أقلام يورابيا

ما بين سطور انسحاب الامريكي من سوريا

فادي عيد

وكالعادة يأتى ترامب على عكس ما تشتهي سفن الدولة العميقة بواشنطن، ويقرر انسحاب قوات بلاده من سوريا، فى مشهد قد تبدو لا مقدمات له، ولكن حقيقة الامر مشهد زيارة البشير لدمشق محملا برسائل من الخليجي، قبل ان يعلن البشير عن تضامنه مع سوريا كدولة مواجهة، وبمجرد عودته للخرطوم كان رئيس الاركان العامة السعودي حاضرا لمعرفة رد فعل بشار الاسد، بعد ان قام عمرو البشير بالدور الذى قام به علي بابا جان واحمد داوود اوغلو واطراف خليجية قبل 2010، ومن قبله مشهد التواصل بين الرياض ودمشق عبر ابوظبي، ورسائل وزير الخارجية البحريني لنظيره السوري، والاهم السترات الصفراء التى حيدت نابليون الصغير عن الكثير فى سوريا وليبيا، كل تلك المشاهد وغيرها كانت مقدمات لما يحدث الان على ارض سوريا، وما سيحدث قريبا.

سوريا التى هزمت العالم وحطمت مؤامرة كونية كانت كفيلة لهدم قارة بأكلمها وليس دولة، وحتى وان كانت استنزفت سوريا كثيرا وفقدت الكثير من دمائها فى معارك الاعوام السبع، فهي خرجت واقفة على قدمها.

خطوة ترامب لو أكتملت حتى نهايتها (فهناك من سيفعل المستحيل لاحباطها حتى لو تكلف الامر اغتيال ترامب نفسه) فخطوة ترامب تلك ستكون بداية لامر من أثنين لا ثالث لهم، أما سلام جديد فى المنطقة على اسس وقواعد ومعادلات مختلفة تماما عن اي عصور سابقة (كما يرغب ترامب في صفقة القرن)، أو بداية لحرب جديدة تخوضها اسرائيل ضد من نجحت واشنطن جزئيا فى استنزافهم وفشلت كليا فى تدميرهم، ولا أخفى عليكم لو حدث اى حرب بين اسرائيل ضد اعدائها بالمنطقة لكانت تلك القوات الامريكية بسوريا أصبحت رهائن لدى الحرس الثوري الايراني.
فالانسحاب الامريكي بتلك الوتيرة بالتزامن مع التصعيد الاسرائيلي الفلسطيني على الضفة والقطاع، فى ظل اطلاق دولة الاحتلال عملية “درع الشمال” تجاه الحدود اللبنانية ثم “درع الجنوب” تجاه الحدود مع غزة، فى ظل استمرار اعمال مهرجان “التطبيع للجميع”، فالرئيس السودانى نفسه كان بالايام الاخيرة على اتصال مع الجانب الاسرائيلي عبر وسيط تركي، وغيرها من المشاهد بالداخل الاسرائيلي تقول ان الغد لا يحمل سلام بالمنطقة.

لا يفوتنا أن بانسحاب القوات الامريكية من سوريا سيصاب الاكراد بحالة جنون لا توصف، فهم الان محاصرين بين الفكين، فك الذئب الرمادي (تركيا) وفك الاسد (سوري).

فى كل الحالات ستكون خطوة ترامب اليوم، خطوة من أجل اتمام “صفقة جاريد كوشنير” او “صفقة القرن”، الصفقة التى فى كل مرة يعاد فيها صياغتها يفقد فيها الامريكي جزء من مكاسبه، صفقة القرن التى حذرت نيكي هايلي مندوبة الولايات المتحدة بمجلس الامن الشعب الفلسطيني من عدم قبوله لها، قبل ان تفشل فى ادراج حركة حماس كمنظمة ارهابية.

خلاصة القول احلام الانتهاء من بشار الاسد والصلاة فى الجامع الاموي بعد الوضوء بدمائه، أو ان يكون عدنان العرور مفتي سوريا وعبد الله المحيسني رئيس الامارة الاسلامية بالشام، وما غيرها من احلام ذهبت دون رجعة، ولم يعد هناك رفض لعودة سوريا لمقعدها بجامعة الدول العربية، ولكن الجديد والمهم هو أن هناك محاولات حثيثة على غرار ما حدث من 2004 حتى 2010 على ابعاد سوريا من ايران، ولا نستبعد ان تشارك روسيا نفسها فى هذا الامر.

وننتظر شكل سوريا والمنطقة بعد 4 اشهر من الان، وهل ان كان ترامب سيعلن عن “صفقة القرن” بالعام الجديد حقا، أم سيؤجل الاعلان عنها مجددا.

فادي عيد

باحث ومحلل سياسي بشؤون الشرق الاوسط
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق