أقلام مختارة

بين مركاتو الغرب ومركاتو العرب!

حفيظ دراجي

مع نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي أغلقت سوق الانتقالات الشتوية على أرقام خيالية لصفقات مدوية خاصة في أوروبا التي تبقى قبلة النجوم. شهر يناير 2018 شهد 21 ألف صفقة عبر العالم بلغت قيمتها مليار ونصف مليار دولار أبرزها انتقال كوتينيو الى البارسا بـ160 مليون يورو والهولندي فان دايك الى ليفربول بـ84 مليون يورو. مصادر من الفيفا ذكرت بأن النوادي المحترفة في كل العالم أنفقت سنة 2017 ما يقارب الـ5 مليارات يورو في سوق الانتقالات بزيادة تفوق 30 بالمئة عن سنة 2016 ضمن صفقات كبيرة، تتقدمها صفقة نيمار الى باريس سان جيرمان بمبلغ 222 مليون وديمبيلي الى البارسا بمبلغ 105 ملايين، ولوكاكو من ايفرتون الى المان يونايتد بـ85 مليون يورو.
وسط هذا الزخم من الأرقام طالعتنا وسائل الاعلام العربية منذ أيام على صفقة تجارية بين الهيئة العامة للرياضة في المملكة السعودية والاتحاد الاسباني لكرة القدم تقضي بتعاقد عدد من الأندية الاسبانية المحترفة في الدرجتين الأولى والثانية مع تسعة لاعبين سعوديين الى غاية نهاية الموسم، في حدث فريد وغريب، خاصة بعد الذي تسرب بأن هيئة رعاية الشباب السعودية هي التي ستتكفل بكل مصاريف اللاعبين من مرتبات وحوافز مقابل استضافة الجانب الاسباني لهؤلاء اللاعبين في أنديتها الى نهاية الموسم لمدة مئة يوم وقبل كأس العالم في روسيا. طريقة التسويق ضمن اتفاق الشراكة المعلن عنه لا يمكن تصنيفه ضمن خانة الانتقالات التقليدية، بل جلبت السخرية أكثر من التهليل لهؤلاء اللاعبين والمنتخب السعودي لأن الانتقالات والاحتراف في أوروبا يقومان على أسس ومبادئ فنية أكثر منها تجارية، وتجهيز اللاعبين للمشاركة في المونديال يستند الى أسس ومعايير فنية ونفسية ضمن بيئة اجتماعية ملائمة تسمح للاعبين بخوض أكبر عدد من المباريات وليس لمجرد التواجد ضمن فريق محترف بحكم اتفاق تجاري محض!
أصحاب المبادرة تحدثوا عن صفقة رياضية تقضي بانتقال لاعبي المنتخب السعودي لخوض تجربة الاحتراف للرفع من مستوياتهم وصقل مواهبهم وتجهيزهم لكأس العالم في روسيا الذي تأهلت اليه السعودية برفقة مصر والمغرب وتونس. أما المعارضون فقد تساءلوا عن جدوى الصفقة وماذا سيستفيد لاعب دولي، تعود على اللعب أسبوعيا مع ناديه في الدوري السعودي، من تواجده في بيئة غريبة وفي مدة زمنية قصيرة قد لا يلعب فيها أي مباراة في الدوري الاسباني، خاصة وأن الفرق التي استضافت هؤلاء اللاعبين تلعب من أجل البقاء أو الصعود ولن تسمح لها الظروف باستعمال هؤلاء اللاعبين وتجريبهم أو المخاطرة بهم ما ينعكس سلبا على جاهزيتهم للمونديال.
الجانب الاسباني من جهته، من خلال رابطة اللاعبين الاسبان، انتقدت اتفاق الشراكة الذي يقضي بانتقال 9 لاعبين سعوديين، بينهم لاعبون دوليون، إلى أندية اسبانية من الدرجتين الأولى والثانية على سبيل الاعارة لمدة ستة أشهر، واعتبرت الرابطة في بيان لها أن «هذا النموذج التجاري الجديد يعطي الأولوية للجانب الاقتصادي والتجاري على الجانب الرياضي والفني ولن يفيد اللاعبين ولا النوادي الاسبانية التي تعاقدت معهم، ولا اللاعبين الإسبان الشباب الذين ينتظرون فرصتهم في الاحتراف».
الجماهير السعودية أبدت استياءها من الصفقة التجارية في مواقع التواصل الاجتماعي، ونوادي الدوري السعودي المحترف أفرغت من نجومها، لذلك راحت تتعاقد مع لاعبين عرب من خارج السعودية لتعزيز صفوفها لمواجهة متطلبات المنافسة على الدوري المحلي وخوض غمار منافسات دوري أبطال أسيا، فكانت الوجهة تونس المتأهلة بدورها الى مونديال روسيا والتي دفعت بلاعبيها الدوليين الى الاحتراف في الدوري السعودي حتى يكونوا جاهزين للمونديال على غرار أمين بن عمر الذي انتقل الى الأهلي، وفخر الدين بن يوسف انتدبه الاتفاق، وفرجاني ساسي في النصر والحارس أيمن المثلوثي الذي انتقل إلى نادي الباطن، بدون أن ننسى أحمد لعكايشي في الاتحاد والحارس الواعد فاروق بن مصطفى المنضم الى الشباب!
اذا سلمنا بأن انتقال اللاعبين الدوليين التوانسة الى نوادي الدوري السعودي هو أمر مفيد لهم فنيا وماديا لأن مستوى الدوري التونسي تراجع، والدوري السعودي هو من أفضل الدوريات العربية الذي يسمح لهم بالبقاء على صلة بالمنافسة، فكيف يمكن وصف انتقال خيرة اللاعبين السعودين الى اسبانيا على سبيل الاعارة في صفقة تجارية ستبعدهم عن أجواء المنافسة والإثارة والضغوطات الجماهيرية التي تعودوا عليها في بلدهم؟ ماذا سيستفيد اللاعبون من الاكتفاء بالتدريب في نوادي اسبانية مختلفة من الدرجتين الأولى والثانية؟ وهل يمكن أن نتوقع لهذه التجارب انعكاسا ايجابيا على مستوى اللاعبين والمنتخب السعودي؟ كيف ستكون أحوال المنتخب السعودي في روسيا بعد هكذا تجربة فريدة وغريبة، خاصة وأن الأمر يتعلق بنجوم واعدين مقبلين على المونديال على غرار سالم الدوسري ويحيى الشهري ونوح الموسى وعلي النمر وفهد المولد أفضل لاعب سعودي حاليا؟ ولو كان الأمر يتعلق بشباب سعودي ناشئ ينضم الى أكاديميات نوادي أوروبية عريقة ليتعلم ويتعود على أجواء الاحتراف لكان الأمر برمته مفيدا حتى ولو تم ضمن صفقة تجارية، أما أن يتعلق الأمر بلاعبين هم أصلا محترفون في الدوري السعودي وتفوق أعمارهم الـ25 عاما ومقبلين على المشاركة في المونديال فالأمر بدون شك فيه مضيعة للوقت والمال!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق