سمير عطا الله
خرجت في حياتي في تظاهرة واحدة. كان ذلك في التاسع من يونيو (حزيران) 1967. يومها استقال جمال عبد الناصر، وعمّ العالم العربي الحزن والقلق. ورأيت التظاهرة في شارع الحمراء فانضممت إليها. وبعد نحو ألف متر وصلنا إلى نزلة «القنطاري». ورأى المتظاهرون محل خياطة، فأخذوا يحطّمونه… ثم المحل المجاور… ثم بعدها محطة البنزين. وكان إلى اليمين شارع خرجتُ إليه مبتعداً عن كابوس التكسير. ولم أخرج منذ ذلك اليوم إلى تظاهرة أو اعتصام أو تجمع.
وعندما غطيت ثورة طلاب فرنسا عام 1968، لم يكن ذلك خياراً أو قراراً. فقد رأيت نفسي بالمصادفة في قلبها أمام غرفة الفندق. غطيتها بموضوعية ومهنية، لكنني لم أؤيدها، ولم أتعاطف معها، ولم أنضم إلى رومانسية المثقفين في «تحليل» غاياتها؛ بل تغيرت نظرتي بعمق، إلى الكتّاب الذين أقرأهم وإلى منظّري العنف واتباع الغضب.
عرض مراسلنا في باريس الأستاذ ميشال أبو نجم، في رسالة مفصلة (السبت الماضي) أخبار حركة «الصديرات الصفراء» – وليس «السترات» كما ترجمت خطأ. وفي هذا العرض نوع من التبرير لموقف الجماعات أو سياساتها، والإنحاء باللائمة على معالجة الدولة للقضية، خصوصاً الرئيس إيمانويل ماكرون. ومن كان يسكن في باريس فلا بد من أنه وقع تحت تأثير الصحف والإذاعات وعشرات الندوات التلفزيونية؛ فالمعارضة في فرنسا موضة، والموالاة جبن وعيب… «وهبوا، هبينا… لكن روقوا، لا نروق».
ماذا كانت النتيجة؟ كانت أن شاباً غاضباً يسكن أطراف المدينة جاء وأحرق وحطم وأغلق متجر رجل لا يعرفه، وفي طريقه حطم صورة المدنية وألحق الضرر والنكسة باقتصادها؛ بعث برسالة إلى الخارج بأن فرنسا دولة هشّة، في إمكان أي زمرة عصابية أن ترفع شعاراً مزوفاً وتستخدمه لإحراق الاطمئنان والاستقرار.
تغيرت ألمانيا من عهد إلى عهد من دون أن تتحطم نافذة، وتغيرت بريطانيا من مكان إلى مكان من خلال استفتاء ونقاش برلماني. وفي دوقية لوكسمبورغ المجاورة، حدث في هذه الأثناء حدث هو الأول في الأمم: جميع سكان الدوقية بعد اليوم يستخدمون وسائل النقل العامة مجاناً، مهما كانت أعمارهم وأسماؤهم وآراؤهم في فلسفة جان بول سارتر.
الذي حدث في جوهرة العواصم الأوروبية عمل رعاع غلاظ لا يعرفون معنى المسؤولية. ربما أن الرئيس أخطأ. وربما وزير الداخلية. لكن كيف نصف هذا الانفلات الشرير في وجه الأمن الوطني، في بلاد مكفول فيها جميع أنواع التعبير.
فليتخيل كل منا عاصمته ومدينته. لقد اتهم الصفر رئيس الجمهورية بالعجرفة وعدم المحاورة. فهل هذه الحرائق والخرائب تواضع وحوار؟
وعندما غطيت ثورة طلاب فرنسا عام 1968، لم يكن ذلك خياراً أو قراراً. فقد رأيت نفسي بالمصادفة في قلبها أمام غرفة الفندق. غطيتها بموضوعية ومهنية، لكنني لم أؤيدها، ولم أتعاطف معها، ولم أنضم إلى رومانسية المثقفين في «تحليل» غاياتها؛ بل تغيرت نظرتي بعمق، إلى الكتّاب الذين أقرأهم وإلى منظّري العنف واتباع الغضب.
عرض مراسلنا في باريس الأستاذ ميشال أبو نجم، في رسالة مفصلة (السبت الماضي) أخبار حركة «الصديرات الصفراء» – وليس «السترات» كما ترجمت خطأ. وفي هذا العرض نوع من التبرير لموقف الجماعات أو سياساتها، والإنحاء باللائمة على معالجة الدولة للقضية، خصوصاً الرئيس إيمانويل ماكرون. ومن كان يسكن في باريس فلا بد من أنه وقع تحت تأثير الصحف والإذاعات وعشرات الندوات التلفزيونية؛ فالمعارضة في فرنسا موضة، والموالاة جبن وعيب… «وهبوا، هبينا… لكن روقوا، لا نروق».
ماذا كانت النتيجة؟ كانت أن شاباً غاضباً يسكن أطراف المدينة جاء وأحرق وحطم وأغلق متجر رجل لا يعرفه، وفي طريقه حطم صورة المدنية وألحق الضرر والنكسة باقتصادها؛ بعث برسالة إلى الخارج بأن فرنسا دولة هشّة، في إمكان أي زمرة عصابية أن ترفع شعاراً مزوفاً وتستخدمه لإحراق الاطمئنان والاستقرار.
تغيرت ألمانيا من عهد إلى عهد من دون أن تتحطم نافذة، وتغيرت بريطانيا من مكان إلى مكان من خلال استفتاء ونقاش برلماني. وفي دوقية لوكسمبورغ المجاورة، حدث في هذه الأثناء حدث هو الأول في الأمم: جميع سكان الدوقية بعد اليوم يستخدمون وسائل النقل العامة مجاناً، مهما كانت أعمارهم وأسماؤهم وآراؤهم في فلسفة جان بول سارتر.
الذي حدث في جوهرة العواصم الأوروبية عمل رعاع غلاظ لا يعرفون معنى المسؤولية. ربما أن الرئيس أخطأ. وربما وزير الداخلية. لكن كيف نصف هذا الانفلات الشرير في وجه الأمن الوطني، في بلاد مكفول فيها جميع أنواع التعبير.
فليتخيل كل منا عاصمته ومدينته. لقد اتهم الصفر رئيس الجمهورية بالعجرفة وعدم المحاورة. فهل هذه الحرائق والخرائب تواضع وحوار؟
الشرق الأوسط