أقلام يورابيا

الدين تسامح ومحبة و “لاإکراه في الدين”

*د.السيد محمد علي الحسيني

تسود في العالم الاسلامي (ومن ضمنه العالم العربي بشکل خاص)، حالة ملفتة للنظر من حيث فرض وإجبار اتجاهات و أنماط عقائدية و فکرية (إيديولوجية) معينة، وهو مايتعارض مع تعاليم و أفکار و مبادئ ديننا الحنيف الذي يحث على التفکر و التدبر و عدم الأخذ أو التسليم بالامور من مظاهرها الخارجية.

الإسلام دين لم يأت لفرض القيود والأصفاد

الإسلام الذي أطل على البشرية کنسمة عبقة تنعش الأرواح و النفوس و تبعث؛فيها مشاعر الإحساس بالأمل و التفاٶل بالمستقبل، لم يأت من أجل فرض المزيد من القيود و الأصفاد، إذ أن الإسلام عندما أشرق بنوره على الإنسانية المعذبة قبل أربعة عشر قرنا، فإن العالم کله کان يغرق في يم من الظلام و الجهل الضياع، وکان المنطق السائد هو استعباد الإنسان لأخيه الإنسان و إجباره على مالايحب و يرغب فيه.

الإسلام دين العقل والآيات والأحاديث تحاکي العقول وتستنطقها للتوصل إلى الحقيقة و کشف الحقائق و خفايا الأمور

يقول نبي الهدى محمد (ص): إن الدين هو الحب و الحب هو الدين؛ هذا الحديث النبوي الشريف العميق جدا في معانيه و المعبر عن معاني و مبادئ و أفکار لايمکن أبدا حصرها او تحديدها في أطر محددة، ولذلك لم يأت الإسلام ليفرض نفسه من الأعلى وبالاعتماد على مبدأ القوة و الإکراه والفرض، بل جاء ليخاطب النفوس والأرواح ويحاکي العقول ويستنطقها و يجادلها من أجل التوصل إلى الحقيقة و کشف الحقائق و خفايا الأمور، ومن هنا فإن الآية الکريمة 265 من سورة البقرة التي تقول:”لاإکراه في الدين قد تبين الرشد من الغي”، مضافا إليها الآية الکريمة 125 من سورة النحل والتي يقول فيها أصدق القائلين:”ادع الى سبيل ربك بالحکمة والموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن”، تٶکد و تثبت لکل لبيب و فطن، أن الإسلام لايريد فردا يقسر نفسه و يجبرها على القبول بالاسلام و القناعة به.

الإسلام لا علاقة له بأولئك الذين يجبرون الناس على اعتناقه

” نوم على يقين خير من صلاة في شك”هکذا خاطب أمير المٶمنين علي أبن أبي طالب(ع) المسلمين بشکل خاص و الإنسانية بشکل عام وهو يعلمهم ويلقنهم أبجديات الإيمان و معناها، وإن هذا الکلام من رجل قال الرسول الأکرم”ص”عنه:”أنا مدينة العلم و علي بابها.”، تبين بکل وضوح بأن الاسلام لايرغب أبدا في أفراد يدخلون فيه عن قسر أو إکراه أو عدم قناعة، بل إن الإسلام يحاجج بمنطقه العقلاني والاستقرائي الاستثنائي البشرية ويدعوها لجادة الحق و الصواب بعد الإقرار بالحق و تقبله و ليس إقسار أو إجبار النفس أو العقل على أمر هو في حل أو غنى منه.
إن مايجري اليوم في العراق من إجبار أهل السنة والشيعة و المسيحيين و الإيزديين و الشبك و غيرهم من أتباع الطوائف على القبول بمبادئ و أفکار و عقائد باسم الإسلام رغما عنهم، إنما هو أمر يتعارض مع الإسلام و مبانيه و أرکانه و قواعده الأساسية جملة وتفصيلا، وخير دليل على ذلك قوله تعالى “ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين” يونس 99.
فالإسلام جاء مسهلا و معينا و ليس مقسرا و فرعونا، وهو يريد الخير و اليسر بالإنسان و ليس الشر و العسر، وأن أولئك الذين يريدون أن يعطوا أفکارا وانطباعات أخرى مغايرة لهذا الاتجاه المنطلق من غور الإسلام وأعماقه..
*الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق