أقلام مختارة

التطبيل بالحريات من قصر الأسد

جويس كرم

جويس كرم

نهاية الأسبوع الفائت أطل علينا نقيب الصحافيين التونسيين ناجي البغوري مفتيا بأن “دم [الكاتب جمال] خاشقجي لم يبرد بعد، القاتل بن سلمان لا أهلا ولا سهلا بك في بلد الانتقال الديمقراطي، تونس”. النقيب كان يقصد ولي العهد السعودي الذي زار تونس هذا الأسبوع.

وقبل أن يجف الحبر في مدونة البغوري، كان النقيب الحذق قد حزم حقيبته يوم الاثنين وليظهر مبتسما ومترنحا في كرسيه الشرقي في قصر الرئاسة السورية من دمشق وهو يصغي بإمعان لكلام الرئيس السوري بشار الأسد.

المشهدان للبغوري؛ زاعما في أحدهما التضامن مع خاشقجي وفي ثانيهما ضيفا بشوشا أمام أكثر الأنظمة العربية سلطوية وقمعا للصحافيين، تفضح هذه الازدواجية عصر النفاق والمنافقين الذي نعيشه اليوم. فمنذ مقتل جمال خاشقجي والمزايدات السياسية مفتوحة شرقا وغربا من شخصيات لم تعرف الكاتب أصلا، وتمتطي خيلها اليوم للوصول لأهداف سياسية.

الحراك المدني الذي تظاهر في تونس رافضا زيارة الأمير السعودي هو أصدق وأنبل من أي كلام خرج عن سياسيين وصحافيين من صنف البغوري يحاضرون بحقوق الإنسان وهم يبتسمون في حضرة الديكتاتور. أين البغوري من دماء باسل شحاد؟ ومروان الشربجي وعبدالله كعكة وماري كولفين ورامي السيد وسمير قصير وجبران تويني والمئات غيرهم من صحافيين قتلوا على يد النظام السوري قبل الحرب وخلالها؟ هل معركة البغوري تقتصر على قضية جمال خاشقجي أو هي ضد طرف إقليمي معين؟

هو أصلا لم يعرف جمال خاشقجي الذي عرفناه. لو يعرف جمال الذي تحدث ودافع حتى الرمق الأخير عن السوريين القابعين في سجون الأسد، لما كان حل في دمشق في هذا التوقيت بالذات. هل سأل البغوري الأسد عن الناشطين والناشطات في السجون السورية؟ أو أنه اختار أن يكون شخصا ودودا ومطيعا وهو يزور الدولة رقم 177 من أصل 180 الأسوأ في سجلها في قمع الصحافيين؟

البغوري ليس وحيدا في ازدواجيته، وتشاركه قائمة من الأسماء التي ركبت موجة قضية خاشقجي فيما هي تطبل وفي الكثير من الأحيان يصلها تمويل من أنظمة سلطوية. تولسي غابارد وهي نائب عن ولاية هاواي أتحفتنا الأسبوع الفائت بتغريدات تندد بموقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب من السعودية وخاشقجي. موقف ترامب يستحق الانتقاد وتغريدات السيدة غابارد لاقت تصفيق مئات الآلاف. إنما هؤلاء من أصحاب الذاكرة القصيرة التي اختارت أن تنسى تاريخ النائبة حول الحريات وحقوق الإنسان.

السيدة غابارد، التي تركب الأمواج كهواية في هونولولو، تبني بوصلتها السياسية على مبدأ “خالف تعرف”. هذا المبدأ قادها إلى دمشق من دون إبلاغ الحزب الديمقراطي في العام 2017 حين شاركت بجولة دعائية للنظام تضمنت تذوق المطبخ السوري، وركوب الآلات العسكرية وطبعا لقاء الأسد. غابارد لم تبحث بقضية ناشطين وصحافيين يحملون الجنسية الأميركية معتقلين في سوريا. فاتها بين أطباق الكبة والمسقعة الحلبية أن تسأل عن أوستن تايس وليلى شويكاني وغيرهم. فمواقفها ليست، ولم تكن يوما، حول الحريات، وهي ترتكز حول معارضة ترامب والتبجح بمعارضة حرب العراق إنما بعد أن قاتلت في صفوفها وبعد أن انسحبت أميركا من العراق.

جمال خاشقجي ليس بحاجة لأصوات تبني مواقفها على منافع سياسية للدفاع عنه. هو كان صوتا ضد التسلط في كل أنحاء العالم العربي ولم يجلس يوما مع الأسد. من يريد تبني قضية خاشقجي فليدرس تاريخه وموافقه قبل أن يدنس هذه القضية ويدخلها دهاليز السياسة الإقليمية.

معركة الحريات في المنطقة لا تحتاج لدعم المنافقين ولن تبصر النور من القصور الرئاسية وبالابتسامات العريضة للحكام والرؤساء والملوك. رفض القمع بغض النظر عن اسم من يقمع هو القاعدة الأولى في الدفاع عن حرية التعبير وفي إحقاق بعض العدالة لمن ضحى في سبيلها.

الحرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق