أقلام يورابيا

من قمة الهرم… الاعلام نحو الانحدار

منى شلبي

*منى شلبي

كان الإعلام قبل سنوات يستقطب الكثير من هواته، بل كبروا على حلم أن يكونوا على منابر إعلامية يرفع فيها الصوت عاليا خدمة لمجتمعاتهم وأوطانهم وخدمة لكل قضية إنسانية تستدعي تسليط الضوء عليها، فقبل عقدين من الزمن عرفت الشاشات التلفزيونية الكثير من البرامج الثقافية التي تشجع على اكتساب المعرفة وتنمية المستوى الفكري لدى المتلقي وتزويده بالمعلومات التي يحتاج إليها، لكن هذا الخط لم يستمر ليدخل الإعلام في مرحلة جديدة مختلفة تماما عن التي سبقتها، تتعلق بظاهرة العولمة الإعلامية و تأثير البرامج الأجنبية على مضمون البرامج العربية، بل أصبحت نسخا عنها في تأثير واضح لهذه الظاهرة، وأصبح الإعلام يقدم مادة رديئة في شكلها ومضمونها.

 

قنوات تلفزيونية تعكس تعددية فارغة

 

قبل عشرين سنة تقريبا كان أغلب أفراد العائلة يجلسون أمام شاشة تلفزيون واحدة، وعلى نفس القناة التي غالبا ما تكون القناة الأرضية، كانت رغم توجهها وبغض النظر عن الكثير من الأمور، كان مستوى المذيعين عال جدا ومستوى الحوارات راق؛ سواء الحوارات الاجتماعية الهادفة أو الفكرية أو الفنية أو الثقافية وغيرها، ولكن مع موجة تدفق القنوات التي باتت لا تعد ولا تحصى تغيرت كل المعايير، فأصبح كل شي مختلفا وغريبا، لكن الشيء الغريب أصبح واقعا يدخل البيوت عبر شاشة تحتوي الكثير من القنوات التي غيرت كل المفاهيم وأسست لمرحلة خطيرة تهدد مستقبل الهوية وتخلق مجتمعات ضائعة في التيه.

 

مسؤولية الإعلام في تضييع بوصلة المجتمعات

 

لا أحد يبرئ الإعلام من حالة الانحدار التي وصلت لها المجتمعات، لأنه مسؤول بشكل أو آخر في توجيه الأفراد ودفعهم نحو المنزلق بقصد أو بغير قصد، فما يحدث يجعلنا نتساءل عن الهدف وراء هذا كله، لنصل إلى نتيجة واحدة هي تفكيك الروابط الاجتماعية، وتخريب عقول الشباب وتخديرهم ببرامج مسمومة تجعلهم يعيشون في حالة وهم مستمرة يصعب بعدها إخراجهم منها.

 

التصدي للإعلام الممسوخ بإعلام ناضج.. وتأسيس مؤسسة مستقلة لمراقبة القنوات الإعلامية *

 

أصبح وضع جزء كبير من الإعلام الممسوخ كما يقال كحال الغراب الذي أتى ليقلد مشية الهدهد، فلا هو استطاع أن يقلده ولا استطاع أن يعود إلى أصل مشيته، لقد رسخ هذا الإعلام لسنوات الكثير من مفاهيم ساهمت في طمس ثقافة الشعوب وهويتها، ورغم التحذيرات المتواصلة من المراقبين والمتخصصين في علم الاجتماع والإعلام، إلا أن هذه التحذيرات كانت حبرا على ورق وكلاما لا يجد آذانا واعية، الأمر الذي زاد في حالة الانغماس والغرق، ربما تأخر الوقت كثيرا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن العزيمة على التغيير ومواجهة هذا الواقع تبقى قائمة وليست مستحيلة، إنما تحتاج إلى تكاثف الجهود لتأسيس قنوات إعلامية أكثر نضوجا تكون بارقة أمل جديد، لإعادة ترميم بنية المجتمع وإصلاح ما تم إفساده وتصحيح المفاهيم الخاطئة، من خلال برامج هادفة لتوعية الأفراد وتثقيفهم، للتمييز بين ما ينفعهم ويضرهم، وهذا يحتاج إلى ضرورة تأسيس مؤسسات مستقلة تراقب القنوات الإعلامية وترصدها وتقيم نشاطها بشكل مستمر وتسجيل أي خروقات تتنافى مع أخلاقيات المهنة، وهذا لا يعني تقييد الحريات، لكن ضبط العمل الإعلامي بالشكل الذي يتناسب مع القوانيين والأنظمة واحترام طبيعة المجتمعات وأعرافهم، لتفادي التأثير السيء والسلبي الذي تسببه بعض القنوات على الأفراد والمؤسسات والجماعات.

*اعلامية جزائرية

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق