– اتفاق سلام بين أديس أبابا و أسمرة، سيتم التوقيع عليه في العاصمة السعودية الرياض اليوم الأحد، ليضع حدا فاصلا يتأمله الجميع “نهائيا” للنزاع القديم والدامي بين أثيوبيا و أريتريا.
المبادرة المزدوجة والماراثونية التي قادتها أبوظبي والرياض بتناغم فريد من نوعه في العلاقات الدبلوماسية، بدأت فعليا على الأرض في إبريل الماضي، وكان المحفز لانطلاقها جدية العملية الإصلاحية التي اطلقها “آبي أحمد” رئيس الوزراء الأثيوبي في بلاده، والتي ترسخ دولة المؤسسات في البلد الأفريقي الواقع على القرن الأفريقي.
لكن، اتفاق السلام بين الجارتين “اللدودتين” يتجاوز في آثاره و تداعياته مجرد علاقات ثنائية طيبة بين البلدين، فهو أيضا يضع مسمارا أخيرا في نعش التدخلات الإقليمية وما وراء الإقليمية في منطقة القرن الأفريقي، بما يراه مراقبون أن الاتفاق هو البصمة السعودية – الإماراتية في صفحة القرن الأفريقي كاملة، امام المحاولات التركية – القطرية الحثيثة منذ زمن لخلق حالة نفوذ في تلك المنطقة المنسية والغامضة من هذا العالم.
تلك الزاوية المنسية في الإعلام العالمي، والتي عرفت فقط بأنها منطقة نزاعات و مجاعات و قرصنة بحرية، كانت على الدوام ذات أهمية استراتيجية بحكم إطلالتها الحادة والمميزة على البحر الأحمر وخليج عدن، ويضم ما ت التعارف عليه بالقرن الأفريقي “أرض الصومال” وجيبوتي أوريتريا و أثيوبيا إلى جانب اعتبار السودان ضمن المجال الحيوي الفاعل في ذلك القرن الأفريقي.
التنافس الدولي والإقليمي على زاوية القرن الإفريقي شملت الولايات المتحدة والصين، ومحاولات تاريخية قديمة لإسرائيل في خلق “جيوب” نفوذ استخبارية في المنطقة، ومؤخرا بات لإيران محاولاتها، لتفسح المجال وقد وضعت حدود تدخلها المباشر في اليمن لحليفتها الجديدة قطر، و تركيا واللتان تسيران في خطين متوازيين لخلق مناطق نفوذ عسكري واقتصادي و سياسي في القرن الأفريقي.
الجغرافيا السياسية أعطت الشرعية للمملكة العربية السعودية بأن تكون منطقة القرن الأفريقي مجالا حيويا لها، وهو ما جعلها الأقدم تاريخيا في تشابك العلاقات بتلك المنطقة، خصوصا إذا تم الأخذ بعين الاعتبار الأبعاد القبلية والسكانية فكثير من من قبائل أريتريا مثلا تعود بأصولها إلى أرض الجزيرة العربية والعكس صحيح.
التحالف السعودي – الإماراتي جعل من الإمارات لاعبا أساسيا في القرن الأفريقي، وهو ما زاد من حدة التنافس على أشده بين الإمارات والسعودية من جانب، و التحالف القطري – التركي من جانب آخر.
بمعنى أدق، بين أجندة إقليمية شرعية تراعي أصول الجغرافيا السياسية وتحاول ضمن هذا السياق الإقليمي التوجه نحو منظومة إقليمية متماسكة، بمواجهة أجندة أيدولوجية ممثلة بالإخوان المسلمين اعتمدتها قطر كبوصلة لسياساتها وقد استوطن التنظيم في دوحتها العاصمة، وهو التنظيم الذي تشكل أدبياته فكر حزب العدالة الحاكم في أنقرة.
وبلغة أكثر دقة في عالم المصالح الاقتصادية، فالحديث هنا عن قرن أفريقي يطل على قارة أفريقيا، التي تحتوي على 20 % من احتياطي غاز العالم، و25 % من الذهب الخام و50 % من الماس، وغيرها من ثروات طبيعية، تحاول الأجندة الأولى ترتيبها ضمن أطر إقليمية تجارية بينما تحاول الأجندة الثانية السيطرة عليها لتوسعة نفوذ التنظيم الذي يسيطر عليها وقد سيطر فعليا على أكبر بحيرات الغاز في شبه الجزيرة القطرية.
وتزداد الأهمية بالنسبة للتحالف الإماراتي – السعودي مع تعاظم النفوذ الإيراني من خلال وجودها السافر في اليمن، ومحاولات مباشرة أو بالوكالة تعاونا مع قطر و تركيا للوصول إلى باب المندب وطرق الملاحة الدولية المؤدية في النهاية إلى السويس، وهو ما جعل تلك المنطقة منطقة تهريب أسلحة بالدرجة الأولى لصالح إيران وحلفائها ومليشياتها الموزعة في المنطقة.
النفوذ السعودي الإماراتي في القرن الأفريقي يتجلى في مناطق نفوذ عسكرية واقتصادية موزعة في كثير من مناطق القرن، ومع تزايد قوة الحصار على قطر متزامنا مع الوضع الاقتصادي الصعب لتركيا فإن فرص النفوذ التركي القطري تتضاءل لتأتي اتفاقية السلام الأثيوبي الأريتيري كحائط صد أخير في وجه الأجندة الإخوانية للوصول إلى المنطقة وعسكرتها براديكالية دينية مؤثرة.
ومع الرهان الصحيح على أثيوبيا كدولة مؤسسات راسخة، يبقى السؤال حول باقي الدول المحيطة بأثيوبيا والتي لا تزال تعيش أزماتها الداخلية وتنظر للصراع المحموم حولها كمزاد دولي كل شيء فيه قابل للبيع.