السلايدر الرئيسيحقوق إنسان
توجهات جديدة في مكافحة “العائلات الإجرامية العربية” في المانيا
دويتشه فيله
ـ برلين ـ في التقارير السنوية السابقة للمكتب الاتحادي الألماني لمكافحة الجريمة كان الحديث يجري عن جرائم ذات خلفية إثنية، لكن المكتب بدأ في تقريره لعام 2018 يتحدث عن “العائلات الإجرامية” بشكل رسمي. تسمية جديدة لمشكلة قديمة؟ لماذا؟
ملاحقة “العائلات الإجرامية” باتت تأخذ حيزا واسعا من اهتمام السلطات القضائية والأمنية فيما يخص مواجهة الجريمة المنظمة في ألمانيا. هذا ما أكد عليه وزير الداخلية هورست زيهوفر أثناء تقديمه، رفقة رئيس المكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة هولغر مونش، التقرير السنوي عن وضع الجريمة المنظمة في ألمانيا.
وإذا كانت تقارير السنوات السابقة تتحدث عن جرائم ذات خلفية إثنية، فإن التقرير الجديد غير هذه التسمية وفتح خانة جديدة في مصطلحاته وبات يتحدث عن “جرائم العائلات”. وهي الظاهرة التي نالت اهتماما إعلاميا واسعا خلال الأشهر الأخيرة، حيث قامت الشرطة ورجال التحريات الجنائية بمداهمات عديدة وبقوة كبيرة غير معتادة في مثل هذه الحلات استهدفت منازل ومتاجر وأشخاصا يشتبه بتورطهم في عالم الجريمة المنظمة، بينها عائلات عربية معروفة في برلين وفي مدن ألمانية أخرى.
والتقرير الجديد لعام 2018 أشار إلى حجم الأموال التي جنتها “العائلات الإجرامية” في خضم نشاط إجرامي لسنة واحدة وحددها بحدود 28 مليون يورو، فيما شكلت تجارة المخدرات وتهريبها والسرقة والسطو والدعارة أبرز مصادر كسب المال من قبل تلك العائلات الإجرامية.
من جانبها أشارت صحيفة “برلينر تسايتونغ” في عددها الصادر الأربعاء (25 أيلول/سبتمبر 2019) إلى أن برلين أصبحت مركزا كبيرا لنشاط الجريمة المنظمة، حيث كانت حصتها من مجموع القضايا المتعلقة بالجريمة المنظمة 59 قضية من إجمالي 535 قضية في عموم ألمانيا. ولكن قبل برلين كانت الولايات الكبيرة، مثل شمال الراين ويستفاليا بعدد 107 قضايا وبافاريا 78 قضية، حسب ما ورد في التقرير السنوي للمكتب الاتحادي، في صدارة المناطق الألمانية فيما يخص حجم الجرائم المنظمة فيها.
دور العائلات الإجرامية من أصول عربية
وحسب صحيفة “برلينر تسايتونغ”، فإن لبعض العائلات العربية تأثيرا ودورا كبيرين في عالم الجريمة المنظمة، ولهذا وضع المكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة هذا النشاط العائلي الإجرامي في خانة خاصة به شملت نحو 45 قضية تتعلق بجرائم منظمة تم تحديدها وفق طبيعة الجرائم وهيكلية التنظيم العائلي لمرتكبيها والطابع الأبوي لهذه العائلات.
وتقول الصحيفة إن جرائم العائلات تنطلق من أفراد في عائلات كبيرة من أصول عربية، فيما تمارس عائلات أخرى أيضا جرائم منظمة ذات طابع عائلي تنحدر من يوغسلافيا السابقة وتركيا. وتنحصر معظم جرائم بعض أفراد العائلات العربية، حسب الصحيفة، في تجارة المخدرات، إلى جانب جرائم تتعلق بالعقارات.
فمن مجموع 45 قضية تورط فيها نحو 654 شخصا، كانت بينها 27 قضية تتعلق بعائلات عربية أو تركية، بينها 17 قضية لوحدها في ولاية شمال الراين ويستفاليا بغرب ألمانيا، حسب معطيات التقرير السنوي لمكتب مكافحة الجريمة. وفي هذا السياق قال رئيس المكتب هولغر مونش “في برلين وحدها هناك خمس عمليات تتعلق بتحريات كبيرة ومعقدة ومتشابكة ضد أفراد عائلات إجرامية من أصول عربية وتركية”.
وأشار المسؤول الأمني إلى أن هذه العائلات كبيرة جدا تضاهي بحجمها حجم العصابات الروسية والقوقازية. يشار إلى أن العصابات الروسية والقوقازية تنظم وتدار من قبل أشخاص منفردين، مقارنة مع العصابات العربية والتركية ذات التركيبة العائلية الأبوية.
وإذا ألقينا نظرة على حجم الأضرار المادية التي تسببت بها الجريمة المنظمة بإجمالها والتي بلغت مجموعها 691 مليون يورو(قرابة 720 مليون دولار)، فإن مبلغ 28 مليون يورو التي كسبتها العائلات الإجرامية بشقيها العربي والتركي لا يشكل ثقلا كبيرا في الظاهرة. لكن مكافحة العائلات الإجرامية من أصول عربية وتركية لها دوافع أخرى أوجزها وزير الداخلية زيهوفر بجملة واحدة حيث قال “مجتمعات موازية إجرامية لا يجوز أن توجد في بلدنا”.
رفض سلطة الدولة
الموقف المتشدد والواضح للوزير يعبر في جوهره عن صحوة متأخرة للدولة الألمانية التي تجاهلت لعقود طويلة ظاهرة العائلات الإجرامية وتركيبتها البنيوية، ما ساهم في ترسيخ هذه الهياكل الاجتماعية وفرض سيادتها على هامش المجتمع بعيدا عن مجتمع الأغلبية وباتت اليوم تشكل تحديا حقيقيا لدولة القانون، كما يقول رئيس المكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة هولغر مونش.
وأضاف المسؤول الأمني أن “العائلات الإجرامية ترفض الدولة وممثليها وتسعى إلى فرض سيادتها العائلية على المناطق التي تتواجد فيها وتخرق النظام وتسعى لفرض قواعدها على المجتمع برمته”. وتابع مونش “لذلك يجب علينا مواجهة هذه الظاهرة بكل الوسائل القانونية وكل الوسائل الفعلية المتوفرة لدينا لنغير مجرى هذا التطور”.
بيد أن عضو مجلس بلدية مدينة إيسن بولاية شمال الراين ويستفاليا أحمد عميرات، وهو سياسي من حزب الخضر وله أقارب تورط بعضهم في الجريمة المنظمة، يعرب عن اعتقاده بأن هناك نوعا من التضخم في التعامل مع أرقام ومعطيات الجريمة المنظمة الواردة في التقرير السنوي. مشيرا إلى أن الأرقام تظهر حالة عادية من وضع الجريمة لا ترتقي لتكون ظاهرة ملفتة مقارنة مع حجم الجرائم في المجالات الأخرى.
ويعترف عميرات البالغ من العمر 34 عاما وهو من أصول لبنانية بأن هناك من أقاربه ممن تورط في الجريمة المنظمة ويرى سببا مباشرا لتورط بعض أفراد العائلات العربية يتعلق بطبيعة القيم الأخلاقية لبعض العائلات ذات الطابع الأبوي والتي تشعر بالتهميش وبعيدة عن الاندماج منذ الثمانينات من القرن الماضي.
ويشير في حديث مع محطة تلفزيون وإذاعة “WDR” بغرب ألمانيا إلى أن عائلته، على سبيل المثال، لم تر في الجريمة المنظمة سبيلا للعيش والتطور في المستقبل، لذلك نأت بنفسها من محيط الجريمة المنظمة واهتمت بتربية الأطفال ومستقبلهم في إطار المجتمع الألماني والفرص المتاحة فيه للجميع.
كما أوضح عميرات أن الظاهرة بحاجة إلى معالجات سياسية واجتماعية، طبعا إلى جانب مكافحة الجريمة المنظمة دون شك، ولكن بعيدا عن الحسابات السياسية الشعبوية. وأشار إلى أن الأحزاب المحافظة تنظر إلى هذه القضية من منظار التنافس مع اليمين الشعبوي الذي يتخذ من ظاهرة الجريمة المنظمة وتورط بعض العائلات العربية والتركية فيها ذريعة لنشر الخوف والتهجم على دولة القانون ووصفها بأنها غير قادرة على حماية المجتمع.
مواصلة مطاردة العائلات الإجرامية
ومهما كانت الأسباب وراء تشديد القبضة على مشهد العائلات الإجرامية في ألمانيا، فإن أمرا واحدا بات واضحا للعيان ويتمثل في أن الدولة الألمانية ستواصل مطاردتها لها بلا هوادة، حسب ما يتضح من هيكلية المؤسسات المشاركة في هذه المطاردة.
وكل هذه التغييرات الكبيرة على المستوين الاتحادي والمحلي تبعث بإشارة واحدة وواضحة للعائلات الإجرامية مفادها: أن ضغط المطاردة سيبقى مرتفعا كل يوم، حيث سنشهد يوميا تقريبا عمليات مداهمة للمناطق التي تنشط فيها تلك العصابات وسيتم مصادرة أموالها المنقولة وغير المنقولة إلى جانب سعي السلطات المحلية لسحب حق رعاية الأطفال من العائلات التي تتورط أفرادها في الجريمة المنظمة.
(دويتشه فيله)