تحقيقات

الرقة بعد الارهاب مدينة بلا أبنية وجسور.. وسكان أرهقتهم الهموم

– على مدار الساعة، تقل عبّارات تقطع نهر الفرات ركاباً وافدين الى الرقة عبر بوابتها الجنوبية، فالجسر الرئيسي الذي يربط الأطراف الجنوبية للمدينة بما تبقى من أحيائها، لا يزال مدمراً منذ الحرب مع تنظيم داعش الذي طرد منها قبل عام.

في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2017، طردت قوات سوريا الديموقراطية بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن تنظيم داعش من الرقة التي شكّلت أبرز معاقله في سوريا لفترة طويلة. بعد مرور عام، لا تزال المدينة غارقة في الدمار.

من أجل دخول المدينة، يضطر أبو يزن (33 عاماً) وزوجته وأولاده الثلاثة أن يستقلوا عبّارة بدائية لقطع نهر الفرات الذي يفصل بين المدينة وأطرافها الجنوبية. ثم تكمل العائلة طريقها الى داخل الرقة على متن دراجة ناريّة تعبر النهر معها.

ويقول الرجل ذو اللحية السوداء لوكالة فرانس برس “هناك صعوبة.. والأولاد خائفون مع الاحتمال الدائم بأن تغرق” العبّارة.

ويضيف “نريد أن يتم إصلاح الجسر لأنه أكثر أمناً من التنقل في المياه”.

من الضفة المقابلة للنهر، يمكن رؤية عبّارات وقوارب صغيرة تتجوّل ذهاباً وإياباً في النهر، تقل سيارات وشاحنات وأشخاصا ودراجات نارية مقابل بدل مالي.

وليس بعيداً من مكان توقف العبارات، يمكن مشاهدة ما تبقى من أعمدة جسر يُعرف باسم “الجسر القديم”، بعدما استهدفته غارة للتحالف الدولي.

وتمكنت قوات سوريا الديموقراطية المؤلفة من فصائل كردية وعربية بعد نحو أربعة أشهر من المعارك، من طرد تنظيم داعش، وسلمت إثر ذلك إدارتها الى مجلس الرقة المدني الذي يضم ممثلين عن الإدارة الذاتية الكردية وأبرز مكونات المنطقة.

وتسببت غارات التحالف بتدمير كل الجسور المؤدية إلى مدينة الرقة، وكان الهدف منها تقطيع أوصال المدينة لمحاصرة الإرهابيين داخلها.

ويقول نائب مجلس الإدارة المحلية والبلديات في مجلس الرقة المدني أحمد الخضر لوكالة فرانس برس “هناك 60 جسراً بحاجة للإصلاح” في محافظة الرقة، مشيراً إلى أن “التحالف الدولي قدّم ثمانية جسور معدنية وُضعت على الطرق الرئيسية” في ريف الرقة لوصل المناطق ببعضها.

لم يساعدنا أحد

وقدرت منظمة العفو الدولية حجم الدمار في الرقة بثمانين في المئة، ويشمل المدارس والمستشفيات والمنازل الخاصة. وأحصت وجود “30 ألف منزل مدمرة بالكامل و25 ألفاً شبه مدمرة”.

ويكاد لا يخلو حي أو شارع في الرقة من الأنقاض، وإن كان المشهد صادماً أكثر في وسط المدينة الذي شهد على آخر وأعنف المعارك.

ولا يزال مستشفى الرقة الوطني، الأهم في المدينة، ينتظر اعادة تأهيله. وتمتلئ غرفه وأروقته بأجهزة أشعة تالفة وأسرة وكراس متضررة، فضلاً عن أدوية وأطراف اصطناعية مرمية في كل مكان.

ويقول إسماعيل المعيدي (48 عاماً) إنه فقد خلال المعارك ابنه الذي قاتل في صفوف قوات سوريا الديموقراطية، ومنزله. ويعيش اليوم مع عائلته وأحفاده لدى شقيقته في حي النهضة.

ويقول المعيدي لفرانس برس “دمر التحالف البناء كله. راحت كل أغراضنا معه”.

ويروي “خسرت ابني ودفنته بيديّ”، مضيفا “ذهب كل شيء، كان أملي كله أن يأويني منزلي مع وعائلتي”.

ويسأل الرجل الذي طغى الشيب على شعره وذقنه “كيف لي أن أعيد بناءه؟ نريد المساعدة في إزالة الأنقاض، لكن أحداً لم يساعدنا”.

وعاد خلال السنة الفائتة أكثر من 150 ألفاً من سكان مدينة الرقة اليها، وفق تقديرات الأمم المتحدة.

في مقر مجلس الرقة المدني، يضع أحمد الخضر خريطة المدينة أمامه ويشرح قائلا “أحياء وسط المدينة هي الأكثر دماراً، إذ بلغت النسبة 90 في المئة مقابل 40 إلى 60 في المئة في الأحياء المحيطة”.

ويضيف “الدمار هائل والدعم غير كاف”.

وساعد التحالف الدولي في أعمال إزالة الالغام والأنقاض فضلاً عن تأهيل بعض المدارس.

كما يشكل وجود الألغام والمتفجرات التي خلفها التنظيم خلفه خطراً رئيسياً يودي بحياة السكان.

نتسوّل المياه

ويشكو السكان من النقص الكبير في الخدمات الأساسية مع دمار البنى التحتية.

على جانب طريق في حي الفردوس، يجلس عبد الإبراهيم (70 عاماً) وهو يحمل عبوة بلاستيكية فارغة. ويقول العجوز الأسمر البشرة بحسرة “أتسوّل المياه، آتي إلى هنا وأجلس ربما يمر أحدهم”. والمياه مقطوعة منذ ثلاثة أيام عن منزل اتخذه بديلاً عن بيته المدمر.

وتنهمر الدموع على وجنتي الإبراهيم وهو يشير إلى أنقاض مبنى قربه. ويوضح “منزلي بات كهذا الركام (…) كنا في جنة الله، أنظروا ماذا حصل لنا، حتى المياه بتنا نتسولها”.

على مقربة من المكان، ينهمك عمال في البحث عن أسلاك حديدية ملتوية بين أنقاض الأبنية، قبل أن يضعوها في آلة تعيد تقويمها لإعادة استخدامها لاحقاً.

ويعتاش سامر فرواتي من بيع الدخان على بسطة صغيرة مقابل منزله المدمر في حي مساكن الطب الحديث. ويقول “قصفه الطيران، لم يبق لنا منزل ولا أي شيء”.

ولدى سؤاله عن جهود إعادة الاعمار، يجيب “لا يوجد شيء اسمه إعادة إعمار، كله كلام فارغ”، مضيفاً “هذا هو حالنا، أن ندفع 120 دولاراً بدل إيجار شهرياً”.

ولم يعد فرواتي يثق بكلام المسؤولين المحليين بعدما تلقى وعودأ كثيرة. وقول “لو يساعدوننا قليلاً، نكمل نحن البناء لكن لا أمل أبداً”.

ويضيف “حتى فرص العمل قليلة. أعمل يوما وأتوقف عشرة (…) إذا توفر الطعام نأكله، وإذا لم يتوفر لا نأكل شيئاً”.  (أ ف ب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق