مشاري الذايدي
أثار تناول مسلسل «العاصوف» على شاشة «إم بي سي» الجاري عرضه هذه الأيام، لقصة احتلال الحرم المكي من قبل جماعة «جهيمان» في نوفمبر (تشرين الثاني) 1979، الكثير من الجدل داخل السعودية وخارجها. لا ريب أنه يحسب للقائمين على مسلسل «العاصوف» هذه المبادرة، بتجسيد الحدث الضخم على الصيغة الدرامية التي ارتضاها صناع العمل، هذه خطوة كبيرة في أرض الدراما السعودية، بعيداً عن أي ملاحظات أخرى.
الحق أنني اندهشت من الغموض الذي يلفّ الحادثة وجماعة جهيمان نفسها، التي عُرفت في أدبيات البحث بـ«الجماعة السلفية المحتسبة»، وكنت أحسب أن أمرها ظاهر، خاصة أن هناك مقاربات سابقة للحدث، مثل مقابلات وكتب ناصر الحزيمي، الباحث القدير والصديق العزيز أيضاً. كما أن هناك «أرشيفاً» صحافياً كاملاً لمن يريد إتعاب نفسه قليلاً عن حادثة الحرم، ناهيك عن أن الحادثة ليست موغلة في القدم، وكثير من أبطالها، مع أو ضد جماعة جيهمان، على قيد الحياة. لندع هذا، استذكرت قصة أخرى مرتبطة تماماً بقصة جهيمان والحرم، سابقة، وربما مؤسسة لها، وهي معركة أو للدقة «قصة» السبلة.
«السبلة» جغرافياً نسبة لروضة برّية تقع بالقرب من مدينة الزلفي شمال العاصمة الرياض، وسياسياً تعني لحظة المواجهة الكبرى بين الملك عبد العزيز والدولة السعودية من طرف، وقوات «الإخوان» من طرف آخر، أو ما عرف بحثياً أيضاً بـ«إخوان السبلة».
المعركة وقعت نهاية مارس (آذار) 1929 وانتصر فيها الملك انتصاراً ساحقاً، منهياً بذلك تحدياً خطيراً مبكراً على تكوين الدولة السعودية. خلاصة الأمر أن جماعات «الإخوان» الغلاة، كانوا يريدون فرض نظرتهم المتشددة على المجتمع والدولة وأخذ قرار الحرب بيدهم دون الرجوع للدولة والملك، فكانت المواجهة بعد محاولات حثيثة للتفاوض والصلح.
نعود لجهيمان، الذي كان يتذكر هذه المعركة بمرارة، وحزن، كما يروي لي شخصياً ناصر الحزيمي عن جهيمان، وكانت السبلة سبباً رئيساً لديه، كامناً وظاهراً، في الخروج على الدولة واحتلال الحرم. سبق لي قبل 15 عاماً تسجيل هذه الملاحظة هنا…
«من هنا نفهم هيمنة لحظة زمنية على تفكيره الديني، فهو ينطلق من لحظة السبلة ويعود إليها، ويدير حركة عقله في مدارها، ويفسر كل شيء من ثقبها، من ذلك أنه فسّر أحاديث الفتن والملاحم التي تقع آخر الزمان من هذا المنظور». يقول في رسالته «الإمارة والبيعة» بعدما أورد حديث الصحابي عبد الله بن عمر في سنن أبي داود الذي يتحدث عن المعارك التي تقع آخر الزمان وفتنة «الدهيماء» التي لا تدع أحداً إلا لطمته وأن الناس، بعد ذلك، يصطلحون على رجل كضلع على ورك، قال جهيمان: «وفتنة الدهيماء هي التي يصبح فيها الرجل مؤمناً ويمسي كافراً. وهي التي لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة، وهي التي تكون بعد اصطلاح الناس، مؤمنهم وكافرهم، على هذا الرجل، الذي هو الملك عبد العزيز كما يتبين لك من الحديث، وراجع رسالة الفتن يتضح لك الأمر أكثر».
يصوّر جهيمان الملك عبد العزيز هنا بـ«صورة غيبية تنطوي على قدر كبير من الغرائبية، ولا شك أن هذا التصوير الغريب للملك عبد العزيز، ما هو إلا ردّ لا شعوري ربما، وانتقام غير مباشر، بسبب الحسرة التي أصابته جراء انهيار حركة (إخوان السبلة) على يد الملك عبد العزيز». ليست لحظة السبلة وحدها، ثمة لحظات أخرى يحسن بعد هذا الزمن الاعتبار بها وتذكرها وتقديمها، بيدنا نحن، للجيل الجديد من السعوديين… وغيرهم، فالتاريخ هو أساس الآيديولوجيا، إن لم يكن هو الآيديولوجيا نفسها!
الحق أنني اندهشت من الغموض الذي يلفّ الحادثة وجماعة جهيمان نفسها، التي عُرفت في أدبيات البحث بـ«الجماعة السلفية المحتسبة»، وكنت أحسب أن أمرها ظاهر، خاصة أن هناك مقاربات سابقة للحدث، مثل مقابلات وكتب ناصر الحزيمي، الباحث القدير والصديق العزيز أيضاً. كما أن هناك «أرشيفاً» صحافياً كاملاً لمن يريد إتعاب نفسه قليلاً عن حادثة الحرم، ناهيك عن أن الحادثة ليست موغلة في القدم، وكثير من أبطالها، مع أو ضد جماعة جيهمان، على قيد الحياة. لندع هذا، استذكرت قصة أخرى مرتبطة تماماً بقصة جهيمان والحرم، سابقة، وربما مؤسسة لها، وهي معركة أو للدقة «قصة» السبلة.
«السبلة» جغرافياً نسبة لروضة برّية تقع بالقرب من مدينة الزلفي شمال العاصمة الرياض، وسياسياً تعني لحظة المواجهة الكبرى بين الملك عبد العزيز والدولة السعودية من طرف، وقوات «الإخوان» من طرف آخر، أو ما عرف بحثياً أيضاً بـ«إخوان السبلة».
المعركة وقعت نهاية مارس (آذار) 1929 وانتصر فيها الملك انتصاراً ساحقاً، منهياً بذلك تحدياً خطيراً مبكراً على تكوين الدولة السعودية. خلاصة الأمر أن جماعات «الإخوان» الغلاة، كانوا يريدون فرض نظرتهم المتشددة على المجتمع والدولة وأخذ قرار الحرب بيدهم دون الرجوع للدولة والملك، فكانت المواجهة بعد محاولات حثيثة للتفاوض والصلح.
نعود لجهيمان، الذي كان يتذكر هذه المعركة بمرارة، وحزن، كما يروي لي شخصياً ناصر الحزيمي عن جهيمان، وكانت السبلة سبباً رئيساً لديه، كامناً وظاهراً، في الخروج على الدولة واحتلال الحرم. سبق لي قبل 15 عاماً تسجيل هذه الملاحظة هنا…
«من هنا نفهم هيمنة لحظة زمنية على تفكيره الديني، فهو ينطلق من لحظة السبلة ويعود إليها، ويدير حركة عقله في مدارها، ويفسر كل شيء من ثقبها، من ذلك أنه فسّر أحاديث الفتن والملاحم التي تقع آخر الزمان من هذا المنظور». يقول في رسالته «الإمارة والبيعة» بعدما أورد حديث الصحابي عبد الله بن عمر في سنن أبي داود الذي يتحدث عن المعارك التي تقع آخر الزمان وفتنة «الدهيماء» التي لا تدع أحداً إلا لطمته وأن الناس، بعد ذلك، يصطلحون على رجل كضلع على ورك، قال جهيمان: «وفتنة الدهيماء هي التي يصبح فيها الرجل مؤمناً ويمسي كافراً. وهي التي لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة، وهي التي تكون بعد اصطلاح الناس، مؤمنهم وكافرهم، على هذا الرجل، الذي هو الملك عبد العزيز كما يتبين لك من الحديث، وراجع رسالة الفتن يتضح لك الأمر أكثر».
يصوّر جهيمان الملك عبد العزيز هنا بـ«صورة غيبية تنطوي على قدر كبير من الغرائبية، ولا شك أن هذا التصوير الغريب للملك عبد العزيز، ما هو إلا ردّ لا شعوري ربما، وانتقام غير مباشر، بسبب الحسرة التي أصابته جراء انهيار حركة (إخوان السبلة) على يد الملك عبد العزيز». ليست لحظة السبلة وحدها، ثمة لحظات أخرى يحسن بعد هذا الزمن الاعتبار بها وتذكرها وتقديمها، بيدنا نحن، للجيل الجديد من السعوديين… وغيرهم، فالتاريخ هو أساس الآيديولوجيا، إن لم يكن هو الآيديولوجيا نفسها!
الشرق الأوسط