أوروبا
النمسا بعد عام من التحول إلى اليمين: حكومة مستقرة ومعارضة تائهة
– أعلن الائتلاف الحكومي وجود تحفظات على الاتفاق العالمي للهجرة التابع للأمم المتحدة، وأوقف استقبال اللاجئين بغرض إعادة التوطين طويلة الأمد، وحظر رموز الجماعات الإسلامية المتطرفة، وتحول إلى خفض مخصصات الأطفال لبعض الأجانب.
كل هذا كان في شهر تشرين أول/أكتوبر فقط.
ومنذ صوتت أغلبية الناخبين لصالح “حزب الشعب” المنتمي إلى يمين الوسط و”حزب الحرية” اليميني المتشدد في 15 تشرين أول/أكتوبر من العام الماضي، لا يكاد يمر أسبوع دون أن يتبنى الحزبان سياسة جديدة بشأن المهاجرين أو اللاجئين أو المسلمين.
ويبدو أن هذه الاستراتيجية ناجحة بالنسبة لكل من المستشار زباستيان كورتس (حزب الشعب) ونائبه هاينتس-كريستيان شتراخه (حزب الحرية)، اللذين أديا اليمين في كانون أول/ديسمبر.
ووفقاً لما صرح به خبير استطلاعات الرأي فولفنجانج باخماير، لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، فإن “موقف الحكومة النمساوية جيد جداً بالفعل”.
وكما كان عليه الحال قبل عام، لا يزال الحزبان اليمينيان يتمتعان بدعم 57 % من النمساويين، حتى وإن تبدلت نسب التأييد بشكل طفيف فيما بينهما، وفقاً لأحدث استطلاعات الرأي.
وأظهر استطلاع للرأي نشرته مجلة “بروفيل” الشهر الماضي أن أكثر قليلاً من نصف السكان يدعمون سياسات كورتس بشأن الهجرة، بينما يدعم 41 % نسخة حزب “الحرية”، الذي يتبنى العديد من نفس الأفكار، ولكنه يستخدم لها لغة أكثر صرامة.
وعلى النقيض من الائتلافات الحكومية ذات التوجه الوسطي السابقة بين “الديمقراطيين الاشتراكيين” وحزب “الشعب”، نجحت الحكومة الجديدة في تجنب وجود مشاحنات مع الشعب وأتقنت فن إظهار الحزبين على أنهما فائزان.
فبعد كل اجتماع للحكومة، يقف كورتس وشتراخه أمام الصحافة، حيث يقوم المستشار بتلخيص القرارات ثم يقف ليرى نائبه وهو يكررها بكلماته الخاصة.
ويؤتي هذا النهج بنتائجه، حيث أن حزب “الحرية” قبل بدور الشريك الأصغر لحزب ينتمي لتيار الوسط، بهدف زيادة فرصه في البقاء في السلطة على المدى البعيد.
وقال الخبير السياسي بيتر فيلزماير، لـ(د.ب.أ)، إنهما “مستعدان لدفع الثمن”.
وقد قاد هذا الترتيب إلى إعطاء النمسا، تلك الدولة الصغيرة الغنية، ثقلاً فوق ثقلها في الاتحاد الأوروبي، إلى جانب حقيقة أن البلاد تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي في النصف الثاني من 2018.
إلا أن الرأي العام الأوروبي لا يركز على شتارخه وإنما على كورتس، الذي يصيغ آراءه بكلمات بريئة وفي نفس الوقت لاذعة، مثل :”ينبغي أن نتأكد من أن حكوماتنا، وليس مهربو البشر، هي من تقرر من يستطيع القدوم إلى أوروبا”.
ويحرص كورتس على تكرار آرائه بشأن تقوية حدود الاتحاد الأوروبي والعبور عبر البحر المتوسط في اجتماعات التكتل، ويُنظر إليه على أنه السبب في تحول الاتحاد الأوروبي نحو سياسات أكثر تقييداً في الأشهر الأخيرة.
ومن المؤكد أن حكومة فيينا قد تبنت أيضاً العديد من السياسات التي لا تتعلق بالهجرة، مثل رفع المعاشات التقاعدية الصغيرة، وإصلاح المدارس، وإعفاءات ضريبية للعائلات.
إلا أن العديد منها ترافق ببنود جديدة قد تضر بالأجانب.
ويشمل هذا خطة لخفض الرعاية للعمال المهاجرين الذين يعيش أطفالهم في الخارج؛ وتغييرات في الحد الأدنى للدخل الأساسي الذي تضمنه الدولة والذي يساعد العائلات النمساوية الصغيرة ولكنه يضر بالمهاجرين أصحاب العدد الأكبر من الأطفال.
ورغم أن أحزاب المعارضة نجحت في تنظيم احتجاجات ضد تحرير الحكومة لساعات العمل، إلا أنها فشلت إلى حد كبير في تقديم سياسات بديلة وقابلة للبقاء حول الهجرة ودمج الأجانب.
وبالتزامن مع ذلك يعاني الحزب “الديمقراطي الاشتراكي” حالة من الفوضى. فقد أعلن المستشار السابق كريستيان كيرن الشهر الماضي تنحيه عن قيادة الحزب والترشح للبرلمان الأوروبي، ولكنه لاحقاً تخلى عن الفكرة وترك السياسة في السادس من تشرين أول/أكتوبر الجارى.
وتكافح خليفته وزيرة الصحة السابقة باميلا رنددي-فاجنر لتأكيد سلطتها على معارضيها داخل الحزب.
ومن بين جميع الأحزاب النمساوية، فإن حزب “نيوس” الليبرالي الصغير هو الحزب الوحيد القادر على التركيز على عمل المعارضة القوي وليس على نفسه.
ويؤكد الخبير السياسي فيلزماير أنه لا يمكن لكورتس وشتراخه الاعتماد على ما حققاه من انجازات.
وحذر من أن “الوضع قد يصبح أكثر صعوبة بالنسبة للحكومة إذا لم تعد قادرة على التغطية على جميع القضايا بموضوع الهجرة”.
وعلى الجانب الآخر، يتعين على “الديمقراطيين الاشتراكيين” أن يتعلموا درساً من الائتلاف اليميني وأن يناقشوا كل الموضوعات فقط من خلال إطار قضاياهم التقليدية.
وينصح الخبير السياسي “الديمقراطيين الاشتراكيين” بأن يقولوا :”ما جدوى إغلاق حدودنا إذا لم نقم حتى بحل مشكلة توفير إسكان يمكن تحمل تكاليفه”.
(د ب أ)