سمير عطا الله
«البؤساء» إحدى أشهر الروايات الدرامية في العالم، التي حوّلها البريطانيون إلى إحدى أهم المسرحيات وأطولها عرضاً: 70 مليون مشاهد حتى الآن. وعلى برودواي لا تزال منذ 1980 أكثر المسرحيات الغنائية نجاحاً. والآن تقدم «بي بي سي» إنتاجاً جديداً للمسرحية في مسلسل من ثماني حلقات.
لكن ثمة مشكلة أثارت نقداً واسعاً. فقد أُسند دور الشرير والظالم، مفتش الشرطة جافير، إلى ممثل أفريقي الأصول. هل يمكن أن نتخيل أفريقياً يشغل منصب مفتش الشرطة في باريس، في القرن التاسع عشر؟ لماذا تفعل الـ«بي بي سي» شيئاً يثير حفيظة الناس، بصرف الناس عن أعراقهم؟ لأن القانون الجديد يفرض عليها أن يكون 15 في المائة من الممثلين في الأعمال التي تنتجها من غير البيض. ومن أجل ذلك، أعطي دور المفتش جافير إلى الممثل ديفيد أويلو. لا سوء نيّة في الموضوع، بل سوء توزيع.
هذا لا يلغي أن أكثر الشعوب احتفاءً بشاعر فرنسا، هم «الإنجليز» الذين لطالما خاضوا الحروب العسكرية والساخرة من جيرانهم عبر المانش. الوضع كان مختلفاً عندما تأتي المسألة إلى الأدباء: فإذا خاف أديب فرنسي السلطة، مثل فولتير، جاء إلى لندن. وإذا لم يعثر كاتب بالإنجليزية على ناشر في لندن أو نيويورك، لجأ إلى باريس.
غير أن اهتمام البريطانيين بعملاق الشعر الفرنسي بدأ في حياته، عندما قرر أن يعيش في جزيرة غورنزي عند وصول نابليون الثالث إلى الحكم. وفي منفاه، استمر في عمله الإبداعي في الرسم والتأليف، ومن ثم عاد إلى باريس ليخوض معاركه الأدبية والسياسية. ودخل البرلمان بأعلى نسبة من الأصوات. وعندما بلغ الثمانين شاركته باريس الاحتفال بإقامة المهرجانات في كل مكان. ومرَّ من أمام منزله 600 ألف شخص لإلقاء التحية وتقديم الاحترام.
بعد ثلاث سنوات شهدت باريس جنازة لم تعرفها من قبل ولا من بعد: مليونا إنسان ساروا خلف نعشه إلى «مدفن المخلدين» في الضفة اليسرى. بلاد الأدباء والشعراء والروائيين والمسرحيين والفلاسفة، أدركت أن ثمة جبّاراً لن يتكرر. ليس في الشعر على الأقل.
وفي ذروة الحزن الوطني ضحكت باريس في سرها. فأولى الأسواق التي أغلقت حزناً كانت سوق البغايا. ويبدو أن تلك السوق لم تعرف زبوناً في مدى ولاء المسيو هوغو. ثلاث زيارات في اليوم، صبحاً وظهراً ومساءً. وكان يعامل المرذولات اجتماعياً بأدب وعطف ويصغي إلى أحزانهن. ومن تلك الحكايات نشأت قصة «البؤساء». أو بعضها. ومنها نشأت شخصية المفتش القاسي، جافير. وقد كانت الـ«بي بي سي» في غنى عن أن تصور الشخصية الأكثر كرهاً في فرنسا بلون أسمر. يومها كان الرجل الأبيض رمز الظلم.
لكن ثمة مشكلة أثارت نقداً واسعاً. فقد أُسند دور الشرير والظالم، مفتش الشرطة جافير، إلى ممثل أفريقي الأصول. هل يمكن أن نتخيل أفريقياً يشغل منصب مفتش الشرطة في باريس، في القرن التاسع عشر؟ لماذا تفعل الـ«بي بي سي» شيئاً يثير حفيظة الناس، بصرف الناس عن أعراقهم؟ لأن القانون الجديد يفرض عليها أن يكون 15 في المائة من الممثلين في الأعمال التي تنتجها من غير البيض. ومن أجل ذلك، أعطي دور المفتش جافير إلى الممثل ديفيد أويلو. لا سوء نيّة في الموضوع، بل سوء توزيع.
هذا لا يلغي أن أكثر الشعوب احتفاءً بشاعر فرنسا، هم «الإنجليز» الذين لطالما خاضوا الحروب العسكرية والساخرة من جيرانهم عبر المانش. الوضع كان مختلفاً عندما تأتي المسألة إلى الأدباء: فإذا خاف أديب فرنسي السلطة، مثل فولتير، جاء إلى لندن. وإذا لم يعثر كاتب بالإنجليزية على ناشر في لندن أو نيويورك، لجأ إلى باريس.
غير أن اهتمام البريطانيين بعملاق الشعر الفرنسي بدأ في حياته، عندما قرر أن يعيش في جزيرة غورنزي عند وصول نابليون الثالث إلى الحكم. وفي منفاه، استمر في عمله الإبداعي في الرسم والتأليف، ومن ثم عاد إلى باريس ليخوض معاركه الأدبية والسياسية. ودخل البرلمان بأعلى نسبة من الأصوات. وعندما بلغ الثمانين شاركته باريس الاحتفال بإقامة المهرجانات في كل مكان. ومرَّ من أمام منزله 600 ألف شخص لإلقاء التحية وتقديم الاحترام.
بعد ثلاث سنوات شهدت باريس جنازة لم تعرفها من قبل ولا من بعد: مليونا إنسان ساروا خلف نعشه إلى «مدفن المخلدين» في الضفة اليسرى. بلاد الأدباء والشعراء والروائيين والمسرحيين والفلاسفة، أدركت أن ثمة جبّاراً لن يتكرر. ليس في الشعر على الأقل.
وفي ذروة الحزن الوطني ضحكت باريس في سرها. فأولى الأسواق التي أغلقت حزناً كانت سوق البغايا. ويبدو أن تلك السوق لم تعرف زبوناً في مدى ولاء المسيو هوغو. ثلاث زيارات في اليوم، صبحاً وظهراً ومساءً. وكان يعامل المرذولات اجتماعياً بأدب وعطف ويصغي إلى أحزانهن. ومن تلك الحكايات نشأت قصة «البؤساء». أو بعضها. ومنها نشأت شخصية المفتش القاسي، جافير. وقد كانت الـ«بي بي سي» في غنى عن أن تصور الشخصية الأكثر كرهاً في فرنسا بلون أسمر. يومها كان الرجل الأبيض رمز الظلم.
الشرق الأوسط