تحقيقات
العبودية لا تزال تثير انقساما في موريتانيا رغم جهود السلطات لمعالجتها
ـ ينضم ناشطون مناهضون للعبودية مجددا الى البرلمان في موريتانيا، حيث لا تزال قضية العبودية وتداعياتها تثير انقساما في المجتمع رغم الجهود التي تؤكد السلطات انها تبذلها لمعالجتها.
في وقت تستعد البلاد لدورة انتخابية ثانية السبت، تمكن رئيس “مبادرة المقاومة من اجل الانعتاق” بيرام ولداه ولد أعبيدي من الفوز بمقعد في الجمعية الوطنية في الدورة الاولى التي جرت في الاول من ايلول/سبتمبر رغم انه سجين منذ اكثر من شهر.
وأعبيدي المناهض لنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز ليس اول نائب ولا الوحيد الذي ينتمي الى مجموعة الحراطين المتحدرة من العبيد فثمة قيادية اخرى في المبادرة ستنضم ايضا الى البرلمان هي كومبا دادا كان التي سبق ان اعتبرت ان موريتانيا هي “احد آخر البلدان التي تشكل مظهرا للعبودية في العالم”، ومثلها رئيس الجمعية الوطنية المنتهية ولايتها الذي اعيد انتخابه محمد ولد أبيليل.
بين 1,4 مليون ناخب موريتاني، يتحدر الالاف من العبيد. ويرى متخصصون وجمعيات ان بعض هؤلاء “لا يزالون خاضعين لاسيادهم القدامى” رغم “التقدم” الذي احرز على صعيد القوانين وإدانة هذه الممارسات.
اقرت موريتانيا في آب/اغسطس 2015 قانونا يجعل من العبودية التي الغيت رسميا في 1981، “جريمة ضد الانسانية” يعاقب عليها بالسجن حتى عشرين عاما مقابل عقوبة سابقة بالسجن بين خمسة وعشرة اعوام. لكن الوضع لم يسجل اي تقدم ميداني بحسب منظمات غير حكومية.
الا ان القضاء تحرك بقوة منذ بداية العام، وخصوصا عبر محاكم متخصصة في هذه الملفات انشئت في كانون الاول/ديسمبر 2015.
ففي آذار/مارس، قضت محكمة نواذيبو في شمال غرب البلاد بسجن أب وابنه عشرين عاما بعدما استرق عائلة من اربعة افراد، وبسجن امرأة عشرة اعوام بعدما استرقت ثلاث شقيقات.
وفي نيسان/ابريل، قضت محكمة نواكشوط بسجن ثلاثة اشخاص لعام واحد بتهمة “التعامل مع الاخرين كعبيد”، في ما يشكل سابقة.
ويعتبر عدد من الناشطين المناهضين للعبودية ان هذه الاحكام “تشكل تقدما ملحوظا” على ما قال متين بوبكر مسعود الذي وقف الى جانب المشتكين. لكنه اعتبر انها “تشكل ايضا دليلا على ان العبودية لا تزال موجودة وان نكران الحكومة لهذا الامر لا ينطوي على اي معنى”.
وكان الرئيس محمد ولد عبد العزيز اعلن في ايار/مايو 2015 ان “العبودية لم تعد موجودة في البلاد. ثمة فقط ندوب نتجت من هذه الظاهرة نبذل ما في وسعنا لمعالجتها”.
مدارس ومساجد
انشأت الحكومة في 2013 وكالة “تضامن” التي تشيد المدارس والمستوصفات والمساجد في المناطق التي تعيش فيها مجموعة الحراطين. وعمد الحزب الحاكم في المقابل الى استهداف مناهضي العبودية معتبرا انهم “متطرفون يلعبون على الوتر الاتني والعنصري والطائفي بهدف اثارة الانقسام في صفوف الشعب الموريتاني”.
ويروي ماتا مبيريك الذي ولد العام 1975 في ليمغيتي (شمال شرق) وسط عائلة من العبيد، لفرانس برس انه كاد ان يعاد الى أسياده العام 2004 بعدما فر ووصل الى ثكنة عسكرية في زويرات على بعد حوالى 400 كلم. ويضيف “لجأت منظمة لحقوق الانسان في نواكشوط الى السلطات وقد نجوت بفضلها”.
اظهرت المحاكمات ان الصلات التي نسجت على مدى عقود بين العبيد واسيادهم لا تزال متجذرة في المجتمع الموريتاني برمته، حتى داخل الاطار القبلي والعائلي، وفق متخصصين.
وقالت الربيعة بنت حمادي التي حكمت بالسجن عشرة اعوام “لا اولاد لدي، ربيت هذه الفتاة تماما مثل ابنتي وكنت ألبي كل حاجاتها رغم انني لم اخصها براتب”. وكان القاضي يعلن في الوقت نفسه سحب الشكوى التي تقدمت بها شقيقتها الكبرى، الامر الذي ندد به ولد أعبيدي متحدثا “عن ذريعة قديمة تستخدم لافراغ الجريمة من مضمونها وتبريرها”.
لا احصاءات رسمية تظهر عدد المستفيدين من برامج وكالة “تضامن” ولا احصاءات ايضا عن عدد ضحايا العبودية. وتظهر تقديرات منظمات متخصصة ان ما يصل الى 43 الف شخص كانوا لا يزالون ضحية العبودية العام 2016، اي ما يناهز واحدا في المئة من عدد السكان.
ويقول الناشط ضد العبودية متين بوبكر مسعود ان “العبودية لا تزال موجودة، لكنها اصبحت اكثر ندرة، واستمرار وجودها يعني اننا فشلنا في ان نصبح فعلا مجتمعا مناهضا للعبودية همه الاول القضاء على هذه الظاهرة”، مشيرا الى ما يمكن ان يخلفه البؤس الاجتماعي الذي تعانيه الاجيال الشابة من مجموعة الحراطين. (أ ف ب)