السلايدر الرئيسيتحقيقات
العودة الخليجيّة إلى لبنان بين البشائر والنذائر… والانفراجة الحكوميّة باتت على الأبواب!
جمال دملج
ـ بيروت ـ من جمال دملج ـ أمّا وقد استهلَّ اللبنانيّون عامهم الجديد بخبرٍ مفرحٍ يتعلَّق بإدراج عاصمتهم الجميلة في المرتبة السابعة ضمن قائمة العواصم والمدن العالميّة العشر التي نُظِّمت فيها أفضل الاحتفالات المبهرة في ليلة رأس السنة، حيث جاءت بيروت بعد نيويورك ولاس فيغاس وريو دي جانيرو ولندن وباريس ومدريد، وقبل طوكيو وكريسماس آيلاند وسيدني، وفقًا للتصنيف الذي أعدَّه ونشَره موقع “ناشيونال جيوغرافيك” نهار أمس الثلاثاء، فإنّ الأنظار لا بدَّ من أن تتركَّز اعتبارًا من الآن وحتّى إشعارٍ آخَر على رصدِ أيِّ تطوُّراتٍ مرتقَبةٍ من شأنها أن تدلَّ إلى إمكانيّة تعميم بشائر هذه الفرحة على بقيّة أوراق روزنامة العام الحاليّ، ولا سيّما في ظلّ انتعاش الآمال مجدَّدًا بخصوص اقتراب موعد الإعلان عن ولادة الحكومة اللبنانيّة العتيدة في أعقاب مخاضٍ عسيرٍ استغرَق قرابةَ الثمانيةَ أشهرٍ من الزمان، تمهيدًا للشروع في وضع قطار الأزمات السياسيّة والاقتصادية والاجتماعيّة الكبرى التي يواجهها البلد على سكّة التسويات المرجوَّة بالتدرُّج، محطّةً بعد محطّةٍ، الأمر الذي يبدو كافيًا في هذه الأثناء لكي يدفع على الاعتقاد بأنّ عام 2019 يمكن أن يُسجَّل باعتباره عامًا استثنائيًّا بالفعل في حياة اللبنانيّيّن، تمامًا مثلما سُجِّلت للتوّ احتفالاتهم بحلوله ضمن قائمة أفضل الاحتفالات الاستثنائيّة في العالم.
وعلى رغم أنّ الحصيلة النهائيّة لقياس منسوب التفاؤل الفعليّ بالمستقبل، ارتفاعاً أو انخفاضاً، لا تزال مستعصيةً لغاية هذه اللحظة على التقدير، فإنّ مجرَّدَ إجراءِ قراءةٍ متأنّيةٍ حول أبعاد ودلالات قيام دولة الإمارات العربيّة المتّحدة في أواخِر العام المنصرم بإعادة افتتاح مقرّ سفارتها في العاصمة السوريّة دمشق، لا بدَّ من يُفضي إلى ترسيخِ قناعةٍ مؤدّاها أنّ لبنان الذي يستعدُّ لاستضافة القمّة الاقتصاديّة العربيّة يوم العشرين من شهر كانون الثاني (يناير) الجاري سيتأثَّر حتمًا بشكلٍ إيجابيٍّ بمردودات هذه الخطوة الإماراتيّة، ولا سيّما بعدما بات في حُكم المؤكَّد أنّ أبو ظبي كانت قد أجرَت مشاوراتٍ مكثَّفةً قبل الإقدام عليها مع كلٍّ من موسكو والرياض والقاهرة، تمامًا مثلما بات في حُكم المؤكَّد أيضًا أنّها تندرج في سياقِ خطواتٍ مرتقَبةٍ لعواصمَ عربيّةٍ أخرى تستهدف إنهاء القطيعة مع الدولة السوريّة، الأمر الذي من شأنه أن يسهِّل على الدولة اللبنانيّة توجيه دعوةٍ رسميّةٍ للرئيس بشّار الأسد شخصيًّا لحضور قمّة بيروت الاقتصاديّة، ناهيك عن أنّه يفسِّر في الموازاة سرَّ الثقة الكاملة بالنفس التي تجلَّت في فحوى تصريحات السفير الإماراتيّ في لبنان حمد الشامسي عندما أكَّد الأسبوع الماضي على أنّ الإعلان عن تشكيل الحكومة اللبنانيّة سيتمُّ قبل حلول موعد القمّة الاقتصاديّة العربيّة المذكورة.
وإذا كان تأكيد السفير الشامسي قد جاء قبيل توجُّهه برفقة السفير السعوديّ وليد البخاري وعددٍ من كبار الشخصيّات السياسيّة والإعلاميّة والفنّيّة اللبنانيّة لحضور الحفل الغنائيّ الذي أحيَته السيّدة ماجدة الرومي في إطار فعاليّات مهرجان “شتاء طنطورة” في محافظة العلا السعوديّة، فإنّ ما ترافَق مع هذه الفعاليّات من تصريحاتٍ ومواقفَ بخصوص اقتراب موعد عودة الزخم إلى مجرى العلاقات الثنائيّة بين الرياض وبيروت بعد فترةٍ طويلةٍ من عدم اليقين، لا بدَّ من يُجسِّد بدوره أحد تجلّيات خطوة إعادة افتتاح السفارة الإماراتيّة في دمشق وانعكاساتها على الساحة الداخليّة اللبنانيّة، علمًا أنّ الأسلوب الدعائيّ المستخدَم في مجال الترويج لهذه “العودة الميمونة” حمَل في طيّاته الكثير من العناصر المثيرة للارتياب، سواءٌ من خلال نمط الاستحواذ السعوديّ المتمثِّل في إطلاقِ وعودٍ سخيّةٍ بخصوص وفرة المساعدات والاستثمارات الماليّة والاقتصاديّة الآتية إلى البلد أم من خلال نمط استعطاف بعض المسؤولين اللبنانيّين المتمثِّل في الإيحاء بأنّ السياحة الخليجيّة في البلد باتت كما وأنّها “سفينة نوح” التي سوف تنقذه وحدها من الغرق، ولا سيّما أنّ هذا الأسلوب لم يأخُذ في الاعتبار لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ أنّ ثمّة أغلبيّةً لبنانيّةً في كلٍّ من البرلمان والشارع ما زالت ترفض حتّى يومنا الراهن منطق الاستجداء من أساسه جملةً وتفصيلًا.
علاوةً على ذلك، وبالنظر إلى عدم ظهورِ أيِّ مؤشِّر جدّيٍّ واحدٍ لغاية الآن حول احتمالات خروج أزمة العلاقات بين إيران والسعوديّة من عنق الزجاجة على المدى المنظور، وبالاستناد إلى التسريبات التي تحدَّثت خلال الأيّام القليلة الماضية عن أنّ العودة العربيّة إلى دمشق تستهدف في المقام الأوّل الحدَّ من النفوذين الإيرانيّ والتركيّ في سوريا، يُصبح في الإمكان القول بكلٍ أمانةٍ إنّ الإسراف في التفاؤل بأنّ الأيّام المقبلة في روزنامة السنة الجديدة ستكون بنفس سلاسة الاحتفالات التي نُظِّمت ليلة حلولها لم يجدْ المبرِّرات الكافية لرفع منسوبه في لبنان ما بين البشائر وما بين النذائر إلى درجاتٍ قياسيّةٍ بعد، اللهمّ إلّا إذا أجمَع اللبنانيّون على الاستفادة من كافّة الفرص الدوليّة والإقليميّة المتاحة أمامهم، بما فيها الفرص الخليجيّة، من أجل تجييرها موحَّدين لمصلحة البلد العامّة وليس لمصالح أقطاب طبقته السياسيّة الخاصّة، شريطة أن تكون الاستفادة بعيدةً في المقام الأوّل عن أيِّ شكلٍ من أشكال الارتهان… وحسبي أنّ مصطلح الارتهان يعني في إطار ما يعنيه هنا أنّ السعي إلى تلقُّف الفرص المعروضة من دون وجودِ إجماعٍ وطنيٍّ يحظى بمباركة الرؤساء الثلاثة في كلٍّ من القصر الجمهوريّ ومجلس النوّاب والسراي الحكوميّ حول نزاهتها وجدواها، سيبقى في المحصِّلة النهائيّة بمثابةِ فخٍّ ينصُبه فريقٌ من الأفرقاء اللبنانيّين للفريق الآخر… وحسبي أنّ تجارب الماضي علَّمتنا أنّ لعبة نصْب الأفخاخ لبعضنا البعض، بما يخدم مصالح الخارج الدوليّ والإقليميّ على حساب مصالح الداخل اللبنانيّ، غالبًا ما كانت تؤدّي إلى إدخالنا في دوّاماتٍ ودوائرَ فارغةٍ، تمامًا مثلما علَّمتنا التجارب أيضًا أنّ أيَّ محاولةٍ للقفز فوق البديهيّة القائمة على أنّ قوّة لبنان تكمُن في معادلة الجيش والشعب والمقاومة الراهنة دائمًا ما كانت تؤول إلى فشلٍ ذريعٍ في نهاية المطاف… والخير دائمًا في الأفرقاء اللبنانيّين الذين يقدِّرون جدوى هذه المعادلة من وراء القصد.