية بين أقدم سبعة قضاة لكل هيئة.

ويقول قاض رفض الكشف عن اسمه لوكالة فرانس برس إن “ضمانات القاضي في الاستقلال تكمن في أن يبقى بعيدا عن السلطة التنفيذية، ولكن ذلك يتضارب مع كون نقله وترقيته وانتدابه وتأديبه سيكون متداخلا مع رئيس الجمهورية”.

ويضيف أن المواد التي سمحت للرئيس بتعيين القضاة “قد تنتقص من استقلال القاضي الحر وقد تساعد أكثر من ذلك في أن يطمع أي قاض غير مستقل في الحصول على المناصب والمميزات”، من خلال علاقته بالسلطة.

وأقرّت التعديلات الدستورية بغالبية 89 في المئة من المقترعين المصريين الذين بلغ عددهم حوالى 26 مليونا. ووافق المصريون في ذلك الاستفتاء أيضا على تمديد فترة حكم الرئيس الحالي حتى عام 2024 على الأقل.

ويقول المحامي المصري والناشط الحقوقي جمال عيد إن التعديلات القضائية “تضعف موقف القضاء المصري ولا تقوّيه وتزيد من تآكل استقلاله”.

ويوضح عيد، وهو محام للعديد من متهمي قضايا الرأي في مصر، أن مؤشر سيادة القانون الذي تصدره منظمة “مشروع العدالة العالمي” منذ 2006 ومقرها واشنطن، أتى بمصر في المركز الـ121 من أصل 126 دولة مشاركة.

ويقيّم هذا المؤشر أداء الدول في نواح عديدة متعلقة بسيادة القانون مثل القيود على سلطات الحكومة ومكافحة الفساد والحقوق الأساسية والأمن والإجراءات الإصلاحية والقانون المدني وقانون العقوبات.

ويتوقف عيد عند الانتقادات التي توجه أصلا للقضاء المصري، مشيرا الى أن “فترات الحبس الاحتياطي الطويل ووضع مئات الأشخاص على قوائم الارهاب وأحكام الإعدام الكثيرة هي أمثلة على الموقف الحالي للقضاء”.

وتشدد منظمات حقوقية على ضرورة إجراء محاكمات عادلة في مصر، خصوصا منذ أطاح الجيش في تموز/يوليو 2013 بالرئيس الإسلامي الراحل محمد مرسي، وتصنيف السلطات المصرية جماعة الإخوان المسلمين بأنها “تنظيم إرهابي”. ومنذ ذلك الحين، تم توقيف الآلاف من أنصار مرسي والإخوان المسلمين وإحالتهم للمحاكمات، وحُكم بالإعدام على المئات منهم لكن ألغى القضاء لاحقا معظم هذه الأحكام.

 انتقادات حقوقية 

وترى منظمات حقوقية أن التعديلات الدستورية الأخيرة والسلطات الممنوحة للرئيس في مجال القضاء لا تحسّن من وضع مصر القضائي. وقد وجّهت منظمات حقوقية دولية ومحلية انتقادات لهذه التعديلات لعدم إعمال مبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء فيها.

وقالت منظمة “هيومان رايتس ووتش” في بيان إن المواد المُعدّلة “تمنح الرئيس صلاحيات إشراف واسعة وهي غير خاضعة للرقابة على السلطة القضائية والنيابة العامة، في تعارض مع المبادئ الأساسية لسيادة القانون المتعلقة بفصل السلطات، واستقلالية القضاء، والحق في المحاكمة العادلة”.

وترفض الحكومة المصرية باستمرار هذه الانتقادات وتعتبرها تدخلا في شأن داخلي لا ينبغي المساس به.

ومن بين أقدم سبعة قضاة اختار السيسي القاضي عبد الله عصر رئيسا لمحكمة النقض ومجلس القضاء الأعلى بالرغم من أنه ليس الأقدم. وجرت العادة أن يتم اختيار الأقدم دائما.

كذلك شهدت هيئة النيابة الإدارية تعيين عصام المنشاوي رئيسا لها رغم أنه الأحدث بين المرشحين السبعة.

ويعلّق أحد القضاة بالقول “لماذا نريد أن نبقى في قالب الأقدمية المطلقة؟ ليس بالضرورة أن يكون الأقدم هو الأكفأ”.

ولم يرغب كل القضاة الذين تحدثوا مع فرانس برس الإفصاح عن أسمائهم لحساسية الأمور المتعلقة بالقضاء في مصر.

لكن مسؤولا قضائيا سابقا يرى أن “الأقدمية هي العمود الفقري للقضاء، أمّا الكفاءة فيجب أن يحددها شخص من داخل المجال”.

ويتساءل “هل يمكن لأحد من خارج مجال الطب أن يقيّم أداء طبيب؟.. بالطبع لا”.

 مواد القضاء في الدستور

وتضمنت التعديلات الدستورية المادة رقم 185 التي يعين بمقتضاها الرئيس المصري رؤساء الهيئات القضائية. كما تنص على تشكيل مجلس أعلى لهذه الهيئات يرأسه أيضا الرئيس المصري، ويختص بـ”النظر في شروط تعيين أعضاء الجهات والهيئات القضائية وترقيتهم وتأديبهم، ويؤخذ رأيه في مشروعات القوانين المنظمة لشؤون هذه الجهات والهيئات، وتصدر قراراته بموافقة أغلبية أعضائه على أن يكون من بينهم رئيس المجلس”.

وتنص المادتان 189 و193 على قيام رئيس الدولة بتعيين كل من النائب العام ورئيس المحكمة الدستورية العليا.

لكن على الرغم من المخاوف، تبقى الأصوات الناقدة خافتة وغير قادرة على تغيير ما حصل.

ويقول النائب البرلماني محمد فؤاد “مرّت التعديلات الدستورية بحلوها ومُرّها وما بني عليها من قوانين، أصبحت أمرا واقعا”. (أ ف ب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق