أقلام مختارة

‘أم بي سي’ تحتاج إلى بيئة حرة لتنافس ‘نتفليكس’

داود كتّاب

داود كتّاب

أعلنت مجموعة “أم بي سي” الإعلامية السعودية أنها تنوي منافسة عملاق الترفيه الأميركي، والمقصود خدمة البث الرقمي “نتفليكس”، التي تجاوز عدد مشتركيها في الشرق الأوسط 1.8مليون مشترك.

لا أعرف إذا كان قرار المجموعة الإعلامية العربية متعلق بالخلاف الذي وقع بين السعودية و”نتفليكس”، بسبب حلقة الكوميدي الأميركي حسن مناج في برنامج “باتريوت آكت” الذي يقدمه، التي وجه فيها انتقادات شديدة للسعودية في قضية قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، أم لا؛ ولكن لا شك أن ما حدث قد يكون له تأثير على قدرة مجموعة “أم بي سي” على التنافس مع “نتفليكس” على الجمهور العربي بشكل عام والسعودي بشكل خاص.

المشكلة مع الحلقة السعودية أتت على خلفية أن الحلقة مخالفة لقوانين الجرائم الإلكترونية في السعودية ولذلك طُلب من “نتفليكس” عدم بث الحلقة لمشتركيها في المملكة العربية السعودية.

رغم التزام “نتفليكس” بالطلب السعودي إلا أنها وفرت الحلقة، التي كانت ستوزع للمشتركين فقط، إلى كافة متصفحي الإنترنت مجانا عبر موقع “نتفليكس” على الشبكة العنبوتية. وبذلك، فقد شاهد الحلقة، الملايين حول العالم ممن لا يشتركون بخدمة “نتفليكس”، وقد علق العديد منهم أنهم تعرفوا على البرنامج ومقدمه من خلال مشاهدة الحلقة المجانية عبر الإنترنت.

جاءت قضية “نتفليكس” والسعودية في الفترة الزمنية عينها التي حاول خلالها السفير المصري في واشنطن إقناع محطة “سي بي أس” الأميركية عدم بث مقابلة جدلية جرت مع الرئيس عبد الفتاح السيسي لصالح برنامج “ستون دقيقة” الأكثر شهرة من بين البرامج الجادة الإخبارية الأميركية. رفضت المحطة الطلب وتم بث المقابلة الأحد الماضي حسب ما كان مقررا، إلا أن المحطة أضافت فقرة من خمس دقائق تشرح فيها معدة البرنامج كيف تم محاولة الضغط على المحطة الأميركية لعدم بث المقابلة.

مرة أخرى، شاهد المقابلة وخاصة أحد الأسئلة الأكثر جدلية عدد أكبر بكثير من العدد الذي كان سيشاهدها لو لم يطلب الجانب المصري عدم بث المقابلة. ففي أحد الأسئلة، التي لاقت رواجا كبيرا على شبكات التواصل الاجتماعي، يسأل المذيع الأميركي، الرئيس المصري عن سبب وجود 60ألف معتقل سياسي في مصر. ويظهر السيسي وهو يتصبب عرقا في محاولة يائسة للرد على السؤال.

إن ما يجعل “نتفليكس” و”سي بي أس” شركات ناجحة وما سيصعب على مجموعة “أم بي سي” منافستها هو أمر بسيط للغاية: الحرية الفكرية. فالإبداع ونجاح البرامج التلفزيونية لا يكون من خلال مبدعين مقيّدين بمقص وسطوة الرقيب الذاتي في عقولهم بل لمن تتوفر لهم أوسع بيئة من الحرية.

قد يقول البعض إن اختيار الإمارات العربية المتحدة كمقر لـ”أم بي سي” بدلا من السعودية هولتجاوز هذا الأمر، لكن هذا غير كاف، فالرقيب السعودي سيتواجد قريبا من أذهان العاملين وكتاب السيناريو لبرامج “أم بي سي”، وهذا ما قد يقتل برنامجا بأكمله تحت حجة أنه غير مناسب للمجتمع السعودي المحافظ وغير ذلك من الادعاءات التي تبرر عمليات الرقابة على العمل الإبداعي.

ومن الاختلافات بين “نتفليكس” و”أم بي سي”، هو التناقض بين الادعاءات بالانفتاح على الغرب والديمقراطية، وعند أول انتقاد لسياسات الدولة تتم العودة لسياسات الرقابة والإغلاق. إن ما يجعل الدول الديمقراطية ناجحة، هو قدرتها على تحمل الانتقاد والانتقاد الشديد دون المساس بالمبدع والإعلامي أو محاولة إيقافهم أو منع دخول أعمالهم.

تذكرني هذه الحادثة بأخرى حصلت بين السعودية وبرنامج إخباري باللغة العربي لمحطة “بي بي سي” البريطانية، التي كانت تبث من خلال شركة “أوربيت” السعودية المشفرة والتي كانت بدورها تبث من أثينا اليونانية؛ حينها أنتجت “بي بي سي” تقريرا ضمن برنامج بانوراما تحت اسم “موت أميرة” تطرق إلى وفاة أميرة سعودية وقد هددت الشركة السعودية المالكة لـ”أوربيت” بأنها ستتوقف من الرعاية المالية لنشرة أخبار “بي بي سي” العربية لو تم بث التقرير الاستقصائي. لم تخضع “بي بي سي” للتهديد وبثت التقرير، ونتج عن الأمر وقف بث نشرات “بي بي سي” على المحطة السعودية، وهو الأمر الذي ترك عددا من الصحافيين التلفزيونيين بلا وظيفة، فاستغلت قطر الأمر، واستعانت بخبراتهم لتأسيس قناة الجزيرة، التي تشكو السعودية منها الآن.

ملخص الموضوع أنه قبل قيام السعوديين بمحاولة يائسة لمنافسة “نتفليكس”، من الضروري العمل على تقويم الوضع الداخلي وإطلاق الحريات لأن ذلك فقط يساهم في خلق بيئة مناسبة لإنتاج إبداع تلفزيوني يستطيع منافسة “نتفليكس” أو غيرها.

الحرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق