مع كل “11 سبتمبر”، يتذكر العالم فاجعة تفجير مبنى التجارة العالمي في نيويورك في عام 2001، وتستيقظ مع هذه الذكرى المُفجعة نظريات المؤامرة الكلية والجزئية التي تُوجه أصابع الاتهام إلى الماسونية العالمية والصهيونية الإمبريالية والبروتستانتية المتطرفة! أُنتجت عشرات الأفلام الوثائقية وكُتبت مئات المقالات والكتب التي تُحلل القصة من زاويتها البصرية والفكرية الخاصة.
دعونا هذه المرة نسلط الضوء على سبب منسي قد يكون هو سبب أحداث 11 سبتمبر، ألا و هو إصابة شاه إيران “رضا بهلوي” بسرطان الغدد اللمفاوية المزمن في عام 1973 !
فلو لم يعاود الشاه المرض بعد تعافيه منه، لربما سارت الأحداث التي تلت تدهور صحته مساراً مختلفاً تماماً، فقد صرّح في عام 1975 أنه سيتنازل عن العرش لولي عهده خلال سبع سنوات عندما يكون قد جاوز عمر الستين سنة، وكان يطلب من أطبائه في آخر سنين حياته أن يمدوا له في عمره سنتين حتى يهيئ الظروف لانتقال سلس للحكم لابنه. في الوقت الذي أراد فيه الشاه حرق المراحل في سبيل هذا الهدف، فإن الخميني كان يجمع الحطب في باريس لحرق الأرض من تحته حتى يفتك به قبل حلول تمدد الغدد الليمفاوية.
يقول الدكتور “ديفيد أوين” وزير خارجية المملكة المتحدة في تلك الحقبة في كتابه “في المرض وفي القوة”، أنه لو حصل تحول سياسي في إيران في تلك الفترة الحرجة في تاريخ العالم، لكانت المنطقة قد تجنبت سلسلة من الحوادث الخطيرة التي أخلّت بأمنها واستقرارها، فلو لم يسقط الشاه، لما تهاوت السلطة السياسية في إيران أمام الزحف الخميني، ولبقيت مسيطرة على المنطقة بحيث لم يكن السوفييت ليستسهلوا دخول أفغانستان في أواخر 1979، والذي هو الآخر أنعش دعاوى النفير العام للجهاد في كثير من مناطق العالم الإسلامي.
كذلك لَما قامت الحرب العراقية الإيرانية في عام 1980 التي كانت نتيجة حتمية لمواجهة فكرة تصدير الثورة الإسلامية للخارج، ولما غزا صدام حسين الكويت في عام 1990 بسبب تبعات الحرب الإيرانية الثقيلة على كاهل الاقتصاد العراقي، ولما دخلت الجيوش الأمريكية منطقة الخليج العربي، والتي هي الأخرى أثارت حفيظة وغضب أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة والمجاهدين من خلفه، مما دفعهم للتحضير إلى ضربات إرهابية في المملكة العربية السعودية وكينيا وتنزانيا، ثم تُوج ذلك الحنق المُتصاعد -مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية- بضربة الحادي عشر في سبتمبر، والتي كانت سبباً مباشراً للغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق، وكان ذلك سبباً لتفشي الطائفية السياسية واختلال الوضع العربي التي ولد -بعد مخاض طويل- خريفاً عربياً مُظلماً، وأينما فتشت في السلسلة المذكورة أعلاه ستجد يداً لإيران الخميني في كل حادثة منها، بدءاً من الحروب الإقليمية وانتهاءً بعلاقاتها المشبوهة مع تنظيمات الجهاد القاعدية والداعشية.
قد تكون بعض الروابط مبالغاً فيها أو لم تتطرق إلى عوامل سياسية وفكرية أخرى مهمة، إلا أنه ينبغي أن لا نُقلل من “تأثير الفراشة” على الأحداث من حولنا، فالفراشة التي رفرفرت من مدينة “نوفل لوشاتو” الفرنسية على مرأى ومسمع من العالم، ثم سُمح لها باستكمال مشوارها الثوري من طهران وتوابعها؛ هي سبب رئيسي للأعاصير التي حلّت بالمنطقة إما بالتأثير المباشر أو غير مباشر… فهل يكون سبب نجاح الثورة الخمينية -وما تلتها من أحداث جِسام- هو تضخم طحال الشاه وانتكاسة حالته الصحية… ربما.
24