السلايدر الرئيسيشمال أفريقيا
تونس.. الترحال السياسي يقلب موازين القوى ويعمق أزمة الثقة في السياسيين
– تونس – الحراك السياسي الذي تعرفه تونس منذ أشهر، ومداره المركزي الموقف من حكومة يوسف الشاهد، والذي تجسد في الانتقال السياسي للكتل والنواب من قطب سياسي إلى آخر، تعزز الأحد بموقف جديد، أكد ظاهرة سماها البعض “الترحال السياسي” في تونس.
حزب الاتحاد الوطني الحر، أعلن في بيان أصدره الأحد، 14 أكتوبر 2018، إثر انتهاء أشغال المجلس الوطني الاستثنائي للحزب، عن اندماجه في حزب حركة نداء تونس. وجدّد الاتحاد الوطني الحر عدم دعمه لحكومة يوسف الشاهد، مطالبا بتحوير كلي للحكومة بما في ذلك رئيسها. وفوّض المجلس الوطني للاتحاد الوطني الحر رئيس الحزب سليم الرياحي لاتخاذ جميع التدابير القانونية والإجرائية من أجل إتمام عملية الاندماج في حركة نداء تونس.
عمليا يعني هذا القرار انتقال كل نواب الاتحاد الوطني الحر (15 نائبا)، إلى كتلة حزب نداء تونس، وانسحابهم من كتلة الائتلاف الوطني التي تشكلت منذ أسابيع بعد الانشقاق من كتلة نداء تونس على قاعدة سياسية مهمتها مساندة رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد.
المهم في الخبر ليس الاندماج في حد ذاته، لأنه فعل معتاد في المشاهد السياسية في العالم، ولا تغيير الموقف من حكومة أو من رئيسها وهو أمر يحصل أيضا بناء على اختلاف التقييمات، أو الاختلاف في وجهات النظر، بل إن المهم والخطير هو تواتر ظواهر الترحال السياسي، سواء خصت حزبا أو مجموعة نواب، خاصة وأن الظاهرة مست عددا كبيرا من نواب الشعب، الذين انتقلوا من كتلة إلى أخرى أو من حزب إلى آخر.
الملاحظ أن هذه الانتقالات الكثيرة طالت أحزابا وائتلافات محددة، عرفت بعدم ثبات أعداد نوابها. الاتحاد الوطني الحر مثلا عُرف بانتقالات نوابه الكثيرة (ذهابا وإيابا)، كما عرف أيضا حزب نداء تونس بهذه “السياحة الحزبية” إذ كان أول حزب استفاد من هذه الظاهرة منذ العام 2012، حيث استقطب نوابا من العريضة الشعبية آنذاك. ومع ارتفاع منسوب الشد السياسي ارتفعت حركية السياحة الحزبية، حيث كان الموقف من حكومة يوسف الشاهد حاثا للكثيرين على الانتقال من كتلة إلى أخرى، إذ تم في 27 أوت 2018 الإعلان عن تشكيل كتلة الائتلاف الوطني وضمت 34 نائبا، وتشكلت الكتلة حينها، من تحالف الكتلة الوطنية (المنسحبين من كتلة نداء تونس) ونواب الاتحاد الوطني الحر إضافة إلى بعض المستقلين، وكانت ثالث أكبر كتلة برلمانية بعد النهضة والنداء.
اندماج الاتحاد الوطني الحر مع حزب نداء سيعني أن نوابه سيعودون إلى كتلة النداء مرة أخرى، وهو ما يعني تغير ترتيب الكتل مرة أخرى، ويعني أيضا إعادة معركة التموقع السياسي من جديد.
الترحال السياسي الذي بات ظاهرة سياسية تونسية بامتياز طال أحزابا سياسية معينة، ولم يشمل أحزابا أخرى، الجامع بين الأحزاب المتضررة أو المستفيدة من هذه الظاهرة، هو أحزاب غير عقائدية أي أنها لم تقم على أيديولوجيا واضحة (نداء تونس والعريضة الشعبية والاتحاد الوطني الحر فضلا عن النواب المستقلين الذين ينتقلون من كتلة إلى أخرى حسب العروض المادية). أحزاب النهضة والجبهة الشعبية لم تتأثر بهذه الظاهرة، ولم تعرف انشقاقات أو انتقالات لنوابها. إذ أن المنطلقات الأيديولوجية تحصن هذه الأحزاب من أخطار الانشقاقات وإن كانت لا تحول دون بروز بعض الخلافات (مثل خلاف المنجي الرحوي مؤخرا مع بعض قيادات الجبهة الشعبية).
الدافع الثاني والمهم لهذه السياحة الحزبية هو الديمقراطية الداخلية؛ إذ أن الأحزاب التي تعيش أزمة ديمقراطية داخلية، من قبيل عدم إنجاز المؤتمرات أو تأخرها وعدم تصعيد قيادات سياسية بشكل ديمقراطي، أو هيمنة قيادة معينة على كل مؤسسات الحزب (حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي لنداء تونس يسير حزبه بالتعيين لا بالانتخاب). الترحال والانتقالات السياسية تزدهر في الأحزاب التي تعيش أزمة ديمقراطية داخلية. وهو ما ثبت في وضع الاتحاد الوطني الحر حيث اعتبر رئيس الحزب سليم الرياحي نواب الحزب ملكية خاصة له يتصرف فيهم كما يشاء وينقلهم من كتلة لأخرى كما يعنّ له، وهو ما يكشف انفراده بالرأي في قيادة الحزب وليس للأمر علاقة بالزعامة السياسية ولا بالحكمة السياسية بل له ارتباط واضح بتوظيف المال في السياسة.
وتتضافر العوامل الأيديولوجية مع عوامل غياب الديمقراطية الداخلية مع المسألة المادية (ثمة حديث عن شراء نواب أو استمالتهم) لتصنع مشهدا سياسيا مصطبغا بعدم الثبات، ولذلك لم يكن يفاجئ إعلان الاتحاد الوطني الحر اندماجه مع نداء تونس أحدا من المتابعين للشأن السياسي التونسي، بل إن البعض يكاد يجزم أن الأمر سيتكرر قريبا وقد نشهد تصدعا جديدا.
ويرى مراقبون أنه بالرغم من أن لكل شخص كامل الحرية في التنظم في الإطار السياسي الذي يراه مناسبا، لكن إلا أن الأمر يتخذ أبعادا خطيرة حين يكون هذا الفاعل السياسي نائبا في مجلس نواب الشعب، انتخب في إطار قائمة محددة وعلى أساس برنامج قدم للناخبين. وحين يصبح الترحال السياسي عادة يمارسها نفس الحزب أو يكثر من كتلة إلى أخرى فإنه يحدث اختلالا في التوازنات السياسية ويعمق الاضطرابات السياسية وحالة الغموض وعدم الاستقرار ويعمق حالة عدم ثقة التونسيين في الفاعلين السياسيين، الأمر الذي جعلهم يصفونهم بهواة للسياسة وقد باتوا مصدر تندر لدى الرأي العام. لكنه تندر على شاكلة الكوميديا السوداء.