كان معه ثمانية شلنات، فقدَّر أنها تكفيه ثلاثة أيام وأربع ليالٍ، يقضيها في أحد النزول التي تملأ لندن الثلاثينات. يتضمن ذلك وجبات مؤلفة من الخبز والسمنة والسكر. وفي اليوم الرابع نفدت الشلنات الثمانية (كل 20 شلنا تساوي جنيهاً) فلم يعد أمامه سوى البحث عن مأوى مجاني. وسار نحوَ مسافة نهار. كان المأوى تحت الأرض، ولا ضوء إلا من حطب الموقد. والوجبة كانت خبزاً وسمناً وسكراً. والشاي – كما يصفه – حار ومر ولذيذ.
كل مهجع في المأوى كان يضم 25 شخصاً. أي 25 مشرداً من كل المناطق والأعمار. وبعض عمال المناجم العاطلين عن العمل. وكان المشردون في أسمال عتيقة، يستحمون كل 50 نفراً في مياه واحدة.
افتقد في المأوى النزل الذي كان فيه من قبل: مطبخ مشترك وطناجر وأوانٍ وروح تعاونية بين الجميع. وكان للسكان «رأس» من آيرلندا يفض بينهم المنازعات. وكان الجميع يدندنون أغنية أو أغنيتين، خصوصاً تلك التي عنوانها «أنا هو الفتى الذي صنعه والداه بالخطأ».
إنه شرق لندن في أي حال. وليس فيه من جمال إلا الصبايا. والباقي فقر وسيخ وصينيون. وها هو يسمع للمرة الأولى في حياته بشيء يدعى التقاعد. فقد أخبره رفيق له في المأوى أنه يتقاضى راتباً تقاعدياً قدره 10 شلنات. كل شهر.
ذات يوم من أيام الحظ، يعلمه آيرلندي آخر طريقة الحصول على التبغ: في إمكانك الحصول على ما يعادل علبتي سجائر كل يوم إذا عرفت كيف تدقق النظر في أعقاب السجائر المرمية على أرصفة لندن. «سباسب» كان يسميها محمد شكري على شواطئ طنجة.
في هذا المأوى سوف يتعلم من أحاديث الرفاق، حسنات وسيئات الملاجئ في لندن. أفخرها على الإطلاق في تشيلسي. ملجأ عالي المقام مثل المنطقة، وفيه احتمال الحصول على الزبدة بدل السمنة المائعة. لكن أحداً لم يقل له إن النوم في المأوى سوف يكون على الإسمنت. لا أسرة هنا، ولا أفرشة، ولا بطانيات. كل شيء حجري مثل الكهوف القديمة.
هذا المشرد في ملاجئ لندن وباريس كان جورج أورويل، الذي سوف يصبح أشهر كتّاب الإنجليزية في القرن الماضي. وربما ترك لورثته وناشريه إحدى أضخم ثروات التاريخ في العالم. وحتى اللحظة، لم يظهر خلف لأورويل في نوعية أدبه. ولا يزال كتابه «الأخ الأكبر» مطابقاً للحياة أكثر مما كان طوال 50 عاماً من القرن العشرين. ومن السذاجة أن يطرح المرء على نفسه، ما أهم أعمال أورويل. المواهب العملاقة تشمل كل ما يكتبون.
كل مهجع في المأوى كان يضم 25 شخصاً. أي 25 مشرداً من كل المناطق والأعمار. وبعض عمال المناجم العاطلين عن العمل. وكان المشردون في أسمال عتيقة، يستحمون كل 50 نفراً في مياه واحدة.
افتقد في المأوى النزل الذي كان فيه من قبل: مطبخ مشترك وطناجر وأوانٍ وروح تعاونية بين الجميع. وكان للسكان «رأس» من آيرلندا يفض بينهم المنازعات. وكان الجميع يدندنون أغنية أو أغنيتين، خصوصاً تلك التي عنوانها «أنا هو الفتى الذي صنعه والداه بالخطأ».
إنه شرق لندن في أي حال. وليس فيه من جمال إلا الصبايا. والباقي فقر وسيخ وصينيون. وها هو يسمع للمرة الأولى في حياته بشيء يدعى التقاعد. فقد أخبره رفيق له في المأوى أنه يتقاضى راتباً تقاعدياً قدره 10 شلنات. كل شهر.
ذات يوم من أيام الحظ، يعلمه آيرلندي آخر طريقة الحصول على التبغ: في إمكانك الحصول على ما يعادل علبتي سجائر كل يوم إذا عرفت كيف تدقق النظر في أعقاب السجائر المرمية على أرصفة لندن. «سباسب» كان يسميها محمد شكري على شواطئ طنجة.
في هذا المأوى سوف يتعلم من أحاديث الرفاق، حسنات وسيئات الملاجئ في لندن. أفخرها على الإطلاق في تشيلسي. ملجأ عالي المقام مثل المنطقة، وفيه احتمال الحصول على الزبدة بدل السمنة المائعة. لكن أحداً لم يقل له إن النوم في المأوى سوف يكون على الإسمنت. لا أسرة هنا، ولا أفرشة، ولا بطانيات. كل شيء حجري مثل الكهوف القديمة.
هذا المشرد في ملاجئ لندن وباريس كان جورج أورويل، الذي سوف يصبح أشهر كتّاب الإنجليزية في القرن الماضي. وربما ترك لورثته وناشريه إحدى أضخم ثروات التاريخ في العالم. وحتى اللحظة، لم يظهر خلف لأورويل في نوعية أدبه. ولا يزال كتابه «الأخ الأكبر» مطابقاً للحياة أكثر مما كان طوال 50 عاماً من القرن العشرين. ومن السذاجة أن يطرح المرء على نفسه، ما أهم أعمال أورويل. المواهب العملاقة تشمل كل ما يكتبون.
الشرق الأوسط اللندنية