أقلام مختارة

كيف تصنع مرشحا للرئاسة في تونس

الحبيب الأسود

الحبيب الأسود

تستعد تونس لتنظيم انتخاباتها البرلمانية والرئاسية في الثلث الأخير من العام الجاري، المراقبون ينتظرون أن يكون هذا الاستحقاق حاسما في ظل الوضع الاقتصادي والاجتماعي المترهل، وفي ظل التجاذبات السياسية التي تشهدها البلاد والتي تتزعمها نخبة أفرزتها فترة ما بعد يناير 2011، وهي نخبة تبدو فاشلة في غالبيتها الساحقة، يتبين ذلك من النتائج الوخيمة وعلى رأسها حالة الإحباط الشعبي.

هذا الوضع بات يغري الحالمين بالسلطة إلى التقدم والأمر قد لا يحتاج إلى الكثير من العناء، فتونس لا تختلف عن بقية الدول التي تخوض تجربة الديمقراطية البائسة، غير المستندة إلى مؤسسات حقيقية قادرة على تحصين الدولة من الداخل، بقطع النظر عن المكلفين بالحكم. اليوم يمكن الحديث عن دولة فيسبوك وجماهيرية الإعلام ودور الإنترنت واستطلاعات الرأي في تحديد الاختيارات، بل وفي صناعة القادة وإيصالهم إلى صهوة السلطة.

قبل أيام أظهر استطلاع للرأي حول الانتخابات الرئاسية تقدم أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد إلى صدارة نوايا التصويت بنسبة 22.4 بالمئة، يليه مدير إحدى القنوات التلفزيونية الخاصة نبيل القروي بنسبة 21.8 بالمئة، هذه النتيجة باتت تطرح أكثر من سؤال حول الطريقة الأيسر لصناعة مرشح لرئاسة البلاد.

قيس سعيد، بدأ يظهر في وسائل الإعلام بعد 2011 كخبير في القانون الدستوري، لفت إليه الأنظار بأدائه الميكانيكي للغة العربية الفصحى، فهو أمام شاشة التلفزيون ومصدح الراديو لا يتكلم العامية كبقية الساسة والأكاديميين، البعض رأى في ذلك تميزا يحسب له وربما تمسكا باللغة الأم تعبيرا عن ارتباط بهوية تحولت بدورها إلى مركز صراع عقائدي وأيديولوجي، وخاصة من جانبها الديني في ظل اتساع رقعة الإسلام السياسي.

أصبح سعيد إحدى أيقونات التواصل الاجتماعي، كحالة طريفة في البدء، ثم بدأ الناشطون ينقلون عنه مقولات ومواقف تحفل بها صفحته على فيسبوك، رغم أن بعضها يرد في تدوينات تعج بالأخطاء اللغوية، وبدأت تلك التدوينات تجد صدى مهما خصوصا عندما تتحدث عن الهوية والوطنية والتباين الجهوي والمال العام والثروات المهدورة والعجز الحكومي وفشل النخبة السياسية، وصولا إلى قضايا المرأة والمساواة في الميراث، والانتقاد الموجه للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة ولدولة الاستقلال.

يمكن القول إن قيس سعيد بات ظاهرة على موقع فيسبوك، لكن المثير للانتباه أن الرجل قال في مناسبات عدة أنه لا يملك أي صفحة فيسبوكية، بل ولا يتقن التعامل مع الإنترنت، إذن من انتحل صفته ومن استعمل اسمه؟ ومن نشر على لسانه تلك التدوينات الملامسة لمشاعر نسبة من التونسيين؟

أما نبيل القروي، فهو صاحب مشاريع في الإعلام والإعلان والاتصال، وكان له دور في نجاح حركة نداء تونس في انتخابات 2014، يعتبر من المقربين من الرئيس الباجي قائد السبسي، ومن المختلفين مع نجله حافظ، ما جعله يتخلى عن منصبه داخل الحزب، وفي أغسطس 2016 توفي نجله خليل في حادث مرور، ليعلن لاحقا تأسيس جمعية خيرية تحمل اسم “خليل تونس” ثم تدشين برنامج تلفزيوني في 2017 ليتابع نشاط الجمعية، وتزامن ذلك تقريبا مع خوض قناته “نسمة” التي تأسست عام 2007، تجربة دبلجة المسلسلات التركية باللهجة التونسية، ما جعلها الأكثر مشاهدة من قبل العائلات.

إلى هنا يبدو الأمر طبيعيا، ولكن في 26 أبريل 2019 تم إغلاق قناة “نسمة” بقوة الأمن تنفيذا لقرار قديم صادر عن الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري. هذا الحدث جعل القروي يحظى بتعاطف جانب كبير من التونسيين، خاصة من متابعي المسلسلات المدبلجة، ومن المستفيدين من مساعدات جمعيته الخيرية، ونجح القروي في استغلال تلك الحادثة ليبث على قناته الفضائية مواقف المساندين وجولاته بين المحرومين وظهوره كصاحب أياد بيضاء على الفقراء، ليدخل اسمه فجأة ضمن الأسماء المطروحة بقوة لرئاسة تونس في استطلاعات الرأي.

هذان نموذجان لكيفية صناعة مرشح للرئاسة في تونس، الأول دفعت به إلى صدارة نوايا التصويت صفحات فيسبوكية لا صلة له بها، والثاني رشحته لدخول القائمة حادثة ما كانت لتكون فعلا، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل أن الأمر يتعلق بالصدفة وحدها؟ بالتأكيد لا، وهل هناك قوى خفية تدير اللعبة؟ بالتأكيد نعم، ولكن ما الهدف منها؟ هل هو مثلا الضغط على مرشحي الأحزاب أو الكيانات السياسية البارزة؟ هل هو البحث عن منافذ لمساومة مرشحي الأحزاب وللحصول منهم على تنازلات قبل موعد الانتخابات؟

العرب اللندنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق