السلايدر الرئيسيتحقيقات
عقب رفع الجالية المغربية قضية ضدها… صحيفة “إلموندو” تصعد معركتها مع المغرب
لطيفة الدوكالي
ـ الرباط ـ من لطيفة الدوكالي ـ التصعيد بين المغرب وصحيفة “إلموندو” الإسبانية يبلغ أوْجَه قبل بت القضاء الإسباني في الدعوى القضائية، التي رفعها مجلس الجالية المغربية بالخارج، ضد الصحيفة ذاتها في شخص مديرها والشركة الناشرة لها في المحكمة الابتدائية بمدريد يوم 31 يوليو الماضي، على خلفية نشرها قبل أسابيع تحقيقا تحت عنوان “النساء.. واجهة تجارة المخبرين المغاربة بإسبانيا”، يزعم أن ملايين الدراهم الموجهة لتأطير الجالية المغربية بالخارج، ينتهي جزء منها في جيوب أشخاص اغتنوا منها بطريقة غير مشروعة، باستعمال زوجاتهم من أجل تحريك أموال من مكان إلى آخر، عبر شركات وهمية كواجهة لتبييض الأموال/ حسبما ذكر موقع “اليوم 24”.
في هذا الصدد، نشرت الصحيفة الإسبانية مؤخرا مقالين يهاجمان المغرب ويضربان في سيادته التاريخية على المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية؛ كما اتهم الحكومة الإسبانية الاشتراكية المؤقتة بالتواطؤ مع المغرب في ما سمته خنق مدينة مليلية اقتصاديا ومنح “ما لا نهاية من الامتيازات للمغرب”.
آخر مقال تحت عنوان “حدود إسبانيا وأوروبا”، مؤرخ بتاريخ 1 سبتمبر 2019، زعم قائلا “منذ وصول العلويين إلى العرش سنة 1664، تحولت المطالبة بالمدينتين (سبتة ومليلية) إلى سياسة ثابتة تستعمل، كما الصحراء، كعامل للحفاظ على التماسك الداخلي في مواجهة دولة محتلة مزعومة، في جهل عن وعي بأن سبتة ومليلية هما مدينتان إسبانيتان قبل أن يتكون المغرب كدولة”، وتابعت الصحيفة أنه “عندما يراد حجب البؤس الداخلي، من السهل البحث عن عدو خارجي|. وهذا زعم لا أساس له من الصحة لأن المغرب دولة قائمة بذاتها منذ القدم.
العديد من المتتبعين للشأن المغربي الإسباني رؤوا في عبارة “من السهل البحث عن العدو الخارجي”، رد واضح من الجريدة الإسبانية على المغرب بعد تأكيد مجلس الجالية يوم 5 اغسطس أنه “على إثر المقال الذي نشرته جريدة “إلموندو” الإسبانية يوم 11 يونيو 2019، والذي تضمن اتهامات باطلة ومعطيات غير صحيحة تمس بشرف مجلس الجالية المغربية بالخارج في شخص أمينه العام وأحد أفراد أسرته وعضو بالمجلس، رفع الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج دعوى قضائية ضد الجريدة الإسبانية، من أجل جبر الضرر المترتب عن المس بالشرف وبالحياة الخاصة وبسمعة المؤسسة”، مضيفا أنه “بعد استكمال جميع الإجراءات الشكلية والمسطرية، عن طريق مكتب محاماة إسباني، سيتولى الترافع عن المجلس وأمينه العام”.
عبدالحميد البجوقي، الخبير المغربي في العلاقات المغربية الإسبانية والمقيم بمدريد، علق على مقالي “إلموندو” قائلا: “تقديري أن العلاقات المغربية الإسبانية تخضع لاستراتيجيات سياسية ومصالح مشتركة بين البلدين، علاقات تحكمها مصالح مشتركة سواء الاقتصادية والتجارية التي عرفت في المرحلة الأخيرة نموا ملحوظا، وتحول المغرب إلى بوابة الاستثمار الإسباني في إفريقيا، والتعاون في مكافحة الهجرة السرية”، وأردف “استقرار العلاقات بين البلدين وتطورها لا يخلو من مساحات التجاذب بين البلدين في ملفات، غالبا ما تكون مرتبطة بالشأن الداخلي، وفي هذا السياق تأتي بعض الهجمات الإعلامية على الجار الجنوبي، والتي تابعنا فصلا منها في جريدة إلموندو منذ أيام”.
وأشار، كذلك، إلى أنه رغم أن علاقة الإعلام الإسباني بمواقع القرار يحكمها ميثاق شفوي بالدفاع عن المصالح الحيوية والقومية لإسبانيا، “أعتقد أن بعض الخرجات الإعلامية لا تعدو أن تكون جزءا من سيناريو هذه العلاقات المحكومة أصلا بخيار استراتيجي، أساسه التفاهم والتعاون والمصالح المشتركة، وهذا ما عودتنا عليه، كذلك، الصحافة الفرنسية في علاقتها بالمغرب. السلطات الأربع في إسبانيا لا تعزف بالضرورة على وتر واحد، لكنها لا تخرج عن ميزان أداء سيمفونية المصلحة العليا، وهذه تتحقق أكثر بالانسجام في العزف والإخراج، لا بتوحيده”. مقال ثان نشرته الصحيفة الإسبانية يوم 12 غشت المنصرم تحت عنوان: “المغرب يحتوي تدفقات الهجرة بعد حصوله على ما لانهاية من الامتيازات من قبل إسبانيا” ذهب إلى القول إن المغرب طالب من إسبانيا في الصيف الماضي نحو 60 مليار سنتيم لمراقبة تدفقات الهجرة، وهو الشيء الذي التزمت به الحكومة الحالية تقريبا بالمصادقة على منح المغرب دعم بقيمة 54 مليار دولار، جزء منه على شكل دعم لوجستيكي. وكما هي عادة الصحيفة المقربة من اليمين الإسباني، الذي لا ينظر بعين الرضا إلى التقارب الحالي بين الحكومة الاشتراكية والرباط، زعمت أن المغرب يستغل قضية الهجرة السرية لابتزاز إسبانيا.
لكن، في الوقت الذي تركز فيه الصحافة الإسبانية على كل كبيرة وصغيرة عندما يتعلق الأمر بالمغرب، نظرا إلى العلاقات الاستراتيجية بين المملكتين والقضايا الحساسة بينهما بحكم الجغرافيا والتاريخ، يلاحظ أن المؤسسات الرسمية والصحافة لا تهتم بما يجري في إسبانيا، بل حتى الصحافة المقربة من السلطة، والتي تحظى بالرعايا الشبه الرسمية، لا تخرج للدفاع بمهنية عن المصالح الاستراتيجية للمغرب. علاوة على ذلك، أن سلاح اللغة، الإسبانية في هذه الحالة، تخلت عنه الدولة في العقد الأخير، وهو ما يتضح جليا في انقراض فصول وشعب الإسبانية تقريبا من المعاهد والجامعات المغربية، بما فيها جامعة محمد الخامس في الرباط.
وعن عجز المغرب عن مواجهة بالمثل ما ينشر عنه في الصحف الإسبانية يلخص البجوقي الأزمة قائلا “تقديري أننا في المغرب نفتقد لمثل هذا الإخراج، ونفتقد للفصل بين الأدوار التي يمكن أن تقوم بها كل المواقع المؤثرة في القرار بحرية واستقلالية لا تؤثران على وحدة الهدف. شخصيا، لا أستسيغ أن يكون الإعلام المغربي مهادنا مع الملفات الساخنة في إسبانيا كلما كانت العلاقات جيدة، وأن يهاجم أو أن يرد كلما ساءت العلاقات، الطبيعي أن ينقب في ملفات إسبانية تهم الرأي العام المغربي مهما كانت العلاقات، دون أن يفقد بوصلة المصالح الحيوية والمشتركة ـ ملف كاطالونيا وملفات الفساد، على سبيل المثال”.