روجدا علي
من مجرد لعبة إلى إدمان آخر، نعم إنها لعبة البوبجي أو كما يراها الأطفال “عشقهم الممنوع”؛ انتشرت هذه اللعبة مؤخراً بين الأطفال المراهقين أكثر من الشباب. فتحوَّلت من لعبة عادية إلى إدمان، لتشكِّل بذلك جدلاً كبيراً وحديث الشارع. فترى من تصادفه أينما كان، يسألك: هل تلعب البوبجي؟.
صارت هذه اللعبة، جزءاً من هوية الأطفال الصغار، والعامل المؤسِّس لسلوكياتهم الفرديَّة، بكل ما تحتوي هذه الهويَّة من أشكال ونماذج عنفيَّة وعدائيَّة وسلطويَّة، في حياتهم الواقعيَّة التي اكتسبوها من الذائقة الجمعيَّة التي تلقنوها من بوبجي افتراضياً.
يقول البعض عن لعبة “البوبجي” أنها مثلها مثل أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعيَّ، فقد صار الشباب من خلالها يتبادلون الأخبار والأشياء الأخرى من خلال الاتصال الصوتيَّ المباشر، والذي تتيحه برمجيات اللعبة. لكن الحقيقة أنها ليست كذلك، وليس مثلها مثل ساعة على مواقع التواصل الاجتماعيَّ، التي لا يمكن أن تُنكر إيجابياتها الطاغية على السلبيات من جهة المعرفة والمعلومة والفائدة؛ فالساعة الواحدة التي يمكن أن تمضيها على تطبيق الفيس بوك أو الانستغرام، يمكنها أن تترك في المتخيّلة المعرفية بصمة لمعلومة حديثة، بعكس لعبةٍ إيجابياتها تكاد أن تنعدم.
مطلق الأحوال، فإنَّ أثار هذه اللعبة تتحدّث عنها؛ فالتشويق الموجود في اللعبة يدفع اللاعب على الاستمرار في اللعب أكثر، تلك الاستمراراية التي تؤثّر سلباً على الطفل، ذاك أن هذه الساعات تأخذ من قوّة ذهنه وطاقته، فيلاحظ عليه آثار التعب والإرهاق، وعدم التركيز في المعلومات المتلقية، والأسباب السلبية ذاتها على الشباب. لكن يظل الفرق أن الشاب يدرك هذه المساوئ وكيفية الحذر من الحفرة، الأمر المختلف عند الطفل، الذي لا يلاحظ وجود حفرة من الأساس ما يدفعه إلى خطر الوقوع في أيَّةِ لحظة.
والمعلوم أنَّ الطفل بحاجة مستمرة إلى الدعم والتأهيل النفسيَّ والتربويَّ، والاهتمام بشخصيته وتقويتها، فكيف يمكن أن تكون شخصيته إذا افتقد هذه المقومات كلَّها في محيطه!. فيتحوَّل إلى هذه اللعبة الافتراضيَّة التي أسَّست شخصيته، ويفرّغ فيها طاقته كيفما كان؛ ليفضل بذلك حياته الافتراضيَّة التي يكون فيها البطل، بدل حياته الواقعيَّة، التي يحسُّ فيها بأنّه منكر الوجود، رغمَ أنه لا يعلم أبعاد المسألة وتأثيراتها النفسيَّة والذهنيَّة، وما يمكن أن تخلفه هذه اللعبة من عنف لديه ولدى فئة الشباب في المستوى ذاته.
والحال، فإن ما فعلته هذه اللعبة والقائمون عليها، كان ثمّة خطةً ناجحة من خطط الكسب بمقابل ماديَّ، بصورة أدق من صور التأثير على التفكير وغسل الأدمغة، بغض النظر عن أنه ثمَّة من الدول الّتي تمكّنت من فهم سياسة هذه اللعبة والألعاب الإلكترونيَّة الثانية، ولكن عند التفكير في خطة اللعبة وسيرورتها نجدها فعلاً ناجحة، من جهة الفئة المستهدفة، الّتي توضَّح ذلك دون ريب؛ فهي تُكسب اللاعب تدريجياً حبَّ السيطرة، الأمر الذي يُعرّض جيلاً كاملاً إلى أشخاص يفضّلون الحياة الافتراضيَّة على الحياة الواقعيّة.
ولكيفيَّة الحدِّ من هذه اللعبة وظواهر الألعاب الإلكترونيَّة المتعددة، يكفي أن يكون شخصاً أو دائرة صغيرة. بصورةٍ أوضح، الأب أو الأم يمكنهم من خلال متابعتهم ومعرفتهم بأبنائهم، أن يجلسوا بجوارهم، ويشرحوا لهم ماهيَّة اللعبة، وتأثيراتها بشكلٍ تدريجي، ذاك أنَّ الطفلَ لا يمكنه أن يعي الفكرة كاملة مرّة واحدة، لأنَّه ليس بمستوى النضوج الذي يسمح له بتقبل الفكرة كلَّها. يكفي أن يكون كالدواء، حبَّة واحِدة كلَّ يوم.
علاوة على ذلك، يمكن أن تلعب الصحافة دوراً مساعداً، وتصير من الحلول المساعدة في توضيح المشكلة. وبالتالي فإن كلَّ الدوائر الكبيرة والصغيرة ستحصل على فكرة كاملة وواضحة من هذه اللعب؛ فكرة كاملة وواضحة في نفس الوقت.
يكفي الشخص حقيقةَ الطريق الذي أمامه، ليعلم بأن كبسة زر واحدة يمكن أن تكون فارقاً بين حياة وهاوية.
* إعلامية كردية