قد تبدو ان الامور بها هادئة، ولكن فى حقيقة الامر هناك من التحركات الخارجية والحراك الداخلي الذي يقول أنه قد يتم فيها تغير المشهد بشكل جذري.
ففي الحادي عشر من نيسان/ابريل الماضي انفجرت طائرة عسكرية جزائرية قرب قاعدة بوفاريك مما أسفر عن مصرع 257 شخص على متنها، وهناك كم هائل من المصادر تؤكد وجود عناصر من البوليساريو وحزب الله عليها، وفي الاول من ايار/مايو اعلن المغرب قطع علاقاته مع ايران بعد أن اتهمها بإرسال أسلحة إلى جبهة البوليساريو عبر سفارتها بالجزائر، بعد أن تعمد المغرب ضرب ثلاث عصافير بحجر واحد، الاول جاء بكسب الرياض مجددا بعد فترة برود في العلاقات بين الرباط والرياض، بعد اعلان المغرب مقاطعة العدو الاول والاخير للسعودية الا وهي ايران، والثاني محاولة كسب ادارة الرئيس الامريكي ترامب ومستشاره للامن القومي جون بولتون المنحاز للبوليساريو ربما اكثر من الصحراويين أنفسهم عبر التبرؤ من العلاقة مع ايران، والثالث دق اسفين في الجار اللدود الجزائر، بعد اتهماه بالتعاون مع ايران وحزب الله.
ونحن نعلم جيدا ان الجزائر كانت الدولة العربية الوحيدة المتواصلة مع الدولة السورية منذ اندلاع شرارة الربيع العربي هناك، ولعبت الدور الاكبر كحلقة اتصال بين سوريا والغرب قبل ان تدخل سلطنة عمان على الخط.
ومؤخرا عملت قطر على محاولة تضخيم الخلاف بين الجيش الليبي والدولة الجزائرية، بعد أن ارسلت بنغازي اشارة للجزائر بعدم التدخل في الصراع الدائر بطرابلس سواء من قريب او من بعيد.
كل تلك المشاهد تقول لنا ان الجزائر برغم تحركها في الدوائر والملفات الخارجية بشكل شديد السرية الا انها الان باتت مكشوفة وهناك من يضغط عليها لتغيير بوصلتها وتحييدها عن مسارها، وأن كان ذلك هو المشهد الخارجي للجزائر، فالداخل جاء مؤخرا اكثر سخونة.
ففي خطوة لم يقبل عليها أي حزب “اخواني” في أي بلد عربي أو اسلامي من قبل، أقدمت “حركة مجتمع السلم” أو حمس (التنظيم السياسي لجماعة ألاخوان بالجزائر) على توجيه دعوة للجيش الوطني الشعب الجزائري (القوات المسلحة الجزائرية)، بعد أن دعا رئيس الحركة عبد الرزاق مقري إلى تدخل الجيش في الوضع السياسي القائم بالبلاد، وذلك على خلفية الأزمة السياسية وحالة الاختناق التي يمر بها الشارع السياسي الجزائري، مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، وحسم ترشّح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة في ظل حالته الصحية المتدهورة.
وكذلك على خلفية الزلزال الذي ضرب جهاز الامن الوطني الجزائري، بعد اكتشاف صفقة تهريب مخدّرات كبرى دخلت البلاد، وعلى أثرها تم الاطاحة بالمدير العام للأمن الوطني الجزائري عبد الغاني هامل، الذي وجه تصريحات نارية القى فيها اللوم على ما اسماه هامل بمراكز الفساد في السلطة ودوائر الحكم.
كي يراهن رئيس حركة مجتمع السلم الاخواني عبد الرزاق مقري على المؤسسة العسكرية لإعادة ترتيب الأوراق بالدولة، وتحديد الفاعلين في الاستحقاق الرئاسي القادم، وهي دعوة لم تتلقى المؤسسة العسكرية الجزائرية مثلها منذ اكثر من ربع قرن ايام العشرية السوداء.
وجائت تلك الدعوة التي قلبت المشهد السياسي في الجزائر، بعد أن عقدت حركة مجتمع السلم سلسلة من اللقاءات مع أحزاب سياسية من المعارضة والموالاة لتقريب وجهات النظر فيما بينهم، وللبحث عن مخرج من الوضع الراهن، ومناقشة “مبادرة التوافق الوطني” المنبثقة عن المؤتمر الأخير الذي عقدته حركة مجتمع السلم شهر آيار/مايو الماضي، بعد ان التقى رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري برئيس الحركة الشعبية عمارة بن يونس الموالي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وبعدها التقت قيادات من حركة “حمس” بوفد من حزب طلائع الحريات برئاسة منافس الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في رئاسيات 2014 على بن فليس.
وكان الغموض عنوان التحرك النشط الاخواني بالجزائر مؤخرا الى أن صرح القيادي في حركة مجتمع السلم ورئيس الكتلة البرلمانية للحركة سابقا ناصر حمدادوش، قائلا: “إن اللقاءات التي انعقدت كانت بطلب من أصحابها، فاللقاء برئيس حزب طلائع الحريات على بن فليس كان بهدف رد الزيارة، واللقاء مع رئيس الحركة الشعبية الجزائرية عمارة بن يونس كان بطلب منه، وكانت جميعها فرصة لشرح “مبادرة التوافق الوطني”.
وبعدها صدر بيان من حركة مجتمع السلم يفيد بأن اللقاءات الاخيرة لقيادات الحركة كانت تتمحور حول الأوضاع السياسية والاقتصادية للبلاد، وكانت فرصة لرئيس الحركة من أجل عرض “مبادرة التوافق الوطني” وفرص الانتقال السياسي والاقتصادي الناجح.
وجاء نص البيان يقول: “لقد ظهر خلال هذه اللقاءات تطابق كبير في تشخيص الأزمة، والحلول الضرورية للخروج منها، من خلال الاتفاق على رؤية سياسية تكفل الدخول في مسار توافقي تكون الانتخابات الرئاسية فرصة له، ويضمن الاستقرار ووقف الفساد وحسن استغلال الموارد المتاحة، وتوفير بيئة أعمال جاذبة للاستثمار، وحرية المنافسة والمساواة في الفرص، وتحقيق إصلاحات سياسية تكون قادرة لوقف التزوير، وتجسيد الحريات والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، بعد العهدة التوافقية على أساس التنافس على البرامج وتحمل مسؤولية التسيير”.
وما لم تصرح به بشكل مباشر حركة “حمس”، أن تلك التحركات الاخيرة لها جائت بعد ان طرحت الحركة خلال مؤتمرها الأخير الذي انعقد شهر ايار/مايو الماضي، مبادرة سياسية تتعلق بفتح حوار يقضي إلى مرشح توافقي للانتخابات القادمة، وهو الهدف النهائي والاساسي لكل تحركات الحركة مؤخرا بعيدا عن تصريحاتها الدبلوماسية الناعمة أو أي خطاب جماهيري معنوي.
خلاصة القول أخوان الجزائر في تلك الخطوة الجريئة الغريبة على ادابياتهم وتراثهم المعروف في كل بلد عربي واسلامي على مدار 85 عاما، أحرجوا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ودائرته، وفي المقدمة شقيقه سعيد بوتفليقة رجل الظل في قصر المرادية (القصر الحاكم)، بل واحرجوا الوجه الاخر للحزب الحاكم حزب الافلان الا وهو حزب الارندي، بعد أن دخل حزب الارندي (التجمع الوطني الديمقراطي) في زواج كاثوليكي مع الحزب الحاكم الافلان (جبهة التحرير) منذ سنوات، بعد أن تخلى عن مقعد المعارضة للاسلاميين واليسار وحدهم.
فاليوم الاسلاميون هم من يطالبوا بتدخل الجيش في وضع حل قبل حسم الولاية الخامسة لبوتفليقة، وهي المؤسسة التي تصرح من حين لأخر عبر رئيس اركانه الفريق قايد صالح، بأن الجيش بعيد كل البعد عن المسائل السياسية.
ما نشهده اليوم في الجزائر هو بدايات تداعيات عزم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الترشح لولاية خامسة في ظل ظروفه الصحية الصعبة والمتدهورة، حتى بعد ان تعمد في اخر ظهور له الظهور بمظهر الرجل الشاب، ولو أستمر الامر على هوعليه سيكون شكل النهاية عبارة عن نهاية للحزب الحاكم الداعم الاول للرئيس، وهو الحزب الذي يرأسه رجل تخطى عمره الـ 83 عاما الا وهو السيد/ جمال ولد عباس، الذي كان أول من اعلن مبايعته للرئيس الجزائري بوتفليقة، عندما قال: “أنني حتى لو دخلت القبر سأنتخب بوتفليقة”.
ويبقى السؤال واضحا بعد ما طرحنا بالمقال، وهو كيف سيكون المشهد قبل الولاية الخامسة، بعد محاولة استمالة الاخوان للجيش ضد قصر المرادية؟
ويقدر علمنا بأخوان الجزائر والدوائر السياسة عامة ببلد المليون شهيد، فنحن نرى بوضح أن الاخوان الذين خرجوا من انتخابات البرلمانية الاخيرة بالمحصلة صفر، يلعبون لعبة جريئة وخبيثة مع السلطة الحاكمة، جريئة كونهم كسروا كل ادبيات وتاريخ الجماعة ودعوا الجيش للتدخل في المشهد السياسي، وخبيثة لانها ستضع أكبر مؤسستين يتقاسما الحكم في الدولة (قصر المرادية والجيش) في وجه بعض، وفي موقف محرج امام الرأي العام، وهو الامر الذي سيفتح الباب امام تخوين كل مؤسسة للاخرى.
والهدف النهائي من كل ذلك لجماعة الاخوان هو الدخول في عقد صفقة مع النظام والحزب الحاكم، الحزب الحاكم الذي اتخذ من حزب الارندي وحده حليفا ومن الباقي اعداء، كي يضمن بذلك الاخوان حصة افضل عند تقسيم الكعكة مستقبلا، وفي نفس الوقت سيكون قد خرج الاخوان لاول مرة بأكبر قدر من المصالح بعد الكم الهائل من الاجتماعات التي عقدها مع الاحزاب المعارضة، التي قد يصبح زعيمهم أو بالادق مرشدهم هو عبد الرزاق مقري، في ظل قدوم الاخوان على اتخاذ الخطوة الاولى في تحريك المياة الراكدة.
وسننتظر الايام القادمة وماذا سيقول فيها بوتفليقة، وهل سيناولهم المراد، أم سيضعهم في دائرة مفرغة يظلوا يسيروا فيها من حيث أن بدأوا، كي يبقى أخوان الجزائر على غرار اخوانهم بمصر، وسنرى أن كان لجماعة الاخوان كارت جديد أخر أم لا، فيبدو أن أيام الولاية الخامسة بدأت مبكرا جدا.
باحث و محلل سياسي بشؤون الشرق الاوسط